قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    صادم: أستاذة تتعرض لهجوم من كلب سائب داخل معهد باردو..    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين يحملون هذه الجنسية    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    كرة اليد: تركيبة الإطار الفني الجديد للمنتخب الوطني    أبطال إفريقيا: ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي يحط الرحال بتونس    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: مولدية بوسالم يتأهل إلى الدور ثمن النهائي    إلزام جوفنتوس بدفع 7ر9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو كرواتب متأخرة    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    ما قصة ''الجسم المشبوه'' في سوسة ؟    سعيد يفجرها: "لا عودة الى الوراء..الأقنعة سقطت وأوراق التوت يبست وتكسرت"..    حادث مرور قاتل في القصرين..وهذه حصيلة الضحايا..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مفوض عام الأونروا يحذر من أن المجاعة تحكم قبضتها على غزة..    ريال مدريد يفوز على مانشستر سيتي ويتأهل الى نصف نهائي رابطة أبطال أوروبا    نادال يودع الدور الثاني من بطولة برشلونة للتنس    تعرض كاهن للطعن داخل كنيسته في سيدني    توريد 457 ألف طن من القمح اللين.. مضاعفة الكميات في السوق    استغلال وابتزاز جنسي للأطفال عبر الإنترنات..وزارة المرأة تتخذ هذه الاجراءات..    مواطن يتفطن لجسم مشبوه بهذه المنطقة واستنفار أمني..#خبر_عاجل    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    الهوارية : انهار عليه الرّدم في بئر و هو بصدد الحفر    الأعنف منذ 80 عاماً.. فيضانات روسيا تغمر 18 ألف منزل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    قضية التآمر: هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين تقرر مقاطعة جلسة اليوم    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة(مرحلة التتويج-الجولة9): النتائج والترتيب    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    أريانة: الدورة الثانية لأيام المنيهلة المسرحية من 17 إلى 23 أفريل الجاري    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    أخبار المال والأعمال    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثغرات قانونية تغتصب الطفولة في تونس
نشر في حقائق أون لاين يوم 16 - 02 - 2015

تساهم الثغرات الكامنة في القوانين المتعلّقة بجريمة "الاستغلال الجنسي للأطفال " في تونس أو ما يعبّر عنه ب" الجنسيّة الطفوليّة " في التّرفيع من نسب العود الإجرامي ومن عدد هؤلاء الضحايا، وهو ما يؤدّي إلى استشراء هذه الظاهرة التي تدخل ضمن دائرة المسكوت عنه.
الطفل عامر(اسم مستعار)، هو أحد الضحايا الذين وقع الاعتداء عليهم جنسيّا وبطريقة قسريّة، إذ غرّر به المحامي سمير(اسم مستعار) واستدرجه إلى الفراش بعد أن كسب صداقته.
أوّل محادثة بينهما كانت على موقع "الفيس بوك"، وآخرها كانت في مركز الاستمرار بالبلفيدير، أين تقدّم أعوان السّلامة بشكاية للنيابة العموميّة بعد ضبطهما في نزل معروف بالعاصمة، وهما بصدد ممارسة الجنس.الأمر الذّي دفع النيابة العموميّة إلى إصدار تعليمات بإحالة المحضر المحرّر من طرف منطقة الأمن بالمدينة إلى أنظار الإدارة الفرعيّة للوقاية الاجتماعيّة التي تعهّدت بمواصلة البحث في الموضوع ، على نحو تمّ تسخير إدارة الشرطة الفنيّة والعلميّة لإجراء الاختبارات الفنيّة على تباّني المظنون فيهما وعلى جهازي الهاتف الجوّال وكلا الحواسيب المحمولة.
وبعد سماع الطرفين، أثبتت التحريات وتقارير الطبّ الشرعي،أنّها لم تكن المرّة الأولى التي يقوم فيها المدعو سمير باستغلال الطفل جنسيّا، إذ سبق وأن اصطحبه إلى شقته الكائنة بولاية أريانة في مناسبة أخرى.
عامر ليس الطفل الوحيد الذي تمّ استغلاله جنسيّا فأمثاله كثيرون، إذ تشير الإحصائيات الأخيرة في التقرير السّنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة خلال 2013 ، أنه تم إشعار مندوبي حماية الطفولة بما يزيد عن 330 حالة استغلال جنسي للأطفال، موزعة إلى 8 حالات من زنا المحارم و 159 حالة تحرّش جنسي و148 حالة اعتداء جنسي و 3 حالات استغلال جنسي عبر وسائل الاتّصال الحديثة و 14 حالة لم يتم تصنيفها بعد .
