كثيرون غنوا على مسرح قرطاج والقليلون لاق بهم هذا الركح ووقع الجمهور في سحرهم.. أحيانا تكون وصفة العشق ضبابية غريبة، مجنونة وطفولية تحكمها أنامل خفية تعيد للروح بسمتها وللقلب نبضه المتسارع وربما أحيانا تلمع العيون دموعا... في هذه الأجواء كانت حالة أغلب عشاق «الديفا».. أمينة فاخت ليلة السبت كانت الملكة العائدة إلى عرشها على ركح المسرح الأثري بقرطاج.. هل تعمدت هذا الخيار في تسريحتها وفساتينها وكلماتها.. نعم هكذا كانت أمينة فاخت وهكذا رغبت في أن تعلن عن عودتها إلى عرش ظل لسنوات دون ملكة... أحزنتها الانكسارات وعذبت روحها المتمردة طويلا.. خذلتها الأيام والكثير من البشر.. عاكستها تيارات الحياة وهاجمتها الألسن والعيون لكن رهانها الدائم كان صائبا وسحرها لم يزل وظل الجمهور سندها الأوحد.. صاحبة الشبابيك المغلقة، معبودة الكثيرين وملهمة محبي الفنون عادت إلى قرطاج في سهرتين السبت 21 جويلية والثلاثاء 24 من الشهر نفسه، سهرتان بيعت كل تذاكرهما ومازال جمهورها في أعماق البلاد ينتظر حفلاتها على مسارح تونسية أخرى.. لقد عادت أمينة فاخت، الجميع يتحدث.. سائق التاكسي، باعة السوق، رواد المقاهي، نساء الحي وأطفالهن..عائلات، شباب، فنانون، مسوؤلون في الدولة كل هؤلاء وغيرهم جلسوا ساعات في انتظار اعتلاء «الديفا» للركح.. ركح منحها مشروعية الغناء حتى دون الكثير من الجديد الفني.. فيكفي حضور «الديفا».. وهل يكتفي العاشق من معشوقته !! جمهور أمينة فاخت لم يهتم بإنتاجها الجديد ولا بالأصوات الشابة، التي دعمتها وساندتها لتكون معها على الركح فكل ما تقوله أمينة عن هذه المواهب يرضي جمهورها وكل تنهيداتها وحركاتها تلهب ذكريات عشاقها وكل أغنية قديمة ترددها تعيد إلى مخيلة التونسيين أياما كانت جميلة.. أمينة فاخت ليست مجرد مطربة تؤنس سهرات التونسيين أو صوتا مفعما بجنون الركح فهي الاستثناء في مشهد أن وجد فيه الصوت الطربي غاب الإحساس العالي وإن غاب الاثنان حضرت فنانات «البوتوكس والشوو».. «الديفا» أعادت ليلة السبت الزمن الجميل لقرطاج.. «عودة الروح» لم تكن لأمينة فاخت فحسب فمسرح قرطاح استرجع ألقه وتوقه الى فن تونسي يليق بجمهوره.. السحر الذي يجمع «الديفا» بجمهورها لا تصفه الكلمات ولا تعبر عنه سوى دموع أمينة والكثير من محبيها.. سهرة أمينة فاخت على ركح المسرح الروماني ليلة السبت 21 جويلية الحالي وضمن فعاليات الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي كانت بصحبة الفرقة الوطنية للموسيقى وبقيادة المايسترو محمد الأسود، الذي أبدع بمقطوعته الموسيقية «عودة الروح» مستلهما إيقاعاتها من مشوار «الديفا» وأعمالها.. وأطلت أمينة فاخت.. هل غابت حقا لسنوات؟، السؤال هاجم الحضور وتحول إلى تصفيق حار متواصل حتى أن علم تونس الغائب في السهرات السابقة رفرف عاليا ليلة السبت في أركان المسرح الأثري بقرطاج .. هي فخر للتونسيين، حتى أن الأمهات جلبن أطفالا لا يتعدون العشر سنوات ليشاهدوا «ملكة قرطاج» تختال بصوتها لا بمشيتها فالبساطة والعفوية والكلمات الفرنسية كانت «قبلة اللقاء» بعد سنوات الغياب..