احتضن مسرح سيدي الظّاهر بسوسة ليلة أمس الأوّل الأحد حفلا فنيّا أحياه الفنّان لطفي بوشناق الذي أمتع عشّاق صوته وفنّه على امتداد ساعتين بطبق فنيّ اختار في شطره الأوّل مجموعة من المواويل والموشّحات والأغاني التي كانت فاتحة لسهرة تعهّد بوشناق منذ بدايتها للجماهير الحاضرة بكثافة أن تكون سهرة الإمتاع والمؤانسة «خليوني انشيخ وأنا من بعد انشيّخكم» فغنّى «حبيتك وتمنيتك» ثمّ وردة الأغنيات التي عبّر من خلالها عن تعلّقه بالأمل والحياة فغنّى ليسقي حلم الصّغير ويغمس في الحلم خبز الصّغير نصرة للحياة ثمّ انخرط بعد ذلك في التغنّي بعشقه للوطن متبرّئا ومتنصّلا من الكراسي ومترفّعا وزاهدا عن المناصب والمكاسب فثروته لا تعدو أن تكون حفنة تراب وكلّ حلمه ومراده أن يبقى له وطن آمن لا حروب فيه ولا خراب ولا إرهاب ولافتن وباعتباره فنّانا قريبا من مشاغل أبناء شعبه ولاسيّما منهم الطّبقات الهشّة المناضلة والكادحة فقد خصّهم بأغنية «هذه غناية ليهم» التي سجّلت تجاوبا كبيرا بين الفنّان وجمهوره الذي تقلّد في أكثر من مرّة دور الأركسترا وشكّل خير كورال ممّا جعل لطفي ينوّه ويتباهى بذلك ويستجير من عين الحاسدين فقرّر أن يجازي جمهوره ويلبّي رغباته ويغنّي في الشّطر الثاني من السّهرة ما يقترحه وما به يحقّق الإنتشاء فكان مطلب قرع «أجراس العودة» ضدّ صفقة القرن كلمات الشاعر السّوري عماد الدّين طه وتلحين لطفي بوشناق أوّل المقترحات التي أبدى فيها الحضور مساندتهم المطلقة للقضيّة الفلسطينيّة واستنكارهم لغفلة العرب على كثرتهم وتخاذل عديد الأنظمة العربيّة وتواطئها مع الإدارة الأمريكيّة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة وإجبار الفلسطينيين عن التّنازل عن القدس وغضّ النّظر عن حقّ العودة من خلال صفقة قرن مختلّة بعد ذلك وإثر آداء أغنية « أنا مواطن» كان لابدّ من تغيير الأجواء وتلطيفها من خلال ضخّ زخّات من الحبّ وجرعات من العشق فغنّى لطفي بوشناق أغنية أهداها للمرأة التّونسيّة مصدر إلهامه ومحرّك أشجانه «هاموا بشقرة وسمرة ..وهمت بالتّونسيّة» أعقبها بأغنية «نسّاية» و«ريتك ما نعرف وين» و«إنت شمسي إنت» و«العين الي ماتشوفكشي» وغيرها من الأغنيات التي تزخر بها مسيرة فنّان متكامل طرق أبواب جميع الأنماط الفنيّة والغنائيّة فأثّث خزينة غنيّة بالتّحف والدّرر الفنيّة فأغدق الكثير من الحبّ والعطاء على جمهوره فما كان منه إلاّ أن بادله ذات الشّعور وعظيم التّقدير. «..جمرة وطاحت في الماء» وكان الفنان لطفي بوشناق قد علق خلال خلال النّدوة الصّحفيّة التي انتظمت عقب السّهرة بأنّه غير مسؤول عن مختلف ردود الفعل المتباينة وما رافقها من تأويلات بخصوص أغنيته الجديدة ضدّ صفقة القرن «أجراس العودة» وأنّه لا يتحمّل مسؤوليّة جهل البعض وسوء تأويلهم لما ورد بكلمات الأغنية وأنّه يعي جيّدا ما يقول وما يقصد فسليمان العصر الحالي لا يعدو أن يكون غير رئيس الولايات المتّحدة المنشغل بملأ السلّة ومصادرة حسابات زعماء العرب وسلب الأمّة العربيّة ثرواتها مشيرا إلى أنّ الضجّة التي رافقت أغنيته لا تعدو أن تكون «جمرة وطاحت في الماء» ولا ينبغي أن تأخذ أكثر من حجمها ودعا إلى وجوب الإنصراف إلى العمل والتّركيز على ثراء خزينته وأعماله متوجّها لوسائل الإعلام المرئيّة بدعوة إلى نفض الغبار عنها والتّفكير جديّا في تصويرها وترويجها وحسن تسويقها دون حاجته إلى أيّ مقابل ماديّ لأنّه يعمل للتّاريخ وللمستقبل وكشف لطفي بوشناق عن عديد الأعمال الفنيّة الجاهزة التي لم تر النّور ولم يجد فرصة لتسويقها على غرار حضرته «منارات» التي تعدّ حسب قوله عملا فنيّا ضخما مغايرا للمألوف والمتداول المجترّ منذ عديد السّنوات غير أنّ غياب الدّعم وما يستوجبه الإعداد وكلفة المشروع مع عدم ضمان برمجته في المهرجانات من العوامل التي لا تشجّعه على المجازفة وختم بوشناق بأنّه لا يقدّم فنّا من أجل الثّراء فهو لا يمثّل سليمان عصره وليس معنيّا بملء السلّة بقدر ما يهمّه العمل من أجل التأريخ لفنّه وحبّه لتونس ولجمهوره العريض.