اصدر الدكتور الصحبي بن منصور كتابا من الحجم الكبير عنوانه «القضاء الفاطمي بإفريقية ومصر»، وهو دراسة مستفيضة تغطي فترة شبه مجهولة من التاريخ التونسي وهي الفترة الفاطمية. ويتنزل هذا البحث في إطار ما يعرف بالتاريخ الاجتماعي الذي اعتنى به هذا المؤلف سواء هنا من خلال تعمقه في دراسة النخب القضائية وأيضا المؤسسة القضائية في تونس ثم بمصر أو من خلال تركيزه في كتبه المتنوعة على النخب المالكية والزيتونية والفئات النسوية وأيضا على مؤسسة الزواج والأسرة بتونس. جاء الكتاب في 525 صفحة تضمنت بابين كبيرين تم خلال فصولهما المتنوعة التطرق إلى مواصفات القاضي في تونس الفاطمية وأيضا بمصر خلال فترة الحكم الفاطمي وآدابه وسلطته وشروط ترقيته ونقلته وشاراته وامتيازاته ومنزلته في الدولة والمجتمع إضافة إلى تراتيب التقاضي ونظام العقوبات. ومما يلاحظ من خلال تصفح الكتاب انه لئن كان القضاة بتونس قضاة دولة فإنهم أسهموا بمصر ومن خلال تقلدهم للوزارات في تأسيس سلطة دولة القضاة. كما نطالع طبيعة المنظومة السجنية في تونس خلال هذه الفترة التاريخية. ولعله من الممتع أن يبحث الدكتور بن منصور عن قيم العدل في الدولة الفاطمية من خلال دراسة نصوص العملات النقدية والخطب السياسية والجمعية على منابر القيروان وغيرها من مدن بلاد إفريقية التونسية وأيضا من خلال ما نقش في خواتم الحكام وما كتب بالسجلات الإدارية من توقيعات. قوة هذا الكتاب منهجيا ومضمونيا مستمد في الحقيقة من كونه كان في الأصل أطروحة دكتوراه كان ناقشها في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، وتحصل بها على ملاحظة مشرف جدا وذلك تحت إشراف لجنة علمية تركبت من قامات أكاديمية عالية ومن رموز مرجعية في هذا الاختصاص على غرار الدكاترة إبراهيم جدلة وناجي جلول وفوزي محفوظ وعمر بن حمادي ونجم الدين الهنتاتي. وقد حظي هذا الكتاب بتقديم مهم بقلم المؤرخ إبراهيم جدلة مدير مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط ثمّن فيه هذا البحث باعتباره «لبنة أخرى في بناء صرح المعرفة العربية الإسلامية»، خاصة أن الدكتور بن منصور قد أضاف على حدّ عبارة الأستاذ الدكتور إبراهيم جدلة في هذا الكتاب «ما كان غائبا فيما سبق من أبحاث، أي تقصي الأخبار ومقارنتها والتثبت فيها. ولم يقتصر عمله في ذلك على التحقيق حول الوقائع، بل تجاوزه إلى تنظيم المعلومات وتحليلها تحليلا علميا بوضعها في أطرها الزمانية والمكانية والعقائدية. هكذا نجح الدكتور الصحبي بن منصور في أداء رسالته على أكمل وجه مقدّما لنا عملا يفتخر به، ومن شأنه أن يسدّ ثغرة في المكتبة التاريخية العربية الإسلامية».