أمينة فاخت لم تنس حزنها وانكسارها وتحدثت لجمهورها عن آلامها وعن سعادتها بلقائه فرغم كل ما أخذته منها الحياة منحتها حبا لا ينبض وهو عصي على الكثيرين.. جمهور استثنائي لعّل حبه لأمينة فاخت أبهرنا أكثر من عرض «الديفا» على قرطاج.. حب متبادل فالفنانة التونسية لم تبخل على محبيها بشيء، فشاركت جمهورها الدموع والبسمات، الأسرار الصغيرة والرقصات المجنونة.. لم تشخ أمينة فاخت ولم تحتج لعمليات التجميل أو حتى للحن وكلمات استثنائية لتسترجع حب الجمهور فهذه هبة من الله ولهذا كررت أكثر من مرة على مسامع جمهورها «أنتم سندي ودعمي في حياة كسرتني وأخذت مني الكثير..» سيدة المسارح التونسية لم تخف رعشة خفيفة عسكت خوفها من العودة فلوّن التردد بعض من صوتها وحركاتها ونظرات عيونها وهي تردد أولى الأغنيات «ولا مرة».. شعور التقطه جمهورها بإحساس عال ماسكا بخوفها بصوت واحد ليعبر عن سعادته بالاستماع إليها مجددا، تشدو على مسرح قرطاج.. «سلطان حبك»، «على الله»، «اسألوا قلبي وعيني»، «مستغربين»، «ع جبين عصابة»، «بجاه الله يا حب أسمعني» ومن جديدها «يا بلادي»، و»سلطان الغرام»..أعمال لم تكن أمينة فاخت ستغني بعضها لكن طلبات جمهورها كانت في المقام الأول.. هي تلك القصة الاستثنائية من العشق التي نعود إليها كل مرة حين يكون الحديث عن سر حب التونسيين لأمينة فاخت فالسهرة لم تكن مقياسا للتميز الفني أو حملت جديدا منوعا على مستوى الإنتاج والتصور لكن أمينة فاخت تبقى في المخيلة ذلك الانعكاس الجميل للفن على حياتنا، هي تلك الضحكة والجنون المفقود منذ سنوات في أيامنا...ولعّل غنائها ل «موعدنا أرضك يا بلدنا» والتفاعل الكبير والحماس الذي رافق هذه الأغنية من قبل الجمهور التونسي يؤكد أن الروح عادت لتونس التي نحب حتى لساعتين من الزمن الجميل مع أمينة فاخت على ركح قرطاج. ◗ نجلاء قمّوع كواليس الكواليس * وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين ووزيرة الأسرة والمرأة والطفولة السيدة نزيهة العبيدي فضلا مشاركة الجمهور المدرجات خلال عرض الفنانة أمينة فاخت في مهرجان قرطاج.. فهل تكون هذه تحية تقدير لهذه الفنانة وإعجابا بفنها وأنهما يمثلان جانبا من جمهورها أم يكون هذا المشهد ردا على «نكت» جمال دبوز حين قدم مقعد وزير الشؤون الثقافية لأحد الجماهير الحاضرة في العرض أو من أطلق عليهم الكوميدي المغربي الفرنسي «les pauvres» من باب تشارك الهزل مع جمهوره.. *أمينة فاخت وابنتها تشاركتا دموع الفرح في كواليس المسرح بعد أن غنت الابنة ملكة عويج على ركح قرطاج لايديت بياف « hymne à l amour»..الأم الفخورة والابنة المعجبة بالوالدة الملهمة كان مشهدا يحمل الكثير من المشاعر العميقة. * ابن «الزيارة» محمد علي شبيل أجاد في إطلالته غناء «ليام كيف الريح» وتفاعل الجمهور مع أدائه ودعم «الديفا» له وحين سئلت أمينة فاخت خلال الندوة الصحفية إثر العرض لماذا لم تعلن عن اسمي الموهبتين « ملكة» و«محمد علي»؟ أكدت أنها تعمدت ذلك حتى تكون بطاقة عبورهما للجمهور الصوت قبل كل شيء... *عدد كبير من فناني المسرح كانوا حاضرين في سهرة أمينة فاخت ليلة السبت 21 جويلية الجاري ومن بين الحاضرين الذين جلبوا الانتباه لوجودهم لطفي العبدلي حيث رقص على أحد أغانيها في الصفوف الأمامية للمسرح وبدورها كانت آية دغنوج حاضرة في الحفل ولئن اعتقد البعض أن خريجة النسخة الأخيرة من «ذي فويس» ستكون حاضرة على الركح حلال السهرة إلا أن مصادرنا ترجح أن آية دغنوج من الممكن أن تطل مع أمينة فاخت في سهرة الثلاثاء 24 جويلية الجاري.