تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثغرات قانونية تغتصب الطفولة في تونس
نشر في حقائق أون لاين يوم 16 - 02 - 2015

تساهم الثغرات الكامنة في القوانين المتعلّقة بجريمة "الاستغلال الجنسي للأطفال " في تونس أو ما يعبّر عنه ب" الجنسيّة الطفوليّة " في التّرفيع من نسب العود الإجرامي ومن عدد هؤلاء الضحايا، وهو ما يؤدّي إلى استشراء هذه الظاهرة التي تدخل ضمن دائرة المسكوت عنه.
الطفل عامر(اسم مستعار)، هو أحد الضحايا الذين وقع الاعتداء عليهم جنسيّا وبطريقة قسريّة، إذ غرّر به المحامي سمير(اسم مستعار) واستدرجه إلى الفراش بعد أن كسب صداقته.
أوّل محادثة بينهما كانت على موقع "الفيس بوك"، وآخرها كانت في مركز الاستمرار بالبلفيدير، أين تقدّم أعوان السّلامة بشكاية للنيابة العموميّة بعد ضبطهما في نزل معروف بالعاصمة، وهما بصدد ممارسة الجنس.الأمر الذّي دفع النيابة العموميّة إلى إصدار تعليمات بإحالة المحضر المحرّر من طرف منطقة الأمن بالمدينة إلى أنظار الإدارة الفرعيّة للوقاية الاجتماعيّة التي تعهّدت بمواصلة البحث في الموضوع ، على نحو تمّ تسخير إدارة الشرطة الفنيّة والعلميّة لإجراء الاختبارات الفنيّة على تباّني المظنون فيهما وعلى جهازي الهاتف الجوّال وكلا الحواسيب المحمولة.
وبعد سماع الطرفين، أثبتت التحريات وتقارير الطبّ الشرعي،أنّها لم تكن المرّة الأولى التي يقوم فيها المدعو سمير باستغلال الطفل جنسيّا، إذ سبق وأن اصطحبه إلى شقته الكائنة بولاية أريانة في مناسبة أخرى.
عامر ليس الطفل الوحيد الذي تمّ استغلاله جنسيّا فأمثاله كثيرون، إذ تشير الإحصائيات الأخيرة في التقرير السّنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة خلال 2013 ، أنه تم إشعار مندوبي حماية الطفولة بما يزيد عن 330 حالة استغلال جنسي للأطفال، موزعة إلى 8 حالات من زنا المحارم و 159 حالة تحرّش جنسي و148 حالة اعتداء جنسي و 3 حالات استغلال جنسي عبر وسائل الاتّصال الحديثة و 14 حالة لم يتم تصنيفها بعد .
انعدام قرينة الاثبات محصّلة لتعويض المتّهم
وبخصوص حالة عامر، يقول الطبيب الشرعي الدكتور "مهدي بن خليل " إنّ الأعمال " الطبية القانونية" لا تتم إلاّ بعد تسخيرة من السلطة القضائية (الشرطة العدليّة)، مضيفا أنّها تتمّ عبر أربعة مراحل، بدء باستقبال الضحيّة وتهدئتها قصد معرفة ظروف الاعتداء الجنسي، ففحص جسدها بالكامل بحثا عن الآثار المترتبة عن ذلك الاعتداء شريطة أن يجرى هذا الفحص السّريري بطريقة طبيعية ومقبولة من الطفل دون أي تهديد أو تحفّظ من جانبه، حتى لو استدعى الأمر إجراء هذا الفحص تحت التخدير العام لاسيّما في حال فحص المهبل أو المستقيم أو الدّبر والذي يأتي في مرحلة ثالثة قبل صياغة التقرير النهائي وإرساله إلى السلطة العدليّة.
وينوّه الطبيب أيضا إلى أنه من المستحسن أن يجرى هذا الفحص في غضون 72 ساعة بعد الاعتداء الجنسي مباشرة للحصول على أفضل النتائج.
