أسدل مؤخرا الستار على نتائج المناظرات والامتحانات الوطنية بعد أن طويت أمس آخر صفحة من صفحات المحطات التقييميّة بمختلف مستوياتها بالإعلان رسميا عن نتائج دورة المراقبة لباكالوريا 2018 التي ولئن كانت نتائجها إجمالا «مرضية» فانها تخفي في جوهرها إشكاليات عديدة لعل أبرزها تواضع قدرات ومكتسبات التلاميذ. لكن «عنصر المفاجأة» هذه السنة وعلى حد تشخيص المهتمّين بالشأن التربوي صنعته نتائج مناظرتي «النوفيام» و»السيزيام». فلئن يرى كثيرون أن هذه النتائج كانت «مخيبة للآمال» إلا انهم يعتبرون أنها وضعت الإصبع على الداء فيما يتعلق بتقهقر المنظومة التربوية وتراجع المكتسبات المعرفية للتلاميذ الذي طال حتى «النخبة» منهم في ظل الأعداد المتردية المتحصل عليها في المواد العلمية لاسيما فيما يتعلق بمناظرة «السيزيام» وتحديدا في مادتي الرياضيات والإيقاظ العلمي. وضعية تفرض العديد من الأسئلة المٌلحّة من قبيل: أما ان الأوان لتفعيل مشروع الإصلاح التربوي؟ في تقديمه لقراءة مفصّلة لأبرز نتائج الامتحانات الوطنية للسنة الدراسية 2018 , استهل مدير عام الامتحانات الوطنية عمر الولباني في تصريح ل»الصباح» قراءته بنتائج الباكالويا لهذه السنة التي اعتبر انها تشهد استقرارا على مستوى النسبة العامة للنجاح مقارنة بدورتي 2017 و2016 والتي تعكس صدقية على مستوى عملية قيس مكتسبات التلميذ موضحا انه بعد ان تم إلغاء جميع «المساحيق التجميلية» بالنسبة لهذه المحطة التقييمية اتضحت الرؤية فيما يتعلق بقدرات ومستوى تلاميذنا. لكن يرى الولباني ان ما وراء نتائج الباكالوريا المرضية عموما هناك أرقام مخفية تعكس تواضع قدرات ومكتسبات التلميذ بعد 13 سنة من الدراسة وهي أرقام تتعلق بجودة النجاح. الأغلبية الساحقة «متوسط» وأورد محدّثنا في هذا الإطار ان أغلبية الناجحين في الباكالوريا لم يكن نجاحهم متميزا بما ان الأغلبية الساحقة منهم قد نجحت بملاحظة متوسط مستعرضا في هذا الإطار بعض النسب وهي كالآتي: 95 بالمائة من التلاميذ في شعبة الآداب 86 وبالمائة من التلاميذ في شعبة الاقتصاد والتصرف نجحوا بملاحظة متوسط. 84 بالمائة من التلاميذ في شعبة علوم الإعلامية نجحوا بملاحظة متوسط. 75 بالمائة من التلاميذ في شعبة علوم التقنية نجحوا بملاحظة متوسط. في حين تحصل اكثر من نصف الناجحين في شعبة الرياضيات على ملاحظة متوسط. وأضاف الولباني أن النّسب سالفة الذكر تكشف تواضعا على مستوى مكتسبات التلاميذ وهذا معطى لا بد من الإقرار به على حد قوله مشيرا في السياق ذاته أن نسبة التميّز كانت ضئيلة جدا حيث لم تتجاوز 4 بالمائة. أما فيما يهم نتائج مناظرتي «السيزيام «و»النوفيام» والتي شكلت هذه السنة «صدمة « للبعض فقد كانت محلّ جدال واسع لاسيّما فيما يتعلق بالنتائج التي اعتبرت دون المأمول بما أن «النّخبة لم تكن في مستوى الانتظارات». وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات ملحة تتعلق أساسا بمدى جدية التكوين الذي يتلقاه التلميذ داخل القسم. في هذا الخصوص، اعتبر وزير التربية حاتم بن سالم في تصريح إعلامي أن نسب النجاح في شهادتي ختم التعليم الأساسي العام والتقني «النوفيام» كانت «دون المأمول» معتبرا «من غير المعقول أن يتمّ تخصيص 3150 مقعدًا في المعاهد النموذجية ولا ينجح سوى 1364 تلميذًا مبيّنا أن التلاميذ الذين تقدموا لهذه المناظرة كانوا من النخبة التي لم تكن في المستوى في عدة مجالات». حول نتائج مناظرتي «النوفيام» و»السيزيام» أورد الولباني انه فيما يهم مناظرة النوفيام فانه من جملة 126 الف تلميذ مسجل، خضع 26 ألف تلميذ فقط للتّقييم أي أن 100 الف تلميذ لم يخضعوا للتقييم. والأمر كذلك بالنسبة لمناظرة «السيزيام» حيث ان أكثر من 