انعدام قرينة الاثبات محصّلة لتعويض المتّهم
وبخصوص حالة عامر، يقول الطبيب الشرعي الدكتور "مهدي بن خليل " إنّ الأعمال " الطبية القانونية" لا تتم إلاّ بعد تسخيرة من السلطة القضائية (الشرطة العدليّة)، مضيفا أنّها تتمّ عبر أربعة مراحل، بدء باستقبال الضحيّة وتهدئتها قصد معرفة ظروف الاعتداء الجنسي، ففحص جسدها بالكامل بحثا عن الآثار المترتبة عن ذلك الاعتداء شريطة أن يجرى هذا الفحص السّريري بطريقة طبيعية ومقبولة من الطفل دون أي تهديد أو تحفّظ من جانبه، حتى لو استدعى الأمر إجراء هذا الفحص تحت التخدير العام لاسيّما في حال فحص المهبل أو المستقيم أو الدّبر والذي يأتي في مرحلة ثالثة قبل صياغة التقرير النهائي وإرساله إلى السلطة العدليّة.
وينوّه الطبيب أيضا إلى أنه من المستحسن أن يجرى هذا الفحص في غضون 72 ساعة بعد الاعتداء الجنسي مباشرة للحصول على أفضل النتائج.
هذا ويفيد ممثّل النيابة العموميّة (مساعد وكيل الجمهوريّة) أنّه رغم التساخير الفنيّة والفحوص الطبيّة التي يتم إجراؤها، فإنّ إشكالية إثبات تعرّض الطّفل سواء أكان ذكرا أو أنثى لأيّ اعتداء جنسيّ، يبقى عائقا أمام كشف الحقيقة خصوصا وأنّ أقوال الطّفل لا تؤخذ في عين الاعتبار في صورة غياب ركن الإسناد أي الإثباتات الطبيّة التي تدين الجاني.
وفي هذا الإطار، يشير المحامي "رمزي النصيري" إلى أنّه في حال غياب الدّليل وحسب المشرّع يتسنّى للمتّهم أو المشكوك فيه أن يطلب تعويضا بعد أن يحكم عليه القاضي بعدم سماع الدّعوى، فحسب "الفصل 226 رابعا "من القسم الثالث المتعلّق ب"الاعتداء بالفواحش التابع ل"المجلّة الجزائيّة" والمؤرّخ في 02 اوت 2004 فإنه" في صورة صدور قرار بأن لا وجه للتتبّع أو إذا صدر الحكم بعدم سماع الدعوى العموميّة جاز للمشتكي به أن يطلب التعويض عن الضرر الحاصل له ."
كما يجيز المشرّع التونسي للمتّهم تتبع الشاكي من أجل الادّعاء بالباطل، فطبقا للفصل "248" من القسم الخامس المتعلّق بهتك شرف الإنسان وعرضه التابع لنفس المجلّة والمؤرخ في 4 جويلية 1958، فإنّه"يعاقب بالسجن من عامين إلى خمسة أعوام وبخطية قدرها سبعمائة وعشرين دينارا كل من أوشى باطلا بأية وسيلة كانت بشخص أو عدّة أشخاص لدى سلطة إدارية أو عدلية، من نظرها تتبع هذه الوشاية أو رفعها للسلطة المختصة، أو لدى رؤساء الموشى به أو مستأجريه.
ويمكن للمحكمة أن تأذن، علاوة على ما ذكر، بنشر كامل الحكم أو ملخص منه بإحدى الجرائد أو أكثر وذلك على نفقة المحكوم عليه.
الحالات المسكوت عنها أكثر من المبلّغ عنها رسميّا
إن مثل هذا الحكم قد يشجّع الجاني على ارتكاب الجريمة مجددّا وقد يساهم في الترفيع من عدد الضحايا بشكل كبير، ولعلّ أكبر برهان على ذلك هو ارتفاع عدد الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي من 152 حالة سنة 2012 إلى " 330" حالة سنة 2013 حسب ما يورده التقرير الإحصائي السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة.
