ايّام قليلة تفصلنا عن العودة السياسية والبرلمانية،عودة تحمل في طياتها ازمة واضحة سواء داخل البرلمان بعد ان لاحت في الافق بداية نهاية بعض الكتل وفقدانها لاهم عناصرها، كما ان التكتلات داخل البرلمان قد تعرف ميلاد اخرى اكثر قوة وتماسكا، كما ان الوضع السياسي خارج البرلمان لن يخرج عن قاعدة الاستقطاب استعدادا لموعد 2019 . فبين الاحزاب ورئاسة الحكومة توتر كبير خاصة بعد ان اجبرت تلك الاحزاب على التصويت لمقترح رئيس الحكومة بشان تعيين وزير للداخلية في وقت تجندت فيه أطراف واساسا نداء تونس ومشروع تونس للإطاحة بالمقترح الا إنهما أجبرا على التصويت لفائدة الوزير الجديد كخيار أمن تفاديا لخسارة كتلهم البرلمانية حيث ستشكل السنة السياسية الجديدة تحديا لضمان تماسك عدد من الاحزاب او نهايتها. امتحان للتوافق كما سيكشف الموسم السياسي القادم فرصة للوقوف على مدى جدية التوافق بين حركة النهضة من جهة ورئيس الجمهورية من جهة اخرى خاصة مع تمسك الحركة بهذا المبدأ كمخرج لازمات الحكم وتواصلا للاستقرار السياسي والاجتماعي في بلادنا. استقرار قد يجد ما يقوضه بسبب الجدل الدائر حول بقاء الحكومة او رحيلها، فبعد ان كسب يوسف الشاهد جولة البقاء الاولى،فان خيارات اسقاطه لم تنته بعد في ظل تشبث مجموعة المدير التنفيذي لنداء تونس بترحيل الحكومة والمجيئ باخرى الى قصر القصبة بالعاصمة. وفِي الوقت الذي تستعد فيه الاحزاب لاعادة طرح جدل إسقاط الحكومة، تستعد حكومة الشاهد للانطلاق في إعداد ومناقشة قانون المالية لسنة 2019، قانون سيطرت عليه ازمة الاقتراض والتدخل الواضح للجهات المالية المانحة. كما لن تكون هذه السنة خالية من التجاذب بين قطبي الحكم قصر الحكومة بالقصبة وقصر قرطاج في ظل الانتصار الواضح لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الى احد شقي الازمة داخل النداء حيث يقود ابنه حملة شخصية واسعة ضد رئيس الحكومة قصد الإطاحة به مقابل تعيين شخصية سياسية اخرى اكثر طواعية من يوسف الشاهد. ولئن نجح النداء في ارباك الحكومة فانه فشل في فرض الوصاية على الشاهد بعد رفض حركة النهضة لمنطق المس من الاستقرار الحكومي،لتتحول العلاقة بين طرفي التوافق الى حرب باردة استعمل فيها النداء كل انواع الأسلحة اللغوية من اعادة جدل الهوية الى الدعوة الى انهاء التوافق، وقد جاء رد حركة النهضة من خلال الرسالة الاخيرة لرئيس الحركة راشد الغنوشي الذي اكد على انه لا بديل عن التوافق ليرد المدير التنفيذي للنداء بالرفض، بيد ان السجال السياسي لم يتوقف عند هذا الحد ليتراجع على اثرها حافظ قائد السبسي عن موقفه الرافض للتوافق عبر فسخ تدوينته وكل التعليقات الرافضة للتوافق مع اعتذار ضمني. الوضع الإقتصادي ومن المأمول ان تحمل ايضا السنة السياسية الجديدة حلا متوقعا للازمة الراهنة اذ من المنتظر ان يجمع لقاء قريبا بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي وذلك ايّاما قليلة بعد عيد الأضحى. ومن المنتظر ان يتناول اللقاء محاور أساسية حول الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بوضعها على طاولة النقاش والدرس خاصة بعد الانحرافات الاقتصادية للبلاد ومخرجاته الممكنة خاصة تلك الواردة في الوثيقة الصادرة عن اللجنة المنبثقة عن لقاء قرطاج الاخير والتي قدمت حلولا بالاضافة الى إمكانية اطلاق وتفعيل حوار اقتصادي واجتماعي ملزم للحكومة لانقاذ البلاد من الراهن الاقتصادي المتردي رغم التحسن الملحوظ في عدد من المؤشرات التي تبقى منقوصة مقارنة بتراجع قيمة الدينار في سوق الصرف، وتراجع حجم الاستثمار. وبعيدا عن تاثيرات الخارج، فان سياقات الإصلاح الاقتصادي في بلادنا باتت ضرورة عاجلة لإعادة الحد الأدنى من التوازنات، توازنات قد تخلص البلاد من تبعات الارتهان الى الجهات المانحة والمقرضة التي أخذت تضغط لرسم ملامح اقتصادنا الوطني.