هل أن ممارسة الحكم اليوم تعني بالضرورة تهرئة الاحزاب الممسكة بالسلطة؟ أم أن المناخ والسياق اللذين تمسك فيهما الاحزاب الفائزة بالانتخابات بالحكم هما المحددان والعاملان المؤثران في استنزافها والتأثير على تماسكها ونتائجها في الاستحقاقات الانتخابية التي تلي فترة توليها مقاليد السلطة؟ أم أن المشكل في الأحزاب في حد ذاتها التي تعيب زمانها والعيب فيها؟ ثلاث فرضيات تطرح بشدة على الساحة السياسية والحزبية اليوم في تونس وتبدو "الحالة التونسية" خليطا من كل هذه الفرضيات تأكدت ملامحها أكثر اثر نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التى "زعزعت" إلى حد ما الكثير من الأحزاب بعد أن تدحرج منسوب الثقة فيها وانعكس ذلك على حصيلة الاصوات في الاستحقاق البلدي ومن ثمة على تماسكها وفي مقدمتها حزب نداء تونس المثال الأبرز على اعتبار وزنه وموقعه وأيضا حجم الأزمة الراهنة داخله. صحيح أن واقع الحال في تونس معقد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والبلاد لا تزال على وقع مخاض الانتقال الديمقراطي منذ 7 سنوات ومؤكد أن الأحزاب الحاكمة في هذه الفترات تكون عرضة إلى "تهرئة الحكم" وقد تتحمل وزر تركة المنظومة السابقة برمتها بكل خياراتها وأخطائها وقد تكون استجابة الممسكين بمقاليد السلطة لكل المطالب واحداث التغيير المنشود بالسرعة والنجاعة المطلوبتين مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. لكن هل أن ما آل إليه الوضع في نداء تونس اليوم من وهن وانقسام هو فقط نتيجة حتمية لممارسة السلطة في ظرف انتقالي؟ قطعا لا، لأن الوضع الراهن لنداء تونس بكل تجلياته من صراع للشقوق داخله وحروب البيانات والتصريحات بين قيادييه هو نتيجة موضوعية لخيارات خاطئة للحزب بعد فوزه في انتخابات 2014 وخروج الاب الروحي منه إلى قصر قرطاج. لقد عمقت هذه الخيارات والتوجهات الخلافات صلب الحزب وغذت الصراعات داخله وسط مناخ من الاتهامات المتبادلة محورها الاساسي "الانتهازية"، والمصالح الضيقة والبحث عن التموقع في السلطة مستقبلا، لم تؤثر على النداء فحسب بل انعكست سلبا على الوضع العام في البلاد وعلى مؤسسات الحكم. لقد فشل النداء في استيعاب متطلبات المرحلة والانكباب على تقديم بدائل حقيقية وتنفيذ برامجه الانتخابية بعيدا عن صراعات المطامح والمناصب والحسابات الضيقة وهذا تقييم ناخبيه قبل منافسيه. واليوم لا يبدو النداء بمفرده في مفترق طرق لاختيار سبيل الخروج من الأزمة بل يبدو الوضع العام في البلاد كذلك. وبات الجميع على قناعة بأنه حان الوقت للحسم، فلقد طال المكوث في عنق الزجاجة.