هذا العدد الضخم لا يمثّل في حقيقة الأمر إلاّ عدد الحالات المعترف بها لدى وزارات "المرأة" و"الصحّة" و "العدل "و"الداخليّة "، دون احتساب الحالات المسكوت عنها والتي تفوق ضعف إن لم نقل 3 أضعاف العدد المصرّح به رسميّا. إذ تظهر آخر الدراسات التي قام بها ثلّة من الأطبّاء الشرعيين في مستشفى شارل نيكول من جانفي 2010 إلى ديسمبر 2011 أن هذه الحالات التي يبلغ عنها الضحايا تفوق 30 مرة الإحصائيات التي تذكر في التقارير الرسمية 0.4٪ مقابل 12.7 ٪ والتي لا تحكي في حقيقة الأمر إلا على عدد ضئيل مقارنة بمعدلات الاعتداء التي تذكر من قبل الضحايا أنفسهم أو من قبل أحد أقاربهم أو أصدقائهم ".
ولعلّ قصّة الطفلة " زهور"(اسم مستعار) البالغة من العمر 9 سنوات هي واحدة من بين القصص التي لم تصل إلى مسامع الهياكل المعنيّة.
كانت تلميذة نجيبة رغم قسوة الجغرافيا وقهر ظروفها الاجتماعيّة، لا ذنب لها سوى أنها غرست في أرض نائية تجعلها تكابد عناء المشي لساعات بين تضاريس محفوفة بالمخاطر للوصول إلى المدرسة بغية طلب العلم.
هذه العراقيل لم تثنها عن مواصلة دراستها والتفوّق فيها وإنّما شجّعتها أن تكون من بين الأوائل "خرجت" زهور"كالعادة من بيتنا الكائن بمنطقة جبلية تابعة لمعتمدية غار الدماء في ساعة مبكّرة متحمّلة عبء الطرقات الوعرة دون أن تنتبه إلى وجود رجل غريب يقتفي أثرها ...كانت في غفلة من أمرها حين باغتها وأمسك ذراعها بشدّة... صرخت.. استغاثت.. ولكن صيحاتها ذهبت أدراج الرياح .."انفلتت دمعة ساخنة من عيني" الأم" فصمتت برهة ثم تابعت حديثها بصوت مختنق بالّدّموع:
"قاومت ابنتي مرارا ولكنّ جسدها اللين خضع لمشيئته، فأغمي عليها وسقطت أرضا..عندها استغل ضعفها وواقعها بشراسة لتستفيق على دماء تكسو ملابسها الرثّة.. وبعد أسبوعين من تغيّبها عن مقاعد الدّراسة، أرسل إلّيّ الإطار التربوي "استدعاء" قصد معرفة سبب عزوفها عن الذهاب إلى المدرسة ولكنّي نهيتها عن العودة وعن إخبار مركز الشرطة بتلك الحادثة خوفا عليها من الفضيحة ومن انتشار الخبر بين أهالي المنطقة".
وفي هذا الصدد، يقول مندوب حماية الطفولة بتونس السيّد "أنيس عون الله" إنّ جريمة "الجنسيّة الطفوليّة "هي من الجرائم الصّامتة ومن المواضيع الحسّاسة المسكوت عنها والتي لايحبّذ التحدّث عنها، خصوصا في المجتمعات المحافظة وذلك درء للفضائح .
ولكن، بالعودة إلى النصوص القانونيّة وتحديدا إلى الفصل 31 من مجلّة حماية الطفّل الذي ينصّ" أنّه على كل شخص، بمن في ذلك الخاضع للسر المهني واجب إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن له أنّ هناك ما يهدّد صحّة الطفل أو سلامته البدنيّة أوالمعنويّة على معنى الفقرات الواردة بالفصل 20 من هذه المجلّة "، يؤكّد المندوب العام لحماية الطفولة السيّد "مهيار حمّادي" أنّ رغم صرامة هذا القانون الذي يعطى مندوب حماية الطفولة صفة مأمور الضابطة العدليّة ويسمح له بالتدخّل بكامل ثقله خاصّة إذا كان الاعتداء الجنسي داخل الأسرة، فإنالأطبّاء أنفسهم يتمزّقون بين مبدأي"السريّة المهنيّة المطلقة" و"واجب اشعار مندوبي حماية الطفولة بمختلف الاعتداءات الجنسيّة التي يتعرّض إليها الطّفل". الأمر الذي يدفعهم إلى التكتّم أحيانا وعدم البوح ببعض الجرائم الجنسيّة وهو ما سينجرّ عنه جريمة أبشع بكثير ألا وهي التستّر عن هويّة الجناة.
