تنشر «الصباح» اليوم الجزء الثاني والأخير من الرأي القانوني حول جريمة الادعاء بالباطل في القانون التونسي الذي كتبه الاستاذ السيد بن حسين المحامي بسوسة. «الركن الثاني: الركن المعنوي، ويتمثل في سوء نية الشاكي أو الواشي الذي تعمد تقديم شكاية أو وشاية ضد المتضرر مع علمه المسبق بأن شكايته أو وشايته باطلة ولا أساس لها من الصحة، وغايته من ذلك التنكيل بالمتضرر والزج به في السجن باطلا أو تخطيته ماليا أو محاولة التأثير على عمله تأثيرا سلبيا، كأن يصبح مهدّدا بالطرد أو الإيقاف عن عمله أو حرمانه من التدرج الوظيفي. إن الركن المعنوي لهذه الجريمة والمتمثل في سوء النية يعتبر مسألة باطنية يصعب إثباتها، وهي مسألة موكولة لاجتهاد القاضي الذي يسعى إلى معرفتها واستنتاجها بما توفر لديه من وقائع ومؤيدات مظروفة بملف القضية، أو من خلال وقوفه على الأضرار التي لحقت المبلّغ عنه باطلا، ويجب عليه «أن يستظهر بحكمه بتعليل سائغ قانونا» قرار تعقيبي جزائي عدد 6453 الصادر في 04 ماي 1970، كأن يثبت ويستخلص أن الواشي كان عالما بكذب الوشاية أو الشكاية التي ألصقها به أو أنها تسببت له في أضرار جسيمة. وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، هو أنّ المشرّع التونسي استهل هذا الفصل بالتطرق إلى العقوبة المستوجبة لهذه الجريمة قبل أن يتطرّق إلى أركانها القانونية، ويكون بذلك قد تعمد عن قصد التنصيص على العقوبة الجزائية في بداية النص القانوني المشار إليه، وغايته في ذلك من ناحية أولى، تحذير الأطراف من مغبة الادعاء بالباطل ضد الآخرين وما قد يترتب عن ذلك من عقاب صارم. إذ يمكن لمرتكب جريمة الادعاء بالباطل أن يكون عرضة لعقوبة سالبة للحرية ولعقوبة مالية ثانية أي عقوبة سجنية لا تقل عن عامين اثنين ولا تتجاوز الخمس سنوات وخطية مالية ب 720 دينارا. ومن ناحية ثانية، يحاول المشرّع التونسي من خلال ذلك الحدّ من تفشّي جرائم الادعاء بالباطل داخل المجتمع. كما أعطى المشرع التونسي صلب الفصل المذكور الصلاحيات المطلقة للمحكمة بنشر الحكم أو ملخّص منه والقاضي بإدانة المبلّغ الباطل بإحدى الصحف أو أكثر من صحيفة تونسية ويكون ذلك على نفقة المحكوم عليه، وغاية المشرع في ذلك تسليط عقوبة تكميلية على المبلغ بالباطل من جهة أولى، ورد الاعتبار للمتضرر من جريمة الإدعاء بالباطل أمام المجتمع من جهة ثانية. وفي الختام، نؤكّد بأنّ القانون التونسي يسعى جاهدا من خلال العقوبات الأصلية والتكميلية المنصوص عليها صلب أحكام الفصل 248 من المجلة الجزائية، يسعى للحد من تفشّي هذه الجريمة داخل المجتمع، إلا أنه وللأسف الشديد شهدت هذه الجريمة ارتفاعا قياسيا داخل المجتمع، مما نتج عنها ارتفاع ملحوظ في عدد القضايا المنشورة لدى المحاكم التونسية رغم أنّ أغلب الأحكام القضائية تقضي بعدم سماع الدعوى في جرائم الإدعاء بالباطل بسبب صعوبة إثبات سوء نية المبلّغ بالباطل، الشيء الذي شجّع العديد من الأشخاص على إتيان مثل هذه الجرائم».