دوامة مفزعة دخلت فيها منظومة الأسعار في البلاد وإن كانت أسبابها مفهومة لدى المختصين والعارفين بإكراهات الظرف الاقتصادي الحالي أين يشتعل الضوء الأحمر في كل مفاصله المرتبطة بالنمو والتضخم وانهيار الدينار لكن قطعا لن يكون للمواطن العادي المحاصر بلهيب الأسعار في كل الاتجاهات الإدراك والفهم ذاته. وهنا تطرح مخاوف جدية بشأن حدود قدرة التونسيين أجراء منهم أو فئات محدودة الدخل على تحمل المزيد من التداعيات السلبية لارتفاع الأسعار وتكلفة العيش وسط مؤشرات لحزمة أخرى من الإصلاحات الموجعة تتهدد منظومة الدعم وقيمة الأجور في وضع يذكر البعض بما آلت إليه الأوضاع في اليونان وغيرها من البلدان التي مرت بأوضاع اقتصادية خانقة. أو لعل الوضع يذكرنا بالأزمة الأخيرة التي مرت بها الأردن اثر الإقدام على زيادات مشطة في الأسعار والضرائب أطاحت بالحكومة ورجت الاستقرار في البلاد . قد تختلف الأوضاع والسياقات لكن يبقى القاسم المشترك أن الضغط المفرط باتجاه واحد، وهو جيب المواطن، سيؤدي حتما إلى منزلقات خطيرة تتهدد الاستقرار المهم لتونس في هذه المرحلة المفصلية من مراحل الانتقال الديمقراطي المنشود. إن طرح إشكالية الأسعار لا يمكن أن يتم بمعزل عن إثارة سبب رئيسي فاقم الأزمة وهو تراجع قوة الدولة أمام تعاظم نفوذ اللوبيات والمحتكرين والمهربين كما المتهربين جبائيا. واتحاد الشغل الذي يواجه الحكومة الحالية بعجزها عن التصدي للفساد والاقتصاد الموازي والتهرب الضريبي سيجد أنصارا له دون شك رغم كل ما يقال من «توظيف» يتوخاه الاتحاد لمسألة الأسعار في حربه ضد حكومة الشاهد. وانتصار الاتحاد للأجراء وضعاف الحال في مواجهة الحكومة وإن كان في طياته بعض من التوظيف لكنه على قدر كبير من الوجاهة فالطبقة الوسطى التي دفعت بمفردها فاتورة الانتقال الديمقراطي على امتداد السنوات الفارطة لم تعد قادرة على تقديم المزيد من التضحيات لأن التفقير يتهدد جزءا كبيرا منها. وحان الوقت للتقاسم العادل والمنصف لأعباء الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وضريبة الحفاظ على الاستقرار تحتم اليوم على الحكومة المرور بالسرعة القصوى لاتخاذ قرارات وإجراءات التصدي للاحتكار واللوبيات وتتحلى بالشجاعة في الضرب بقوة على أيادي المهربين والمتهربين من دفع الضرائب والعابثين بقوت التونسي تماما كما كانت لها الجرأة والشجاعة على المرور لمرحلة الإصلاحات المؤلمة.