تمييز قاطع بين المصطلحات القانونية وفراغ تشريعيّ لافت يساهمان في العود الاجرامي
يصرّح مسؤول بوزارة العدل وحقوق الانسان والعدالة الانتقاليّة أن عدد القضايا المتعلّقة بالجرائم الجنسيّة المرتكبة ضد الأطفال قد فاق 234 قضية خلال السنة القضائيّة 2011- 2012 مقابل 248 ضحيّة يتوزّعون حسب الجنس إلى 195 طفلة و 53 طفلا، و حسب نوع الجريمة إلى 134 حالة مواقعة إمّا بالعنف أو دون عنف،وإلى الاعتداء بفعل الفاحشة والذي يتوزّع حسب الجنس إلى 56 طفلة و 51 طفلا.
هذا وفي استشارة قانونيّة لبعض المحامين وبعد مقارنة مع المجلّة الجزائيّة الفرنسيّة التي تنصّ في المادّة المؤرخة في 6 أوت 2012 على أن الاعتداء بالفاحشة على أنثى يدخل تحت طائلة الاغتصاب.
تبيّن أنّ المشرّع التونسي قد ميّز في الفرع الثاني من المجلّة الجزائيّة المتعلّق بالاعتداء بما ينافي الحياء بين بعض المصطلحات القانونية شأن مصطلح "المواقعة"والتي تعني ايلاج الانثى بالمكان الطبيعي ,وهو ما يتجلّى في الفصل 227 الذي نصّ فيه "على ضرورة اعدام كل من واقع أنثى سنها دون العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال العنف أو السلاح أو التهديد به"،
الفصل 227 (نقح بالقانون عدد 9 لسنة 1985 المؤرخ في 7 مارس 1985 وبالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989.)\الفصل 227 (نقح بالقانون عدد 9 لسنة 1985 المؤرخ في 7 مارس 1985 وبالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989.).docx
وبين مصطلح "الاعتداء بالفاحشة" والذي يعني الاعتداء عليها من المكان غير الطبيعي وهوما يتجلّى في الفصل 228 الذي نصّ فيه "على ضرورة معاقبة كل من اعتدى بفعل الفاحشة على شخص ذكرا كان أو أنثى سنّه دون الثمانية عشر عاما كاملة بالسجن اثني عشر سنة ".
وفي هذا الاطار يؤكّد المحامي"رمزي النصيري" أن غياب تفسير دقيق وواضح لبعض المصطلحات يجعل المشرّع في صفّ المعتدي بدلامن الضحيّة، فعلى سبيل المثال استعمل المشرّع التونسي مصطلح "المواقعة "مرارا بشكل يوحي أنّ أي عمل جنسي مهما كانت خطورته ولا يندرج في إطار المواقعة يعتبر من قبيل" الاعتداء بالفاحشة"، وطبعا لا يختلف اثنان حول مسألة تمتّع المعتدي بالفاحشة بعقوبة أقل من المغتصب الذي قد تصل عقوبته إلى الإعدام على عكس المشرّع الفرنسي الذي يعتبر أن الاعتداء بالفاحشة على أنثى يدخل في إطارالاغتصاب .
علاوة على ذلك، فإنّ الفراغ التشريعي والقانوني نفسه الذي تشكو منه المنظومة القانونية الخاصة بأوضاع الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي في تونس في تضاعف أعدادهم، إذ تشير سامية دولة(قاضية و رئيسة خليّة بمركز الدراسات القانونية والقضائية) في دراسة قضائيّة قامت بها في الفترة الممتدة ما بين "28 فيفري" و"غرة مارس "2013"، إلى أنّ المشرّع لم يتولّ ضمن مجلّة حماية الطفل توفير الحماية القانونية اللازمة لكلّ الأطفال، اذ خصّص العنوان الأول من الفصل 20 إلى الفصل 67 لفائدة الطفل المهدّد، والعنوان الثاني من الفصل 68 إلى الفصل 106 لفائدة الطّفل الجانح واهتمّ أيضا بالطفل أثناء فترة تنفيذ الاجراءات والعقوبة الجزائيّة، ولكنّه لم يتطرّق قطّ إلى مصطلح الطفل ضحية الجريمة بصفة عامة أو ضحية الاساءة الجنسيّة بصفة خاصة.
