تصريحات مستفزّة.. زيارات مريبة.. لقاءات غامضة ومثيرة للشكوك والاستياء.. تدخّلات سافرة في أدقّ الشؤون الداخلية للبلاد.. هذه التصرّفات تكاد تلخّص «يوميات» أغلب سفراء الدول الأجنبية ببلادنا بعد الثورة، تصرّفات تخرق كل الأعراف والبروتوكولات الديبلوماسية المتعارف عليها وتنتهك السيادة الوطنية بشكل سافر ومستفزّ لكل المشاعر الوطنية أمام «صمت مُستراب» من طرف مسؤولي السياسة الخارجية للدولة والتي تؤطّر طرق وأساليب عمل البعثات الديبلوماسية ببلادنا. وقائع وأحداث لخّصت طوال السنوات الماضية والتي أعقبت الثورة، اختراق السيادة الوطنية من طرف بعض السفراء وضربهم عرض الحائط بكل الأعراف والبروتوكولات الديبلوماسية، الذين عُرف بعضهم بقربه «المبالغ فيه» من الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي وبزيارته المتكرّرة لمقرّات هذه الأحزاب بمناسبة أو بدونها مثل السفير الأمريكي السابق «جاكوب والس» الذي كاد لا يُبارح مقرّات الأحزاب خاصّة إبان أزمة الحوار الوطني، واليوم نفس الدور يقوم بلعبه السفير الفرنسي «أوليفيي بوافر دارفور» الذي رسم صورة «شعبية جدّا» لنفسه والذي عُرف بتحرّكاته «الغريبة» و»غير المألوفة» من السفراء في كل البلاد، ولعلّ أكثر الصور «المستفزّة» التي بقيت عالقة بالأذهان هي تلك التي جمعته بأعضاء الهيئة العليا للانتخابات أو تصريحه بعد لقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد بسفراء سبع دول كبرى في أفريل الماضي حين تحدّث باسم بقية السفراء قائلا «ثقتنا بالغة في هذه الحكومة لقيادة وإنجاح مجمل الإصلاحات التي وضعتها».. وقد أثارت كل هذه التصرّفات انزعاج واستهجان عدد هام من الفاعلين السياسيين كما أثارت حفيظة المنظّمات الوطنية وأبرزها اتحاد الشغل الذي عبّر أمينه العام نور الدين الطبوبي منذ أيام عن انزعاج الاتحاد ومنظمات وطنية أخرى منها اتحاد الفلاحين واتحاد المرأة عن التحرّكات المريبة للسفراء الأجانب وذهب الطبوبي حدّ الحديث عن وجود «مقيم عام بالبلاد وهو ما يعدّ معرّة لتونس». القبول بتدخّل السفراء منذ أيام وخلال إشرافه بجزيرة قرقنة، على تدشين ضريح الزعيم الوطني والنقابي، المناضل الحبيب عاشور، وجّه نور الدين الطبوبي رسالة للمسؤولين التونسيين مؤكدا فيها على ضرورة معرفة قيمة الدولة وقيمة استقلال القرار الوطني. وقال الطبوبي إن عددا من السفراء يرتعون في كل مكان.. وأصبحوا اليوم يفتحون أبواب مؤسسات الدولة دون إذن ودون رقيب» وفق تعبيره. ومنذ أشهر تندّد قيادة الاتحاد بتدخّل السفراء السافر في القرار الوطني وقد اعتبر الطبوبي أن تمجيد السفير الفرنسي لرئيس الحكومة يوسف بعد اللقاء الذي جمع الشاهد بسبعة سفراء دول كبرى في ماي الماضي «وصمة عار على تونس». وليس هذا اللقاء لوحده هو ما أثار ردود فعل مستاءة فقبلها أثار لقاء دانيال روبنشتاين المفتي السابق حمدة سعيّد قبل يوم من إقالته الكثير من الاستغراب والارتياب، كما أن إقالة وزير الشؤون الدينية السابق عبد الجليل سالم على اثر تدخّله في إحدى اللجان البرلمانية وحديثه على مسؤولية المملكة العربية السعودية في حماية الفكر الوهابي المتطرّف ونشره بعد ما قيل عن تدخّل السعودية في فرض القرار الكثير من الاستياء . ومنذ أسابيع قليلة أدانت الجبهة الشعبية في بيان لها الموقف الذي وصفته ب››الغريب›› لسفير المملكة العربية السعودية بتونس، الذي رفض من خلاله عضوية النائب عن الجبهة الشعبية مباركة براهمي في لجنة الصداقة البرلمانية التونسية الخليجية. واعتبرت الجبهة الشعبية هذا الموقف ‹›خرقا لكل الأعراف الديبلوماسية››، معربة