هذا ويفيد ممثّل النيابة العموميّة (مساعد وكيل الجمهوريّة) أنّه رغم التساخير الفنيّة والفحوص الطبيّة التي يتم إجراؤها، فإنّ إشكالية إثبات تعرّض الطّفل سواء أكان ذكرا أو أنثى لأيّ اعتداء جنسيّ، يبقى عائقا أمام كشف الحقيقة خصوصا وأنّ أقوال الطّفل لا تؤخذ في عين الاعتبار في صورة غياب ركن الإسناد أي الإثباتات الطبيّة التي تدين الجاني.
وفي هذا الإطار، يشير المحامي "رمزي النصيري" إلى أنّه في حال غياب الدّليل وحسب المشرّع يتسنّى للمتّهم أو المشكوك فيه أن يطلب تعويضا بعد أن يحكم عليه القاضي بعدم سماع الدّعوى، فحسب "الفصل 226 رابعا "من القسم الثالث المتعلّق ب"الاعتداء بالفواحش التابع ل"المجلّة الجزائيّة" والمؤرّخ في 02 اوت 2004 فإنه" في صورة صدور قرار بأن لا وجه للتتبّع أو إذا صدر الحكم بعدم سماع الدعوى العموميّة جاز للمشتكي به أن يطلب التعويض عن الضرر الحاصل له ."
كما يجيز المشرّع التونسي للمتّهم تتبع الشاكي من أجل الادّعاء بالباطل، فطبقا للفصل "248" من القسم الخامس المتعلّق بهتك شرف الإنسان وعرضه التابع لنفس المجلّة والمؤرخ في 4 جويلية 1958، فإنّه"يعاقب بالسجن من عامين إلى خمسة أعوام وبخطية قدرها سبعمائة وعشرين دينارا كل من أوشى باطلا بأية وسيلة كانت بشخص أو عدّة أشخاص لدى سلطة إدارية أو عدلية، من نظرها تتبع هذه الوشاية أو رفعها للسلطة المختصة، أو لدى رؤساء الموشى به أو مستأجريه.
ويمكن للمحكمة أن تأذن، علاوة على ما ذكر، بنشر كامل الحكم أو ملخص منه بإحدى الجرائد أو أكثر وذلك على نفقة المحكوم عليه.
الحالات المسكوت عنها أكثر من المبلّغ عنها رسميّا
إن مثل هذا الحكم قد يشجّع الجاني على ارتكاب الجريمة مجددّا وقد يساهم في الترفيع من عدد الضحايا بشكل كبير، ولعلّ أكبر برهان على ذلك هو ارتفاع عدد الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي من 152 حالة سنة 2012 إلى " 330" حالة سنة 2013 حسب ما يورده التقرير الإحصائي السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة.
هذا العدد الضخم لا يمثّل في حقيقة الأمر إلاّ عدد الحالات المعترف بها لدى وزارات "المرأة" و"الصحّة" و "العدل "و"الداخليّة "، دون احتساب الحالات المسكوت عنها والتي تفوق ضعف إن لم نقل 3 أضعاف العدد المصرّح به رسميّا. إذ تظهر آخر الدراسات التي قام بها ثلّة من الأطبّاء الشرعيين في مستشفى شارل نيكول من جانفي 2010 إلى ديسمبر 2011 أن هذه الحالات التي يبلغ عنها الضحايا تفوق 30 مرة الإحصائيات التي تذكر في التقارير الرسمية 0.4٪ مقابل 12.7 ٪ والتي لا تحكي في حقيقة الأمر إلا على عدد ضئيل مقارنة بمعدلات الاعتداء التي تذكر من قبل الضحايا أنفسهم أو من قبل أحد أقاربهم أو أصدقائهم ".
ولعلّ قصّة الطفلة " زهور"(اسم مستعار) البالغة من العمر 9 سنوات هي واحدة من بين القصص التي لم تصل إلى مسامع الهياكل المعنيّة.
كانت تلميذة نجيبة رغم قسوة الجغرافيا وقهر ظروفها الاجتماعيّة، لا ذنب لها سوى أنها غرست في أرض نائية تجعلها تكابد عناء المشي لساعات بين تضاريس محفوفة بالمخاطر للوصول إلى المدرسة بغية طلب العلم.
