قاوم يا شعبي قاومهم... كلمات انطلقت من فلسطين على لسان الشاعرة دارين طاطور التي تقبع بسببها خلف القضبان وتواجه اتهامات بدعم الارهاب والتحريض على العنف، ولكنها كلمات لا تختزل فحسب واقع المشهد الفلسطيني بكل تناقضاته الصارخة بين مطرقة الاحتلال وجرائمه التي لا تنتهي، وسندان الانقسامات والصراعات على سلطة وهمية، ولكن أيضا المستنقع العربي في أسوأ سيناريوهاته... «قاوم يا شعبي قاومهم قاوم سطو المستوطن، واتبع قافلة الشهداء»... جادت بها قريحة الشاعرة الفلسطينية المقدسية التي حكم عليها بالسجن خمسة أشهر بسبب قصائدها وتدويناتها على المواقع الاجتماعية مرفوقة بصور المظاهرات الاحتجاجية والتحركات الشعبية المنتصرة لحق شعبها في الحرية والكرامة والسيادة... «قاوم يا شعبي قاومهم».. كلمات نقتبسها عن الشاعرة الفلسطينية في سجنها وهي كلمات حري أن نرددها عاليا وأن نتخذها شعارا للمطالبة بوقف الفساد المستشري في مجتمعاتنا وعدم التطبيع مع مختلف مظاهر الافلاس المعرفي والاخلاقي والثقافي والسياسي والتمرد على كل انواع الرداءة والابتذال التي لا يكاد يخلو منها مجال أو ميدان... «قاوم يا شعبي قاومهم»، كلمات منحت صاحبتها شهرة في مختلف الاوساط والمؤسسات المناصرة للحرية، ولكنها فتحت على صاحبتها أبواب الجحيم وحولتها الى هدف لقوات الاحتلال الاسرائيلي استنادا إلى قانون القومية الجديد الذي يجعل من عرب الداخل أو سكان القدس الاصليين الذين تمسكوا بالأرض ورفضوا المغادرة خلال النكبة وظلوا مرابطين على ارض فلسطين التاريخية بعد أن تحولوا في نظر هذا القانون الى مواطنين من الدرجة الثانية لا حق لهم الا بما تسمح لهم به إسرائيل، التي تؤكد مجددا مع تبني هذا القانون أنها دولة عنصرية فاشية تجاوزت حدود نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا... دارين طاطور اسم فلسطيني يضاف الى قائمة كل الاسماء النسائية المناضلة التي فرضت بصماتها بقوة في مسار الملاحم النضالية الفلسطينية، وهي تظل الى جانب أيقونة الحرية عهد التميمي وغيرها من الاسيرات القاصرات، عنوانا لمعركة ليست قريبة من نهايتها وهي معركة أجيال ومعركة ذاكرة لا تموت ولا تندثر ولكنها أيضا معركة ارادة ومعركة هوية اجتمعت على هدمها مختلف القوى وفشلت في طمسها أو الغائها... صحيح أنها ليست افضل المراحل وان المستنقع يزداد عمقا ولكن كلما ظهر في الافق من يواصل رفع الراية والتمسك بالحقوق المشروعة كلما بدا وكأن هذا الحق قريب المنال... «قاوم يا شعبي قاومهم»، كانت صفعة اضافية من كلمات للشاعرة دارين طاطور تضاف الى الصفعة التي وجهتها عهد التميمي للجندي الاسرائيلي لتهينه أمام العالم وتكسب رغم سجنها دعم وتعاطف الرأي العام الدولي وتعيد القضية الى المنابر الاقليمية والدولية وتسقط القناع عن حقيقة ما يروج له زيفا وافتراء عن الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط وهي ديموقراطية اسرائيل التي تميز بين مواطنيها وتنتهك حقهم في الحرية والملكية وحقهم في التنقل بل وفي الحياة.. «قاوم يا شعبي قاومهم»، كلمات لم تحتملها سلطة الاحتلال التي اعتبرت أن وقعها أخطر من وقع الرصاص وأنها كفيلة وحدها بتحريك سواكن الفلسطينيين وتجميهم ودفعه للتظاهر ضد مصالح اسرائيل... دارين طاطور كما عهد التميمي وليلى خالد وراوية الشوا وخالدة جرار والكثير من الايقونات الفلسطينيات ترعب كلماتهن الاحتلال وتهز استقراره... قضية دارين طاطور قضية حرية تعبير بامتياز وهي اليوم سجينة رأي بسبب كلماتها وقصائدها الحماسية التي تعتبرها اسرائيل مصدر تهديد لأمنها واستقرارها... «قاوم يا شعبي، قاومهم، قاوم سطو المستوطن، واتبع قافلة الشهداء»... بعد إدانتها، قالت دارين ان محاكمتها أزالت الأقنعة، والعالم كله سوف يسمع قصتها وسوف يسمع ما هي ديمقراطية إسرائيل، ديمقراطية لليهود فقط، في حين يذهب العرب فقط إلى السجون»... ونحن بدورنا نقول إنها كلمات من شأنها أن تكشف عما يختلج النفوس من غضب شعبي متأجج لا يمكن لأي قوة أن تكبحه...