عن رفضها لما عبّرت عنه ب››التدخل السافر في السيادة الوطنية التونسية». ولم تسلم حتى التحرّكات الاحتجاجية الوطنية من تدخّلات السفراء حيث اعترف وزير الصناعة السابق زكرياء حمد ،ابان حملة «وينو البترول» الاحتجاجية أنه كان يتلقّى يوميا اتصالات من السفراء في تونس يُعبرون فيها عن قلقهم من حملة وينو البترول ! كما لا ينسى التونسيون الفيديو الذي نشره السفير البريطاني بتونس «هاميش كويل» في نوفمبر 2014 وهو يقول لنا «يعطيكم الصحة» بعد جولة قام بها في مراكز اقتراع ومراكز ملاحظي الانتخابات.. وهذه التصرّفات وغيرها لسفراء بعض الدول الذين تخلّوا عن «الحياد» وخرقوا كل الأعراف الديبلوماسية وحشروا أنفسهم في أدقّ الشؤون الداخلية للبلاد هي التي أثارت ردود أفعال عدد من القوى الوطنية أمام صمت «مريب» من المسؤولين على ملف الديبلوماسية في البلاد. ◗ منية العرفاوي عبد الله العبيدي ل«الصباح»: سفراء اخترقوا السيادة الوطنية لم يخف الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي في تصريح ل«الصباح» حقيقة اختراق القرار الوطني والسيادة الوطنية من طرف بعض السفراء الذين تجاوزوا كل الأعراف والتقاليد المتعارف عليها، وفق تعبيره . ويقول عبد الله العبيدي «سفراء بعض الدول الأجنبية أصبحوا يتصرفون كمندوبين ساميين في البلاد ويتدخلون بشكل سافر وغير لائق في القرارات السيادية، كما أن تحرّكاتهم وتوقيتها يثير الكثير من الشكوك والارتياب فقبل يوم من جلسة منح الثقة لوزير الداخلية الجديد تنقّل سفير دولة عظمى إلى البرلمان والتقى رئيس مجلس نواب الشعب، زيارة بدت غريبة وتوقيتها كذلك غريب، فالزيارات الديبلوماسية للمقرّات الرسمية للدولة محكومة بأعراف وتقاليد وكذلك توقيت هذه الزيارة يجب دائما أن يؤخذ من طرف المسؤولين في الدولة بعين الاعتبار وهنا تبرز مسألة ثقافة السيادة والمحافظة عليها من أي اختراقات خاصّة من طرف من هم في أرفع المناصب السياسية والإدارية للدولة ولكن نحن رأينا كيف اجتمع رئيس الحكومة بسفراء سبعة دول عظمى وخرج بعدها أحد السفراء للتكلّم باسمهم والتأكيد على دعمهم للحكومة في اعتداء سافر عن سيادة الدولة وهيبتها. كما أضاف العبيدي «الأعراف الديبلوماسية تقتضي أن تكون لتحرّكات البعثات الديبلوماسية الأجنبية سواء كانوا سفراء أو قناصلة بروتوكولات معينة، فالسفير لا يتحرّك داخل البلاد الاّ بإذن من السلطات التونسية وبوجود مرافق، خوفا من أن يتعرّض للاعتداء ولكننا نرى اليوم كيف يجوب السفراء البلاد طولا وعرضا دون أي تحفّظات، والسفير كذلك لا يتحرّك الاّ في إطار مهمة واضحة وبحضور مسؤول رفيع من وزارة الخارجية يعدّ تقريرا يرفع لرئاسة الجمهورية ولوزارة الخارجية حول فحوى الزيارة وأهدافها أو الطلبات التي تضمّنتها يعني السفير لا يتنقّل لمقرّ سيادة لمجرّد «الدردشة» مع مسؤول في الدولة، لكن نحن رأينا كيف تنقّل سفراء لمعاينة مراكز الاقتراع وكيف تنقلّوا للقاء رئيس الهيئة العليا للانتخابات». وختم العبيدي حديثه بقوله «اليوم نحن رأينا كيف يُحاكم رئيس أقوى دولة في عالم ترامب والمسؤولون عن حملته الانتخابية حول مدى تدخّل قوّة أجنبية للتأثير على الانتخابات الرئاسية لكن في تونس كل التحرّكات والاتصالات والتدخّلات للسفراء مباحة.. في السابق كانت هناك تقارير أمنية ترفع حول تحرّكات السفراء إلى رئاسة الجمهورية والى وزارة الخارجية وإذا كانت هناك تجاوزات تقوم السلطات المعنية بملف الخارجية باستدعاء السفير للفت نظره أو بمراسلة دولته للتعبير عن انزعاج الدولة من التحرّكات غير المسؤولة والتي تتم دون إذن الدولة».