هذا ويدعّم المندوب العام لحماية الطفولة السيّد "مهيار حمّادي " قولها بتأكيده على افتقار مجلّة حماية الطّفل إلى قسم "الطفل الضحيّة"رغم المخاطر التي تحدّق بالطفل والتي قد تصل إلى اقدامه على الانتحار في صورة غياب مراقبة تامّة .
فضلاعن ذلك، يساهم غياب الرقّابة الأبويّة أو تقصيرالابوين هو الآخر في تفاقم ظاهرة "الجنسيّة الطّفولية" وهو ما أكدته قصّة "ياسين" الذي لا يزال في الرّبيع الثالث من عمره والتي وردت على لسان والده بصوت حزين :
"أرسلت ابني إلى حارس المعهد حتّى يعطيه مفتاح محلّي الذي أبيع فيه الأكلات الخفيفة للتلاميذ وبقيت بانتظاره في الخارج.. انتظرته ولكّنه لم يأت..فدخلت إلى المعهد وبقيت ابحث عنه هنا وهناك لأجده مطروحا على الأرض جثّة هامدة ,لأتفاجأ بتعرّضه لاعتداء بالفاحشة.. حملته لقسم الاستعجالي الكائن بالمنطقة بعد أن أعلمت مركز الحرس بذلك..."
بخصوص حالة "ياسين" يقول الدكتور "معزّ الشّريف" رئيس جمعيّة حماية حقوق الطّفل إنّ "المؤسّسات التربويّة لا تتّخذ موقفا صارما بخصوص الاعتداءات الجنسيّة التي يتعرّض لها الأطفال وإنّها مازالت تفتقر إلى نقابات جديرة بالدّفاع عنهم شأن النقابات التي تدافع عن مربّيهم حتّى لو كان الاعتداء لفظيّا فحسب" ..
معاناة الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي
هاهنا تجدر الإشارة إلى مختلف انعكاسات ظاهرة الجنسيّة الطفوليّة ، بدءا بقصّة التلميذ "عامر" التي بدأت باستدراج عبر"الفيس بوك"، فمقابل زهيد من المال( عشرون دينارا) وبعض الهدايا (نظّارة طبيّة) بتعلّة الاشفاق عليه، فالتغرير به لتنتهي بصورة ضبابيّة لمستقبله لاسيّما وأنّه غادر المدرسة الاعداديّة إثر تعرّضه لاعتداء بالفاحشة، مرورا بقصّة الطفلة "زهور" التي حاولت أن تدفن تلك الهوة النفسية التي التهمت تفكيرها وسرقت عافيتها مرارا بعد أن اغتصبت براءتها، ولكنها لم تفلح، حتّى أن حالتها كانت تزداد سوء يوما بعد يوم، لننتهي بقصّة "ياسين" الذي لم يعد يلعب مع أترابه في الحيّ كما كان في السّابق.. ربّما لم يكن واعيا بهول ما أصابه كما أخبرنا والده، فهو مازال يتعثر حتّى في "نطق الكلمات" ولكنّه أصبح يمكث بمفرده لساعات طويلة...
إضافة إلى ذلك، تؤكدّ التقارير الطبيّة أن حالته حرجة للغاية بسبب تجمع كتلة من الدم في ظهره إلى جانب الآلام الحادّة التي بقي يعاني منها في دبره نتيجة الفتوق البشعة.
وفي هذا الصدّد، يشير طبيب الأطفال الدكتور"سامي عثمان" إلى مختلف الآثار النفسيّة المترتّبة عن تلك الظاهرة شأن إحساس الطّفل الدائم بالخزي والمذلة واحتقار الذات وهو ما سيؤدّي إلى فقدانه لهويته الجنسية وإلى إعاقة نموّه النفسي وإلى تأخره الدراسي وصعوبة الاستيعاب وفي كثير من الأحيان إلى العزوف عن الدراسة (وهو ما ينطبق على حالتي"عامر"و"زهور" أو إلى الانطواء وهو ما ينطبق على حالة "ياسين" أو إلى الانتحار مثلما قال المندوب العام لحماية الطفولة كما اشرنا آنفا .
هذه ليست وقائع شاذة أو من نسج الخيال، وإنما هي حوادث تتكرر في المجتمع التونسي.. مجتمع تكون فيه الضحيّة هي المتّهم الأول وفي كثير من الأحيان تعاقب أكثر من الجاني في ظلّ جملة من الثغرات القانونيّة التي تحمي مغتصبي هذه الطّفولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.