رغم التقدم الواضح الذي سجله رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام منافسه المدير التنفيذي للنداء حافظ قائد السبسي بعد أن خسر هذا الأخير نقاط الحوافز السياسية التي كان يتمتع بها نتيجة سيطرته السابقة على الكتلة النيابية، فان الواقع يؤكد بان الشاهد ليس في طريق مفتوح كما يعتقد البعض، ذلك انه مازال أمام ثلاث اختبارات سياسية مهمة وحدها القادرة على إنهاء الشاهد أو بقائه ضمن خانة الفعل السياسي. فالشاهد بات يدرك أن لا قوة حقيقية في النداء إلا من خلال كتلته النيابية التي باتت ضمنيا قريبة منه أكثر من قربها من المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي سيما وقد أظهرت الكتلة استعدادها للتفاوض مع الشاهد في إطار اللجنة المؤقتة المكلفة بالتقييم الحكومي والتي تضم أكثر من 80 بالمائة من كتلة الحزب. وقد نجح الشاهد في استقطاب أهم عناصر الكتلة بعد ان حيدّ عددا منهم في بداية الأمر ليمر بعدها إلى مرحلة إعادة الثقة مع أعضاء الكتلة وترميم العلاقات، وقد أتى هذا الفصل "بصيد ثمين"، أسهم بشكل مباشر في تليين مواقف نواب والفوز بتعاطفهم مع الشاهد وأساسا رئيس الكتلة سفيان طوبال الذي من المنتظر أن يشكل أهم عناصر الربط بالنسبة للشاهد بعد رفضه اللقاء الأخير بين أعضاء من الحزب وأمين الاتحاد العام التونسي للشغل. ولئن حقق الشاهد أهدافا تكتيكيا داخل المجموعة التي كانت محسوبة على المدير التنفيذ للنداء سواء بتحييدهم أو باستقطابهم فان ذلك لا يعني أن الشاهد بات المُشكل الوحيد للمعادلة السياسية، ولئن تمكن من خلع حافظ قائد السبسي من "عليائه" فمازلت أمامه بوابات لن تنفع معها حيل الشاهد كما فعل مع كتلة حزبه لضمان استمراره على رأس الحكومة الذي يتطلب بالضرورة توفر ثلاثة شروط، وهي شرط التصريح بعدم الترشح لانتخابات 2019 وشرط التعهد بتنفيذ النقاط 63 الواردة بمسودة وثيقة قرطاج الثانية أما الشرط الثالث والأخير فهو ضمان خروجه من مصيدة التصويت النيابي. عدم الترشح لانتخابات 2019 من الشروط الأساسية التي وضعتها حركة النهضة منذ أوت 2017 خلال الحوار التلفزي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على قناة نسمة، "التزام الشاهد على إنجاح مدته الحكومية والتركيز على إخراج تونس من واقعها الاقتصادي والاجتماعي "المهزوز" بعيدا عن هلوسات الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019. وقد شكلت هذه الانتخابات مدخلا لخلط الأوراق والمواقف مع ارتفاع منسوب الحلم بالفوز بمفاتيح قصر قرطاج، ولَم يكن الشاهد بعيدا عن هذا الحلم الذي "راوده" منذ إعلانه ما سمي بالحرب على الفساد ورفع شعار"Go Djo" الذي وسع من أفق الترشح لخلافة الباجي قائد السبسي وهو ما ادخله في حرب مفتوحة مع المدير التنفيذي مازال صداها ممتدا إلى يومنا هذا. ولئن تمكن الشاهد من الإطاحة بقائد السبسي الابن، فان بوابة النهضة تبدو عصية على "ماكرون تونس" ذلك أن المرور يتطلب موافقة "شيخ منوبلزير" الذي لن يمكن الشاهد من صك على بياض شرط التزامه بعدم الترشح لانتخابات السنة القادمة وهي ذات الشروط التي قبل بها الباجي قائد السبسي حين ترأس الحكومة قبل انتخابات أكتوبر 2011 وذات الشروط التي قبل بها رئيس الحكومة مهدي جمعة في 2014 والأكيد أن الشاهد لن يخرج عن هذه القاعدة. فعدم ترشح الشاهد للانتخابات الرئاسية سيبعث الطمأنينة في قلوب بقية "الماكرونيات" وهو ما سيمكنه من دعم سياسي ونيابي غير منتظر لا من النهضة فحسب ولكن من بقية الكتل النيابية على غرار ما تبقى من كتلة "المشروع" وحتى "النداء". الالتزام بال63 نقطة لا يقل هذا الشرط في أهميته عن سابقه فهو عنصر أساسي لاستقرار البلاد اقتصاديا واجتماعيا فقد عملت اللجنة المنبثقة عن وثيقة قرطاج على تقديم الأزمة الاقتصادية عن بقية الأزمات الأخرى بما هي مدخل لكل استقرار، فتعهد الشاهد بإنجاح ما سيرد في وثيقة قرطاج 2 برمته سيمكنه من دعم سياسي واجتماعي يستطيع من خلاله مواصلة عمله على رأس الحكومة، وتراجعه أو اختياره لنقاط معينة فيها قد يحمل معه تعميقا لازمة الحكم. مصيدة التصويت النيابي لا تزال معركة البرلمان معركة غير محسومة للجميع في ظل غياب نسبة التصويت الأغلبي القائمة على (50+1) فالشاهد يدرك أن ضمان 109 أصوات في حال قرر التحوير الوزاري غير مضمون دون النهضة التي مازالت تنتظر تفعيل موقف راشد الغنوشي بعدم ترشح رئيس الحكومة يوسف الشاهد لرئاسية 2019. ويبدو إدراك الشاهد واضحا لهذه النقطة وهو ما أخره عن الذهاب إلى البرلمان، فمروره دون تصويت النهضة أمر غير ممكن. ومن هنا تأتي الخطة البديلة للشاهد لضمان تمرير حكومته دون المرور عبر البرلمان من خلال إمكانية القيام بدمج الوزارات كدمج التربية والتعليم العالي والتجارة والصناعة وغيرها من الوزارات القريبة من بعضها مع سد الشعور بوزارة الداخلية. خليل الحناشي