يستعد المخرج المسرحي محمد كوكة لعمل مسرحي جديد عنونه «الكنغ لير» عن نص للأديب عز الدين المدني كتبه منذ سنوات وأراد ان يكرم به المخرج والممثل التونسي محمد كوكة وقد اشترط عليه ان يؤدي دور البطولة في المسرحية الى جانب الاخراج وقد تم اعداد كل ما يلزم العمل والمجموعة اي كاتب النص والمخرج والممثلون ينتظرون الدعم لتنطلق البرايف. اصل الحكاية في مسرحية «الكنغ لير» حسب ما صرح به عز الدين المدني ل«الصباح» انطلقت من فكرة احتفاء المؤلف النمساوي توماس برنار ب «ميناتي» وهو اعظم واهم ممثل في فيانا بالنمسا في عمل مسرحي ضخم تكريما لعطائه ولموهبته.. هذه المسرحية دفعت المدني للتفكير في سؤال لماذا يحتفي الغرب برموزه ولا نحتفي نحن العرب برموزنا من اصحاب المواهب الفذة والمسيرات النيرة وهم احياء يرزقون؟ وكان الجواب نصا يرد الاعتبار للممثل القدير محمد كوكة صاحب الرؤية الاخراجية الاستثنائية والمتفردة في المسرح ويلقي الاضواء على مسيرته في حياته اعترافا بموهبته ودفعا له لمواصلة المشوار والإبداع ولإضافة سلسلة جديدة لمشروعه الثقافي. وقد قبل المخرج محمد كوكة التعامل مع الكاتب عز الدين المدني وهذا ليس بغريب عمن يؤمن ويدعو دوما إلى تعامل المسرحيين مع القضايا الإنسانية الكبرى التي تشكّل مثالا حيا في الكتابة والإبداع الأدبي والمسرحي، ويدفع نحو الرجوع إلى الكتاب الكبار، مع الاستفادة من الكتابات الجديدة لخلق حداثة يستفيد منها المسرح، وهذا لاعتقاده بان الحداثة لا تأتي من لا شيء، ولكنها تقاليد أدبية عريقة ونصوص قيمة، ونتيجة للإبداع الحقيقي، ولأنه يؤمن بان ضمان النصوص المسرحية الجيدة والراقية من ناحية الموضوع والعمل الدرامي القوي والإخراج البليغ يجعل المسرح يستعيد جمهوره ويحافظ عليه رغم اكتساح التلفزة ووسائل الإعلام الحديثة للمشهد الثقافي بصفة عامة. يعتقد محمد كوكة انه رغم السنوات العديدة التي قضاها في العمل المسرحي ومازال فانه لم يتمكن – نسبيا – بعد من ايجاد اسلوب ولغة تنفرد بخطاب يخرج عن المالوف والمعهود، اسلوب خاص وصوت فريد يكون بمثابة بطاقة تعريف تميز اعماله بين الاعمال المتداولة الاخرى على الساحة الفنية ويقول للصباح: «كان اخراجي لمسرحية «يوليوس قيصر» سنة 1983 بمثابة الجرس المنبه لليقظة والانتباه ولكن الممارسات الانتهازية والظرفية حالت دون تحقيق مشروع جمالي متكامل واضح المعالم التقنية والجمالية على الرغم من عدة محاولات اذكر منها «ريشارد الثالث» وقرطاج لماذا سنة 1993. وعلى اثر اخراج مسرحية «ابن خلدون على البحر الوافر» للكاتب عز الدين المدني بدأت بوادر الموضوعية المحسوسة تتجلى ونذكر منها في هذا السياق «شكسبير لماذا» وهي كتابة جماعية، ثم «دراما عائشة والشيطان» للمنصف بن مراد». في هذه المرحلة من مسيرته اقتنع محمد كوكة بان المسالة تكمن في مناقشة التقنيات التقليدية التي يعتمدها الاخراج عموما ومساءلتها من خلال النص المطروح للتوصل لإيجاد اسلوب ينفرد بإشاراته وإيماءاته واستعاراته وذلك لمفاجأة انتظارات الجمهور المتلقي وشحذ نظرته النقدية دون عسر وتكلف وهو ما جعل محمد كوكة يصرح لنا: «كنت باحثا ولازلت عن لغة مسرحية تكون قادرة على مخاطبة اعمق مشاعر الجمهور ومفاجأته، فارتأيت انه من الضروري توخي اسلوب يكون قادرا على مراجعة المفاهيم التقليدية والمصطلحات المعهودة والبحث عن تجربة نوعية تجمع في آن واحد بين الواقع الحقيقي والتمثيل الايهامي للواقع مع اجتناب التقليد الرخيص لتحسيس الجمهور بان يكون واعيا بتقنيات العرض لان الوعي المسرحي يؤدي الى الوعي بالواقع التاريخي للمتلقي بعيدا عن الاسقاطات الرخيصة والعمل على الجمع بين العقل والحدس». وأكد محمد كوكة ل»الصباح» بان كل ما سبق ان عبر عنه من اطروحات وتساؤلات موجود ضمنيا في مسرحية عز الدين المدني «دور الكنغ لير» وقال:»هذه الشخصية الاستعارية التي تبحث عن نفسها من خلال تجسيد لير الخيالية وأنا ابحث اليوم عن مسرح ضروري يخاطب اعماق مشاعر الجمهور، مسرح قادر على مخاطبة الانسان في كلية شمولية». ورأى كوكة ان الرهان اليوم هو البحث عن معنى الاساس والغاية مثلما يقول نيتشة في كتابه «نشاة التراجيديا» الابداع هو الرد الوحيد على فشل النظريات الاخلاقية والسياسية في تفسير معنى الحياة. وأضاف ان عرضه هذا يشكل عملا ابداعيا مستقلا قائما بذاته له قيمته الفنية وأهدافه الجمالية التي يرضخ لواقعها البحث كما يراه خيال «دور الكنغ لير» وقال:»علينا ان ننظر الى العرض كعملية جسدية مادية من ناحية ومجازية استعارية من ناحية اخرى».