100 الف تلميذ لم يخضعوا للتقييم. كما كشف الولباني في ما يتعلق بمناظرة النوفيام انه وعلى امتداد السنوات الأخيرة هناك نسبة كبيرة من التلاميذ ما بين 55 بالمائة و60 بالمائة تتحصل سنويا في المواد الأساسية على غرار الرياضيات والعلوم والعربية على أعداد دون 10 من 20 وقد استقرت النسبة هذه السنة في حدود 58 بالمائة. وهو نفس الشيء تقريبا فيما يتعلق بمناظرة السيزيام حيث استقرت النسبة في حدود 50 و60 بالمائة وهو ما يكشف عن مكتسبات ضعيفة لدى التلاميذ. ليعتبر الولباني ان الامتحانات الوطنية تكشف لنا كل سنة مسائل على غاية من الأهمية وهي نفس المسائل التي تكشفها التقييمات الدولية مبيّنا أن آخر تقييم دولي شاركت فيه تونس كشف عن وجود ضعف فادح على مستوى مكتسبات التونسيين في الرياضيات ومجال العلوم فضلا عن مجال فهم المكتوب . ليخلص مدير عام الامتحانات الوطنية إلى القول بان الامتحانات الوطنية هي أداة قيس موضوعية دون مساحيق لمكتسبات التلميذ كما انه يتعين على الجميع أن يدرك ان الامتحانات الوطنية ليست لقيس مكتسبات التلميذ فقط وإنما هي أداة لقيس أداء المدرسين الذي لا بد ان يطرح بكل جدية فضلا عن قيس أداء المدارس والنظام التربوي برمته. كما أشار الولباني إلى ضرورة ان تأخذ نتائج الامتحانات الوطنية بعين الاعتبار حتى يتسنى القيام بعملية الإصلاح مستنكرا في السياق ذاته الدعوات الى تسهيل وتبسيط مواضيع الامتحانات متسائلا في هذا الجانب: هل بمثل هذه الدعوات نرتقي بمستوى تلاميذنا؟ داعيا في السياق ذاته الى ضرورة التوقف عند منظومة التقييم المستمر متسائلا هل هي تعكس فعلا قدرات التلميذ؟ من جهة أخرى وفي تقييمه أيضا لنتائج الامتحانات الوطنية لاسيما مناظرتي السيزيام والنوفيام يرى نور الدين الشمنقي عضو اللجنة العليا للإصلاح التربوي وكاتب عام نقابة متفقدي التعليم الابتدائي في تصريح ل»الصباح» أن هناك عدم رضا على طريقة اشتغال المنظومة التربوية ككل. وفسر الشمنقي على سبيل المثال ان المرحلة الابتدائية تعتمد على المقاربة بالكفاية اي ان التلميذ يتلقى تكوينا وفقا لمقاربة بالكفايات والحال ان اجتياز المناظرة يخضع إلى معايير أخرى وبالتالي فان معايير التقييم تختلف. نقص في تمهين المواد العلمية أمّا فيما يتعلق بالأعداد المتدنية التي تحصلت عليها نخبة من التلاميذ في مجال العلوم فقد عزا المتحدث الأمر إلى إشكالية التكوين التي تعود إلى عدم التخصص في مجال العلوم فالإشكالية من وجهة نظره تنحصر في منظومة التكوين التي لا تقوم بدورها على حد تشخيصه قائلا في هذا الإطار: «احمل المسؤولية الى الإدارة العامة للبرامج والتكوين حتى تقوم بدورها في رسم خطة إستراتيجية للتكوين الوطني. كما أضاف المتحدث ان نتائج المناظرات كشفت عن خلل في تعلم الرياضيات والإيقاظ العلمي ومن هذا المنطلق يفترض في الخطة الوطنية للتكوين الوطني تسجيل نقص في تمهين المواد العلمية . كما تطرق الشمنقي إلى الإصلاح التربوي الذي اعتبره أولوية وطنية أمام الإصلاحات الكبرى بالنظر إلى ان الاستثمار في التربية والذكاء التونسي هو الذي يتولى إعادة صياغة المجتمع على أساس مجتمع متوازن وديمقراطي ومحققا للتنمية في عدة مجالات وهذا لن يتحقق دون منظومة تربوية جديدة قائلا في هذا الإطار :»هناك غياب لإرادة سياسية من أعلى مستويات السلطة للاستثمار في التربية والتعليم». ذلك هو اذن الوجه الخفي لنتائج الامتحانات الوطنية التي اتى عليها كل من مدير عام الامتحانات الوطنية بوزارة التربية وعضو اللجنة العليا للإصلاح التربوي، وجه يفرض على جميع الهياكل المعنية بالشأن التربوي التعجيل بان يكون ملف الإصلاح التربوي من أوكد الأولويات اليوم حتى لا تزيد الهوة اتساعا واختلالا.