لم يكن فوز سعاد عبد الرحيم بمنصب شيخة المدينة بالمفاجأة وذلك بالنظر الى النتائج المعلنة بعيد الانتخابات البلدية، ولعل المفاجئ حقا هو الموقف السلبي لمرشحي الجبهة الشعبية الذين خيروا المرور بجانب الحدث السياسي في صمت مريب بعد ان خيروا الانسحاب وعدم التصويت خلال الدورة الثانية من الانتخابات. موقف الجبهة الشعبية يحيل الى موقفها من الانتخابات الرئاسية في شقها الثاني بعد ان رفعت شعار قطع الطريق امام المترشح حينها منصف المرزوقي لفائدة الباجي قائد السبسي، فالجبهة الشعبية وبالرغم من إدراكها انها ضعيفة الامتداد انتخابيا مقارنة بعدد المقاعد المتحصل عليها الا ان اصرارها على الترشح والتمسك به فوت على المعارضة فرصة تقديم مترشح موحد، وهو ذات الخطا الذي ارتكبه التيار الديمقراطي بترشيحه لأحمد بوعزي. وكشفت النتائج المعلنة الضعف الواضح لليسار الذي فشل في إمكانية صياغة تحالفات الفوز، وهو ما سيعجل بتداعيات وربما «انهيارات» أكيدة داخل الجبهة الشعبية. سياسيا فشلت الجبهة وبقية مكونات ‹الحادثة» في امتحان التصويت لتفوز حركة النهضة ومرشحتها سعاد عبد الرحيم بمنصب شيخ مدينة تونس عن جدارة،بعد ان نجح الحزب في إقناع مخالفيه بالتصويت للمترشحة عبد الرحيم ، فالنهضة تدرك ان 21 صوتا ستمكن «الشيخة» من الفوز، لكن الحركة لم تكتف بهذا الامر بل استعدت لمفاجآت غير محتملة، فكان لزاما عليها صياغة تحالفات وهو ما مكن سعاد عبد الرحيم من منصبها ب26 نقطة مقابل 22 لمنافسها المباشر عن حركة نداء تونس كمال ايدير. انتكاسة النداء فوز عبد الرحيم قابله انتكاسة داخل النداء الذي حشد الناخبين ومرشحيه للانتخابات البلدية على قاعدة الهوية، الا انه لم ينجح في إقناع عموم الناخبين ليتحصل مرشحه على 17 صوتا ،وكانت قيادات النداء على علم ان فوز مرشحها يمر بالضرورة عبر تحالف من خارج اطار التوافق ، وهو ما عمل النداء على ترتيبه مع ممثل الاتحاد المدني مهدي الرباعي الذي اعلن صراحة وبكل وضوح عن دعمه لمرشح النداء كمال ايدير في اطار مقولات الخط الديمقراطي الحداثي. وفِي الواقع لم تنجح خطة الخط «الحداثي الديمقراطي» في إقناع الجمهور السياسي وحتى المترشحين في حد ذاتهم والا كيف يفسر هؤلاء» الحداثيون والديمقراطيون «عجزهم عن تقديم مرشح موحد لمنافسة النهضة. فمقولات الحادثة والديمقراطية ستستفيد منها حركة النهضة دون سواها من الاحزاب الاخرى بترشيحها لامرأة على راس بلدية كانت حكرا على الرجل منذ اكثر من 150 عاما، اي منذ تأسيس بلدية الحاضرة سنة 1858. فمسألة الحداثة وغيرها من الكليشهات الجاهزة لم تعد مدخلا للقناع بقدر ماهي اداة» للادعاء بالباطل»وقد حان الوقت لتجميع القوى الحقيقية لخلق توازن وكيان سياسي قادر على المنافسة، وخلق المواقف بعيدا عن التشنج والشعبوية التي أصبحت أصلا تجاريا لاحزاب بات عليها لزاما اعادة ترتيب بيتها الداخلي وتحصين نفسها من ممارسة السياسية كهواية لا كفعل لتغيير الواقع. درس عبد الرحيم فدرس سعاد عبد الرحيم ومن ورائها النهضة فرصة حقيقية لتقييم واقع العديد من الاحزاب التي حولت فعلها السياسي الى ظاهرة صوتية حيث «الزغاريط اكثر من الكسكسي» كما يقول المثل الشعبي. ولَم تكتف الاحزاب الديمقراطية بفشلها فحسب بل انطلقت الى مرحلة جديدة من العلاقات قوامها الخيانة وذلك بعد ان اتهم نداء تونس الائتلاف المدني (المتكون اساسا من مشروع تونس وآفاق تونس وحزب الجمهوري) بالتصويت لصالح النهضة وهو ما نفاه مهدي الرباعي الذي اكد ل «الصباح» ان تقسيم المهام سيكشف عن المصوتين لسعاد عبد الرحيم. خسارة النداء امس وصلت الى حدود القيروان بعد ان حصدت النهضة اكثر من 50 ٪ من المقاعد دون ان يتمكن الندائيون من الفوز ولو بمقعد واحد، وقد نزل الحزب بثقله في هذه الجهة بيد انه حصد الرياح رغم محاولات التفاوض في الساعات القليلة التي سبقت التصويت على انتخاب رئيس بلدية القيروان. ويذكر ان فوز سعاد عبد الرحيم يؤهلها لتكون رابع رئيسة بلدية لاهم العواصم في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث تترأس آن هيدالغو بلدية باريس بالاضافة الى رئيسة بلدية روما والقيادية بحركة النجوم الخمسة فيرجينيا راغي الى جانب رئيسة بلدية مدريد كريستينا سيفيونيتس.