في ظل وضع سياسي غامض ومتعفن، ووضع اقتصادي يزداد ترديا يوما بعد يوم، تعددت القرارات والإجراءات الاقتصادية للحكومة والبنك المركزي في المدة الأخيرة.. قرارات لم يستسغها أغلبية الخبراء والمختصين الاقتصاديين والماليين وخاصة فيما يتعلق بزيادة نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة مديرية (من 5.7% إلى 6.75%)، التي اقرها البنك المركزي منذ أيام بغاية الحد من التضخم وارتفاع الأسعار. زيادة جاءت بعد أشهر قليلة من زيادة أولى، تثبت حالة التخبط في اتخاذ القرارات في ظل اعتماد كلي على سياسة التداين الخارجي والارتهان لقروض البنك الدولي وصندوق النقد. إن الترفيع المتتالي لنسبة الفائدة المديرية في الوقت الراهن يمكن أن تكون له نتائج عكسية ويمكن أن يضر أكثر بالاقتصاد ويؤثر بصفة خاصة على المؤسسة الاقتصادية في ما يتعلق بتمويل استثماراتها إلى جانب التأثير الحيني والمستقبلي على قدرتها التنافسية في ظل تفاقم ظاهرة التجارة الموازية والانزلاق الحاد للدينار الذي وما ان بلغ عتبة ال3 دنانير مقابل 1 أورو حتى انفلت في بضع أيام ليصعد بشكل يومي ويتجاوز اليوم 3.12. إن الزيادة في نسبة الفائدة المديرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي اليوم لتونس، سيؤدي حتما إلى الترفيع في كلفة القروض الاستهلاكية والسكنية التي تمنحها البنوك التونسية للمواطنين ولن يحد من الاستهلاك باعتبار أن الدراسات الاجتماعية حول استهلاك التونسي أثبتت أن هذا الأخير لا يرتبط استهلاكه بالأسعار سواء انخفضت أو ارتفعت بل إن استهلاكه ثابت بل متطور مهما ارتفعت الأسعار. كما أن الحد من التضخم المالي في تونس لا يرجع بالأساس إلى تدخل البنك المركزي زيادة نسبة الفائدة المديرة، بل هو مرتبط كذلك بقرارات حكومية جريئة وإرادة سياسية واضحة وثابتة لضرب السوق الموازية ومنع التهريب والاحتكار وتحسين الاستثمار والتشجيع على بعث المشاريع بما في ذلك الصغرى والمتوسطة ودفع التشغيلية والدفع بالاقتصاد الوطني والحد من التداين والمحافظة على توازنات المالية العمومية وتأهيل مسالك التوزيع وتعزيز الرقابة.. وكلها إجراءات تساعد بصفة مباشرة في الحد من نسبة التضخم التي تعرف اليوم تفاقما غير مسبوق. والمطلوب من الحكومة الإسراع بمراجعة الأمر الحكومي عدد 324 لسنة 2018 المؤرخ في 29 مارس 2018 المتعلق بضبط قواعد تنظيم وتسيير خط اعتماد دعم إعادة الهيكلة المالية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وشروط وأساليب تدخله خاصة في فصله السابع بالحط من نسبة الفائدة القارة على ضوء الترفيع في نسبة الفائدة المديرية قصد تمكين المؤسسات المعنية من الانتفاع بهذا الحط.. فمثل هذه الإجراءات هي التي ستدفع بالاقتصاد وتحد من التضخم وستدفع الاستثمار والنموّ وتخلق مواطن الشغل لتعود عجلة الاقتصاد إلى دورانها الطبيعي بعد أن أصابها الصدأ في السنوات الأخيرة.