لم تخل المدرسة التونسية يوما منذ الاستقلال من احتضانها لأنشطة غير تعليمية مختلفة ثقافية واجتماعية ورياضية لكن فلسفة تنظيمها اختلفت من حقبة إلى أخرى حتى بلغنا فترة لم يعد لها وجود فعلي في المنظومة التربوية ما عدا بعض الأنشطة الرياضية. وركزت المدرسة في تلك الفترة على التحصيل العلمي باعتباره المهمة الأساسية للمدرسة وقد غاب عنها أن تكوين الناشئة يكون منقوصا بدون تلك الأنشطة. وعدنا للحديث عنها من جديد في السنوات الأخيرة. ونناقش اليوم جدوى اقتراح تخصيص يوم السبت لتلك الأنشطة في علاقة بمدى مساهمة التنشيط الثقافي والرياضي والاجتماعي في الرفع من مردودية المدرسة . فوائد التنشيط إن التنشيط الثقافي والرياضي والاجتماعي في المؤسسة التربوية هو أحد مظاهر تطوير الحياة المدرسية ومواكبة المدرسة للتطور الحاصل في محيطها حضاريا واجتماعيا وثقافيا وتكنولوجيا...في علاقته بالمجال التربوي. كما يساهم التنشيط في بناء علاقة متميزة بين المتعلم والمدرسة فتصبح المدرسة لديه الفضاء المفضل الذي يلبى حاجياته. وهو أيضا جزء مهم من العملية التعليمية التعلمية وليس بعمل إضافي يقوم به التلميذ للترفيه عن نفسه في ظل مقاربة أن المدرسة تكون النشء ولا تعلمهم فحسب . وتكون ممارسة الأنشطة طوعية دون إكراه لأنها تستجيب إلى حاجة لدى المتعلم لا يلبيها ما يحصل في القسم مثل تغذية موهبة لا يتطرق لها التعلم أو دعم اهتمام بهوايات فنية أو فكرية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو تكنولوجية أو دعم التكوين في لغة أجنبية أو كشف طاقات كامنة خفية إبداعية لدى الطفل أو المراهق وتنميتها ..أو معالجة قضية أو ظاهرة معينة كالعنف في الوسط المدرسي الذي عالجته بعض الأنظمة التعليمية بأنشطة مختارة يمارسها التلميذ داخل المؤسسة التربوية .وهو المجال المناسب لترسيخ الهوية وقيم المواطنة والحس الوطني لدى الناشئة من خلال الممارسة وليس بالتلقين النظري الذي لا يجدي في هذه الحالة. وفي ممارسة الأنشطة أيضا تلبية لحاجة أخرى وهي التكوين النفسي والعلائقي للتلميذ ومساعدته على تثمين ذاته بانخراطه في أنشطة تنظم في جماعة يتعلم فيها العيش مع المجموعة كالرحلات الثقافية والدراسية والأنشطة المسرحية والموسيقية فيصبح قادرا على فهم الواقع والتأقلم مع الحياة الاجتماعية المتغيرة ويتربى على قبول الآخر ويتعلم ممارسة النقد الموضوعي البناء من خلال المشاركة في الحوار مع المجموعة فيبتعد عن التعصب والمواقف المتطرفة. وهكذا تساهم الأنشطة في تطبيق العدالة داخل المؤسسة التربوية باعتبارها تستقطب الجميع دون تمييز وبقطع النظر عن مستواهم العلمي في المدرسة أو منزلتهم الاجتماعية ودون الحاجة إلى تقييم يرتب الممارسين للنشاط فتكسر بذلك الحواجز التي تفرضها عملية التقييم المدرسي بين المتعلمين . كما في ممارسة الأنشطة تعزيز لثقافة العمل والتطوع والمبادرة وربط للناشئة بعالم المهن . التنشيط غير مستقل عن التعلم إن التداخل الوظيفي بين التنشيط والتعلم يجعل من إحكام التوازن بين بيداغوجيا التعلم وبيداغوجيا التنشيط أمرا بالغ الأهمية في تكوين التلميذ الطفل والمراهق . وما دام الأمر كذلك هل يمكن عزل التنشيط عن جدول الأوقات اليومي للتلميذ وتنظيمه في يوم عطلة كما هو مقترح ؟ إن التداخل بين التعلَم والتنشيط والذي أشرنا إليه في البداية يفرض ألا يطبق التنشيط على أنه عملية مستقلة عن التعلم بل نعتقد أن الأسلم أن يدمج في الحياة اليومية للتلميذ وللمدرسة وذلك إما ببعث ما يسمى بالمشروع الثقافي لكل قسم يشرف عليه المدرسون خلال اليوم الدراسي ، أو تخصيص ساعة أسبوعية في جدول أوقات التلميذ خاصة بالأنشطة الموازية مثل الحوار حول القضايا التي تهمه تربوية أو اجتماعية أوالمتعلقة بعالم المهن أو بطريقة تنظيم الأنشطة بالمدرسة أو بآفاق التوجيه المدرسي وكيفية الاختيار السليم للشعب ... وأخيرا بعث النوادي خلال اليوم الدراسي بناء على برنامج معد مسبقا والتي لا يمكن أن تنجح لو برمجت في يوم راحة والتجربة السابقة التي كانت تخصص بعد ظهر يوم الجمعة من كل أسبوع للتنشيط أثبتت فشلها على أن يكون يوم الراحة ( السبت كما هو مقترح ) يوم تتويج لعمل النوادي خلال أسبوع . وهذا يتطلب مراجعة التوقيت المدرسي اليومي بتطبيق نظام الحصة المسترسلة مثلا وكذلك مراجعة حجم ساعات التدريس المكثفة خلال اليوم والتي تصل أحيانا إلى 8 ساعات ولم لا التفكير في تطبيق مبدأ الحصة التي تدوم 45 دقيقة كما في عدة منظومات علما أن البحث العلمي التربوي يبررها . إن توفير ظروف النجاح لمنظومة التنشيط بأبعادها المختلفة هو الطريق إلى الرفع من أداء المنظومة التربوية عموما وهو عامل من العوامل التي ستساهم في ربط حكيم بين التعليم ومخرجاته. * باحث وخبير تربوي