ضمن سلسلة "ذاكرة وإبداع" الثقافية الفصلية التي يشرف عليها المركز الوطني للاتصال الثقافي صدرت هذه الأيام دراسة في جزءين عنوانها"مسرح عربي منير "للمبدع والكاتب المسرحي عز الدين المدني. رأى فيها:"ان فن المسرح يعلم الحرية، ويرفض رفضا باتا الوثوقية. ولئن هو يعلم حرية الإبداع غير المسبوق فلأنه يكره الإتباع والتكرار. ومتى اتسعت حرية القول والفعل في فضائه الفني والفكري وبلا حدود زاد الفن المسرحي كبرا وبعدا وعظمة." خصص المدني الجزء الأول من كتابه ل"نظريات ونقد "وتحدث فيه عن الشكل المسرحي والشخصيات المسرحية بالاعتماد على التراث العربي الإسلامي ثم التفكير في تطوير هذا المشروع وضرب أمثلة ك"ثورة الزنج" و"رحلة الحلاج" و"التربيع والتدوير" وهي أول"وان مان شو" تونسي وقد قدمه الممثل الراحل نور الدين عزيزة وأخرجه رؤوف الباسطي في تونس بعد ان رفع عنها المنع وسمير العصفوري واحمد ماهر في مصر طوال موسم مسرحي كامل. واختار للجزء الثاني من كتابه"مسرح عربي منير" عنوان"أبواب مفتوحة" وتحدث فيه عن المنع الإداري والسياسي الذي سلط عليه بسبب مسرحيتيه"على البحر الوافر" سنة 1986 و"رحلة الحلاج"سنة 1973 وكرم فيه مخرجي مسرحياته ومن بينهم علي بن عياد الذي اخرج له "ثورة صاحب الحمار"والمنصف السويسي وحمادي المزي ومحمد كوكة الذي اخرج له 8 مسرحيات . والفاضل الجزيري الذي اخرج له مسرحيتي"صاحب الغول"وثورة صاحب الحمار" كما اخرج له الطيب الصديقي المغربي مسرحية"الغفران" والمخرج المسرحي السوري الشريف خزندار"رحلة الحلاج" و"شجرة الدر" وكذلك السورية مها صالح التي اخرج ومثلت"شجرة الدر" وقدمتها في عديد المهرجانات الأوروبية والعربية. في هذا الكتاب جمّع المدني نصوصا نظرية في فن المسرح التونسي والعربي أجمالا كتبها منذ واسط الستينات من القرن العشرين زمن أعداد بيان الأدب التجريبي والسنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين أي:"أيام النضال الفكري والفني وألقيت بها على الورق في أوقات الشدة والبأس واليأس والغضب العاتي على حال مسرحنا وفكرنا وثقافتنا وأوضاعنا التي كنا نطمح ان تكون في السماء السابعة انفتح بها باب العرش حتى نصل إلى سدرة المنتهى بين الأمم والشعوب." وألقى بها إلى القارئ ليضعها على محك النقاش:"إذا اعتدل قوامها في عينيه وفكره "ص 12. ورأى عز الدين المدني ان النصوص التي كتبها لم تخنه وانه لم يخنها وانه اليوم يواصل سلالتها بكل حزم كأنه لم يكتب من قبل حرفا واحدا وافرد في كتابه فصلا لتاريخ المسرح التونسي ورواده كمحمد الجعايبي خليفة اسطمبولي ومحمد الحبيب واحمد خير الدين واحمد بليمان والبشير المتهني وحسن الزمرلي وحمادي الجزيري ومحمد بورقيبة وحبيبة مسيكة. وعز الدين المدني هو قاص وروائي وناقد مسرحي قدم لتونس وللعرب مسرحا مختلفا معتمدا على حساسيتنا الخاصة من عاداتنا في الفرجة وتراثنا مؤسسا أعماله على مستوى المضمون الذي يضمن التفاعل بين المتفرج والعرض الذي يشاهده مسرحه مفتوح ويأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان الذي تتم فيه التجربة. ساهم في الحياة المسرحية وفي جوانب من الحياة المسرحية العربية والأجنبية تعاون مع مخرجين متعددين من تونس ومن العرب والأجانب لإخراج مسرحياته على امتداد أكثر من أربعين سنة وما زال يكتب إلى اليوم ومازال يتعاون مع المخرجين ويرافقهم في العمل والرؤيا الجمالية الملموسة على ركح المسرح يسدي لهم النصائح دون أن يهيمن برأيه على العملية الإخراجية. ولد عز الدين المدني في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي وله تكوين معمق في اللغتين العربية والفرنسية والآداب العربية والفرنسية ومعرفة واسعة بالآداب الأجنبية والفنون الغربية منها والشرقية. وله أيضا تكوين في العلوم الإنسانية والاجتماعية وفي الفلسفة وفي فن السينما. كتب أكثر من ألف مقال في التنظير والنقد الأدبي والمسرحي والسينمائي والتشكيلي. كرم في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي سنة 1994 وتم انتخابه احد أربعة كتاب مسرحيين مهمين أحياء وهم انجي جيمبينسكي من بولونيا وفولكر براون من المانيا وشوزو ساتو من اليابان الدولي. وهو حاصل على جائزة سلطان بن علي العويس في فنون القصة والرواية والمسرحية جميعا سنة 2006. كتب 40 مسرحية تم إنتاج وإخراج 27 من بينها وله 13 مسرحية تبحث إلى اليوم عن منتج ومخرج وممثلين مكتوبة باللهجة التونسية ك "التشربيكة" و"التفدليكة" و"الله ينصر سيدنا" و"الخبر اليقين" و"الهلالية " و"تدريبات ركحية على مسرحية شهداء الوطنية والملك الشهيد" و"الملك لير" و"ياحسرتي عليك يا اثينا" و"قاليلي (ترجمة عن براشت) و"اغتيال في الكاتدرالية" لجان انوي و"ولادة ووليد... وبعد ماذا ؟". احتوى الجزءان من كتاب "مسرح عربي منير" لعز الدين المدني الى جانب الوثائق التاريخية المهمة عن مسيرة الرجل واهم مراحل تطور المسرح في تونس على عدد من الصور النادرة لمثقفي تونس ما بعد الاستقلال واهم رموز المسرح مما يجعله وثيقة يمكن اعتمادها للحديث عن المسرح التونسي. في انتظار ان يصدر الجزء الثالث الذي سيتناول فيه المدني حياته المسرحية خارج تونس وعلاقاته بكبار الفنانين العرب الذين قدموا الكثير من الحب لتونس ولمسرحها ومن بينهم الفراد فرج وعبد العزيز سريع وسمير العصفوري وعبد الكريم جواد ومحفوظ عبد الرحمان..