هذه العراقيل لم تثنها عن مواصلة دراستها والتفوّق فيها وإنّما شجّعتها أن تكون من بين الأوائل "خرجت" زهور"كالعادة من بيتنا الكائن بمنطقة جبلية تابعة لمعتمدية غار الدماء في ساعة مبكّرة متحمّلة عبء الطرقات الوعرة دون أن تنتبه إلى وجود رجل غريب يقتفي أثرها ...كانت في غفلة من أمرها حين باغتها وأمسك ذراعها بشدّة... صرخت.. استغاثت.. ولكن صيحاتها ذهبت أدراج الرياح .."انفلتت دمعة ساخنة من عيني" الأم" فصمتت برهة ثم تابعت حديثها بصوت مختنق بالّدّموع:
"قاومت ابنتي مرارا ولكنّ جسدها اللين خضع لمشيئته، فأغمي عليها وسقطت أرضا..عندها استغل ضعفها وواقعها بشراسة لتستفيق على دماء تكسو ملابسها الرثّة.. وبعد أسبوعين من تغيّبها عن مقاعد الدّراسة، أرسل إلّيّ الإطار التربوي "استدعاء" قصد معرفة سبب عزوفها عن الذهاب إلى المدرسة ولكنّي نهيتها عن العودة وعن إخبار مركز الشرطة بتلك الحادثة خوفا عليها من الفضيحة ومن انتشار الخبر بين أهالي المنطقة".
وفي هذا الصدد، يقول مندوب حماية الطفولة بتونس السيّد "أنيس عون الله" إنّ جريمة "الجنسيّة الطفوليّة "هي من الجرائم الصّامتة ومن المواضيع الحسّاسة المسكوت عنها والتي لايحبّذ التحدّث عنها، خصوصا في المجتمعات المحافظة وذلك درء للفضائح .
ولكن، بالعودة إلى النصوص القانونيّة وتحديدا إلى الفصل 31 من مجلّة حماية الطفّل الذي ينصّ" أنّه على كل شخص، بمن في ذلك الخاضع للسر المهني واجب إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن له أنّ هناك ما يهدّد صحّة الطفل أو سلامته البدنيّة أوالمعنويّة على معنى الفقرات الواردة بالفصل 20 من هذه المجلّة "، يؤكّد المندوب العام لحماية الطفولة السيّد "مهيار حمّادي" أنّ رغم صرامة هذا القانون الذي يعطى مندوب حماية الطفولة صفة مأمور الضابطة العدليّة ويسمح له بالتدخّل بكامل ثقله خاصّة إذا كان الاعتداء الجنسي داخل الأسرة، فإنالأطبّاء أنفسهم يتمزّقون بين مبدأي"السريّة المهنيّة المطلقة" و"واجب اشعار مندوبي حماية الطفولة بمختلف الاعتداءات الجنسيّة التي يتعرّض إليها الطّفل". الأمر الذي يدفعهم إلى التكتّم أحيانا وعدم البوح ببعض الجرائم الجنسيّة وهو ما سينجرّ عنه جريمة أبشع بكثير ألا وهي التستّر عن هويّة الجناة.
تمييز قاطع بين المصطلحات القانونية وفراغ تشريعيّ لافت يساهمان في العود الاجرامي
يصرّح مسؤول بوزارة العدل وحقوق الانسان والعدالة الانتقاليّة أن عدد القضايا المتعلّقة بالجرائم الجنسيّة المرتكبة ضد الأطفال قد فاق 234 قضية خلال السنة القضائيّة 2011- 2012 مقابل 248 ضحيّة يتوزّعون حسب الجنس إلى 195 طفلة و 53 طفلا، و حسب نوع الجريمة إلى 134 حالة مواقعة إمّا بالعنف أو دون عنف،وإلى الاعتداء بفعل الفاحشة والذي يتوزّع حسب الجنس إلى 56 طفلة و 51 طفلا.
