طالب منصف العبيدي السلطات التونسية بإعادة ابن شقيقته القابعة منذ أشهر في أحد السجون الليبية على خلفية تورط زوجها في تنظيم داعش الإرهابي ومقتله أواخر سنة ألفين وستة عشر. وقال إن الطفل براء يبلغ حاليا من العمر أربع سنوات فحسب، لكنه يتألم في السجن وحياته مهددة بالخطر جراء الأمراض التي أصابته، وبين أن براء خضع لأربع عمليات جراحية لكنه لم يتماثل للشفاء. وأكد العبيدي أن نجل شقيقته ليس الطفل التونسي الوحيد الجاثم وراء القضبان بل هناك 83 طفلا و23 امرأة هم الآن في السجون الليبية والسورية والعراقية وغيرها من مناطق النزاع، ورغم هذا العدد المفزع فإن الدولة التونسية على حد تعبيره تناستهم. وأضاف العبيدي أمس خلال لقاء صحفي بالعاصمة نظمته جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج بدعم من مؤسسة أحمد التليلي للثقافة الديموقراطية والعدالة الاجتماعية أن عائلات السجينات في مناطق النزاع توجهت عدة مرات الى وزارات الخارجية وحقوق الانسان والمرأة والأسرة والطفولة لكنها لم تجد آذانا صاغية. وذكر شقيق والدة براء الذي يشغل خطة نائب رئيس الجمعية أن هذا التجاهل الّم العائلات كثيرا، وبين أنه يحز في نفوسهم أن تتبجح تونس بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل لكنها لا تدافع عن نسائها وأطفالها الموجودين بالسجون السورية والليبية. كما استغرب من تجاهل الدولة للنداء الذي وجهه الناطق الرسمي باسم قوات الردع في ليبيا لإرجاع النساء والأطفال القابعين في السجون الليبية إلى تونس وتساءل مستنكرا هل أن عدم الاستجابة الى هذا النداء من قبل السلطات التونسية يراد منه اخفاء الحقيقة؟ وبين أن المطلوب من الدولة حاليا هو القيام بواجبها تجاه مواطنيها وعليها جلب النساء والأطفال العالقين في بؤر التوتر ومعالجتهم وتأهيلهم نفسيا. مغالطات منى الجندوبي الكاتبة العامة لجمعية انقاذ التونسيين العالقين بالخارج بينت أن التقرير الأممي حول الضالعين في الارهاب لم يقدم أي معلومة عن عدد الأطفال التونسيين العالقين في بؤر التوتر، لذلك عملت الجمعية على إحصائهم بناء على الملفات الواردة عليها والبالغ عددها مائة وخمسة ملفات. وتبينت من خلال هذه الاحصائيات أن هناك 83 طفلا و23 امرأة عالقين، وهناك بعض الأطفال يتامى وهناك من توفي والده في ساحة القتال وتمت اعادة والدته قسريا إلى العراق. وذكرت الجندوبي أن التقرير الأممي بين أيضا أن عدد المقاتلين التونسيين يبلغ نحو ثلاثة آلاف مقاتل كما كشف أن تونس ليست في المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للإرهابيين كما تم التسويق له اعلاميا، بل السوفيات هم الذين يتصدرون القائمة، في حين تحتل منطقة المغرب العربي المرتبة الرابعة. وأضافت أن الجمعية نظمت عدة تظاهرات للتحسيس بأهمية ملف العالقين في الخارج سواء كانوا في بؤر القتال أو في ايطاليا لكن السلطات التونسية لم تكترث لأوضاعهم. ويتوزع الأطفال العالقون حسب قولها كما يلي: 17 بالمائة في معيتيقة، و37 بالمائة في مسراته، و4 بالمائة في الموصل، و4 بالمائة في تركيا، وستة عشر بالمائة في سوريا، وخمسة عشر بالمائة في كردستان، و7 بالمائة في مناطق أخرى. وأضافت أنه حيال هذه النسب المفزعة لا بد من التحرك وعلى وزارة الخارجية أن تبذل جهدا أكبر لاستعادة الأطفال حتى لا يتغلغل الفكر الارهابي في عقولهم. وقالت إن ستة وعشرين بالمائة من الأطفال العالقين تبلغ أعمارهم أقل من سنتين، ونجد أربعة وعشرين بالمائة منهم تتراوح أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات، واربعة وثلاثين بالمائة بين أربع سنوات وست سنوات، وستة عشر بالمائة منهم تتجاوز أعمارهم ست سنوات، وذكرت أن الكثير من الأطفال بلغوا سن التمدرس وكان من المفروض أن يكونوا في رياض الأطفال وفي المدارس لا في السجون ومخيمات اللاجئين. وقدمت الكاتبة العامة للجمعية معطيات عن الارهابيين أولياء الأطفال، وقالت إن 28 بالمائة منهم من منطقة تونس الكبرى، و13 بالمائة من سوسة ومدنين، و11 بالمائة من قبلي. وذكرت ان الجمعية قامت بمقارنة بين المعطيات التي في حوزتها