يحق للمرء أن يتساءل في ضوء التحرك غير المسبوق المتمثل في انعقاد المكتب السياسي لحركة «حماس» الفلسطينية خلال اليومين الأخيرين بكامل أعضائه في غزة بمن فيهم صالح العاروري نائب رئيس المكتب المطلوب على لائحة أجهزة الأمن الإسرائيلية... ... للتداول في شأن مشروع اتفاق هدنة طويلة توسطت فيه مصر، عن مستقبل القضية الفلسطينية ومآل نضالات أجيال وأجيال فلسطينية مخضبة بدماء شهدائهم الزكية. تساؤل يفرض نفسه في ضوء ما جرى تسريبه من معطيات ومؤشرات حول فحوى وتفاصيل مشروع اتفاق الهدنة المذكور - سواء من مصادر حمساوية أو مصرية أو إسرائيلية – ظاهرها إنهاء معاناة سكان القطاع الخاضع منذ سنوات عدة وإلى حد اليوم لحصار شامل خانق ولاإنساني، وباطنها قبر قضيتهم الوطنية المركزية. نقول هذا ليس من باب المبالغة في تقدير العواقب وإنما بالنظر إلى يتضمنه مشروع هذه الهدنة من شروط وفي مقدمتها الوقف الفوري لمسيرات العودة، وما يتفرع عنها من إطلاق طائرات ورقية حارقة، وكافة اشكال المقاومة، مقابل فتح معبري رفح الذي تشرف عليه مصر، وكرم أبو سالم الذي تتحكم فيه إسرائيل، بصورة دائمة. ألا يعني ذلك تخلي الفلسطينيين عن سلاحهم الوحيد في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وغطرسته ورفضه الانصياع لاستحقاقات السلام العادل والدائم المبني على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ مقايضة الأرص بالسلام؟ وألا يعني ذلك تخلي حركة «حماس» عن دورها كحركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي إلى مجرد سلطة مدنية لا تختلف في شيء عن السلطة القائمة في رام الله بالضفة الغربية؟ نحن ندرك جيدا أن معاناة سكان قطاع غزة من الحصار الجائر المفروض عليهم، ليس من الجانب الإسرائيلي فقط، بل وحتى من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، التي لم تتردد في أوج خلافها مع قيادات «حماس» حول تطبيق اتفاقات المصالحة الوطنية، في التوقف عن دفع مستحقات تزويدهم بالوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة لهم، قد طال أكثر مما يستطيع المرء احتماله، وأن إبرام اتفاق الهدنة الطويلة الجاري بحثه سيفتح لهم أبواب التمويلات والمساعدات الخارجية وآفاق الخروج من أزمتهم... لكن هل هم مستعدون لمقايضة حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف الذي دفعوا من أجله الغالي والنفيس إلى حد الآن برفاهية موعودة؟ إن قضية الفلسطينيين ليست مجرد مسألة إنسانية... إنها قضية شعب سلب أرضه وأخرج منها عنوة وبقوة السلاح والمؤامرات الدولية المتعددة الأطراف، ومن حق من دفعوا حياتهم في سبيلها استمرار الدفاع عنها وعن مبادئها.