هذا وفي استشارة قانونيّة لبعض المحامين وبعد مقارنة مع المجلّة الجزائيّة الفرنسيّة التي تنصّ في المادّة المؤرخة في 6 أوت 2012 على أن الاعتداء بالفاحشة على أنثى يدخل تحت طائلة الاغتصاب.
تبيّن أنّ المشرّع التونسي قد ميّز في الفرع الثاني من المجلّة الجزائيّة المتعلّق بالاعتداء بما ينافي الحياء بين بعض المصطلحات القانونية شأن مصطلح "المواقعة"والتي تعني ايلاج الانثى بالمكان الطبيعي ,وهو ما يتجلّى في الفصل 227 الذي نصّ فيه "على ضرورة اعدام كل من واقع أنثى سنها دون العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال العنف أو السلاح أو التهديد به"،
الفصل 227 (نقح بالقانون عدد 9 لسنة 1985 المؤرخ في 7 مارس 1985 وبالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989.)\الفصل 227 (نقح بالقانون عدد 9 لسنة 1985 المؤرخ في 7 مارس 1985 وبالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989.).docx
وبين مصطلح "الاعتداء بالفاحشة" والذي يعني الاعتداء عليها من المكان غير الطبيعي وهوما يتجلّى في الفصل 228 الذي نصّ فيه "على ضرورة معاقبة كل من اعتدى بفعل الفاحشة على شخص ذكرا كان أو أنثى سنّه دون الثمانية عشر عاما كاملة بالسجن اثني عشر سنة ".
وفي هذا الاطار يؤكّد المحامي"رمزي النصيري" أن غياب تفسير دقيق وواضح لبعض المصطلحات يجعل المشرّع في صفّ المعتدي بدلامن الضحيّة، فعلى سبيل المثال استعمل المشرّع التونسي مصطلح "المواقعة "مرارا بشكل يوحي أنّ أي عمل جنسي مهما كانت خطورته ولا يندرج في إطار المواقعة يعتبر من قبيل" الاعتداء بالفاحشة"، وطبعا لا يختلف اثنان حول مسألة تمتّع المعتدي بالفاحشة بعقوبة أقل من المغتصب الذي قد تصل عقوبته إلى الإعدام على عكس المشرّع الفرنسي الذي يعتبر أن الاعتداء بالفاحشة على أنثى يدخل في إطارالاغتصاب .
علاوة على ذلك، فإنّ الفراغ التشريعي والقانوني نفسه الذي تشكو منه المنظومة القانونية الخاصة بأوضاع الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي في تونس في تضاعف أعدادهم، إذ تشير سامية دولة(قاضية و رئيسة خليّة بمركز الدراسات القانونية والقضائية) في دراسة قضائيّة قامت بها في الفترة الممتدة ما بين "28 فيفري" و"غرة مارس "2013"، إلى أنّ المشرّع لم يتولّ ضمن مجلّة حماية الطفل توفير الحماية القانونية اللازمة لكلّ الأطفال، اذ خصّص العنوان الأول من الفصل 20 إلى الفصل 67 لفائدة الطفل المهدّد، والعنوان الثاني من الفصل 68 إلى الفصل 106 لفائدة الطّفل الجانح واهتمّ أيضا بالطفل أثناء فترة تنفيذ الاجراءات والعقوبة الجزائيّة، ولكنّه لم يتطرّق قطّ إلى مصطلح الطفل ضحية الجريمة بصفة عامة أو ضحية الاساءة الجنسيّة بصفة خاصة.
هذا ويدعّم المندوب العام لحماية الطفولة السيّد "مهيار حمّادي " قولها بتأكيده على افتقار مجلّة حماية الطّفل إلى قسم "الطفل الضحيّة"رغم المخاطر التي تحدّق بالطفل والتي قد تصل إلى اقدامه على الانتحار في صورة غياب مراقبة تامّة .