وبين المعلومات المنشورة في موقع وزارة الداخلية حول الايقافات التي قامت بها الوحدات الأمنية للعناصر التكفيرية، واكتشفت من خلال هذه المقارنة أن الجهات التي فيها اكبر عدد من الايقافات هي نفسها الجهات التي ينتمي اليها العالقون في بؤر التوتر وهو ما يدل على وجود حاضنة شعبية للإرهاب. وذكرت أنه إثر أحداث سليمان سنة الفين وستة تم الزج بالمجموعة الضالعة فيها في السجن لكن تم اطلاق سراحهم وتمتيعهم بعد الثورة بالعفو التشريعي وتبين لاحقا أن خمسة وعشرين بالمائة من هؤلاء بعد ان غادروا السجون انخرطوا في عمليات ارهابية أخرى على غرار احداث السفارة الامريكية واحداث بوشبكة وهو ما يؤكد ان السجن وحده لا يكفي للردع والاصلاح بل يجب اعادة تأهيل المتشددين دينيا الحاملين للفكر الارهابي، وأضافت أن المعالجة الأمنية فقط لا تكفي. وقالت ان الفكر المتطرف تغلغل وعدم معالجته واستئصاله يمكن ان يؤدي الى كوارث خطيرة. ودعت الى تشريك الاخصائيين النفسيين والاجتماعيين في عملية التأهيل. وخلصت إلى أهمية الجانب الوقائي والجانب العلاجي ونبهت الى أن عزل الراديكاليين في وحدات سجنية لا يساعد على اصلاحهم. وفي نفس السياق أكد رئيس الجمعية محمد اقبال بن رجب أن الجمعية لا تدافع عن اي شخص تورط في الارهاب، لكنها تدافع عن الأطفال الأبرياء لأنه ليس ذنبهم أن يكون أولياؤهم جهاديين او منتمين الى تنظيمات ارهابية او يتبنون الفكر المتطرف. وذكر ان وزارة الخارجية ووزارة حقوق الانسان وحتى وزارة المرأة والطفولة لم تعالج ملف الأطفال العالقين رغم أن أعدادهم صادمة، وقال إن هناك آباء انضموا الى تنظيم داعش الارهابي ولقوا حتفهم وآخرون تم سجنهم، وهناك نساء في السجون وابناؤهن برفقتهم وهذا الوضع غير سليم وفيه تهديد لسلامة الأطفال الجسدية والنفسية. وذكر أن السلطات التونسية تريد التعتيم على عدد الأطفال العالقين، وقال إن حياة هؤلاء مهددة وهناك طفلة توفيت لكن الدولة غائبة تماما، واشار الى انه يكفي الدولة ان توافق على اعادة الاطفال والنساء وسيتكفل الصليب الاحمر الدولي بنقلهم الى تونس و ان لم تعترف بهم عائلاتهم على الدولة رعايتهم. وقال رضا التليلي رئيس مؤسسة أحمد التليلي للثقافة الديموقراطية والاجتماعية إن قضية الأطفال العالقين قضية منسية ومهمشة من قبل السلطات التونسية، وذكر أنه لم يكن يدرك حقيقية وضعياتهم المزرية وعندما تفطن للأمر لم يدخر جهدا في مساندة جمعية انقاذ التونسيين العالقين بالخارج واعتبر هذه المهمة واجب اخلاقي. وتعقيبا عن اسئلة الصحفيين ذكر رئيس الجمعية أنه بعد تنظيمه ندوة صحفية السنة الماضية تولت رئاسة الحكومة توجيه تنبيه له وذكر أنه كان ينتظر منها التدخل وايجاد حلول للعالقين لكنها ردت على الجمعية بتنبيه. وقرأ محمد اقبال بن رجب بيان الجمعية بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية وجاء فيه أن الجمعية تحتفل بهذه المناسبة بكثير من القلق والانشغال أمام المصير الغامض للأطفال ولبعض التونسيات العالقات بالخارج وتحديدا في الأراضي الليبية والتركية والسورية وغيرها من الدول. وعبرت الجمعية في بيانها عن أسفها العميق لحال "الأمهات التونسيات العالقات ولما أصابهن من حزن وألم ولما تعرضن له من مماطلة للوصول إلى حل نهائي يسمح لهن بمعرفة مصيرهن". وتقدمت الجمعية في نفس البيان بنداء الى رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر والى جميع مكونات المجتمع المدني لكي يلعبوا دورا إنسانيا وأخلاقيا تجاه العالقين. وأكد البيان على ثلاث نقاط أولها الإسراع في إنقاذ النساء والأطفال العالقين بالخارج وخاصة في المناطق الخطرة ومناطق النزاع او الصراع، وتتمثل النقطة الثانية في العمل على تنسيق الجهود بين الهياكل المتدخلة في ملف العالقين وتكوين لجنة قارة في وزارة الشؤون الخارجية لمتابعة هذا الملف ولمعرفة مصير التونسيين العالقين بالخارج، اما النقطة الأخيرة فتؤكد على ضرورة العمل على تفعيل الدعوات الصادرة من قبل عدة هياكل للمطالبة بتنظيم مؤتمر وطني لمكافحة الارهاب وإعادة تأهيل وإدماج التونسيين العائدين من بؤر التوتر.