فضلاعن ذلك، يساهم غياب الرقّابة الأبويّة أو تقصيرالابوين هو الآخر في تفاقم ظاهرة "الجنسيّة الطّفولية" وهو ما أكدته قصّة "ياسين" الذي لا يزال في الرّبيع الثالث من عمره والتي وردت على لسان والده بصوت حزين :
"أرسلت ابني إلى حارس المعهد حتّى يعطيه مفتاح محلّي الذي أبيع فيه الأكلات الخفيفة للتلاميذ وبقيت بانتظاره في الخارج.. انتظرته ولكّنه لم يأت..فدخلت إلى المعهد وبقيت ابحث عنه هنا وهناك لأجده مطروحا على الأرض جثّة هامدة ,لأتفاجأ بتعرّضه لاعتداء بالفاحشة.. حملته لقسم الاستعجالي الكائن بالمنطقة بعد أن أعلمت مركز الحرس بذلك..."
بخصوص حالة "ياسين" يقول الدكتور "معزّ الشّريف" رئيس جمعيّة حماية حقوق الطّفل إنّ "المؤسّسات التربويّة لا تتّخذ موقفا صارما بخصوص الاعتداءات الجنسيّة التي يتعرّض لها الأطفال وإنّها مازالت تفتقر إلى نقابات جديرة بالدّفاع عنهم شأن النقابات التي تدافع عن مربّيهم حتّى لو كان الاعتداء لفظيّا فحسب" ..
معاناة الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي
هاهنا تجدر الإشارة إلى مختلف انعكاسات ظاهرة الجنسيّة الطفوليّة ، بدءا بقصّة التلميذ "عامر" التي بدأت باستدراج عبر"الفيس بوك"، فمقابل زهيد من المال( عشرون دينارا) وبعض الهدايا (نظّارة طبيّة) بتعلّة الاشفاق عليه، فالتغرير به لتنتهي بصورة ضبابيّة لمستقبله لاسيّما وأنّه غادر المدرسة الاعداديّة إثر تعرّضه لاعتداء بالفاحشة، مرورا بقصّة الطفلة "زهور" التي حاولت أن تدفن تلك الهوة النفسية التي التهمت تفكيرها وسرقت عافيتها مرارا بعد أن اغتصبت براءتها، ولكنها لم تفلح، حتّى أن حالتها كانت تزداد سوء يوما بعد يوم، لننتهي بقصّة "ياسين" الذي لم يعد يلعب مع أترابه في الحيّ كما كان في السّابق.. ربّما لم يكن واعيا بهول ما أصابه كما أخبرنا والده، فهو مازال يتعثر حتّى في "نطق الكلمات" ولكنّه أصبح يمكث بمفرده لساعات طويلة...
إضافة إلى ذلك، تؤكدّ التقارير الطبيّة أن حالته حرجة للغاية بسبب تجمع كتلة من الدم في ظهره إلى جانب الآلام الحادّة التي بقي يعاني منها في دبره نتيجة الفتوق البشعة.
وفي هذا الصدّد، يشير طبيب الأطفال الدكتور"سامي عثمان" إلى مختلف الآثار النفسيّة المترتّبة عن تلك الظاهرة شأن إحساس الطّفل الدائم بالخزي والمذلة واحتقار الذات وهو ما سيؤدّي إلى فقدانه لهويته الجنسية وإلى إعاقة نموّه النفسي وإلى تأخره الدراسي وصعوبة الاستيعاب وفي كثير من الأحيان إلى العزوف عن الدراسة (وهو ما ينطبق على حالتي"عامر"و"زهور" أو إلى الانطواء وهو ما ينطبق على حالة "ياسين" أو إلى الانتحار مثلما قال المندوب العام لحماية الطفولة كما اشرنا آنفا .
هذه ليست وقائع شاذة أو من نسج الخيال، وإنما هي حوادث تتكرر في المجتمع التونسي.. مجتمع تكون فيه الضحيّة هي المتّهم الأول وفي كثير من الأحيان تعاقب أكثر من الجاني في ظلّ جملة من الثغرات القانونيّة التي تحمي مغتصبي هذه الطّفولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.