أعلنت وزارة الثقافة في بلاغ لها أن باب الترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي قد فتح وأن الأفلام التي تستوفي كل الشروط التي تطالب بها الأكاديمية الأمريكية المانحة لجوائز الأوسكار ينبغي أن توجه إلى المركز الوطني للسينما والصورة وأن يوم 10 سبتمبر القادم حدد كآخر أجل لتقديم الترشحات. مع العلم أنها وضعت على ذمة المعنيين بالأمر عنوانا لموقع الكتروني يضم كل شروط الترشح للجائزة. وإذ تمت الإشارة من خلال البلاغ إلى أن المركز المذكور هو الذي يتولى تنظيم عملية الترشح، فإن ذلك يؤكد الرغبة في عدم تكرار السيناريوهات القديمة في علاقة بمن يتقدم للجائزة ومن المؤهل بالتأشير على المطلب أي الموافقة عليه. فكلنا يذكر مثلا الجدل الذي أثير حول الفيلم الذي يمثل تونس في هذه المسابقة السينمائية العالمية في دورتها لسنة 2017، وذلك بعد أن تمسك المخرج رضا الباهي بترشيح فيلمه « زهرة حلب» للمسابقة وذلك رغم أن المركز الوطني للسينما والصورة قد اختار فيلما آخر وهو «على حلة عيني « للمخرجة ليلى ليمثل تونس رسميا في هذه المسابقة. وللتذكير فإن المركز كان أعلن في بلاغ له بالمناسبة (كان ذلك يوم 21 سبتمبر من سنة 2016) أن اللجنة التابعة له اختارت الفيلم التونسي «على حلّة عيني» لليلى بوزيد لتمثيل تونس في مسابقة جوائز الأوسكار للدورة الجديدة وذلك بقرار من لجنة تحت إشرافه تتكون من سبعة أشخاص وهم فتحي الخراط المدير العام للمركز الوطني للسينما والصورة (حينها طبعا) ، إبراهيم اللطيف مدير مهرجان أيام قرطاج السينمائية (قبل أن يقع تعويضه بنجيب عياد) ، ناصر خمير منتج ومخرج، فريد بوغدير ناقد ومخرج،درة بوشوشة منتجة، فارس نعناع مخرج ومحمد بن عطية مخرج .وبعد المصادقة على اللجنة من قبل أكاديمية الأوسكار، اجتمع أعضاؤها بمقر المركز وقرروا اختيار فيلم «على حلة عيني» لليلى بوزيد لتمثيل تونس في مسابقة جوائز الأوسكار المقبل وذلك لأن هذا الفيلم حسب قرار اللجنة يستجيب لجميع المعايير التي تشترطها أكاديمية الأوسكار. ومع ذلك فإن المخرج رضا الباهي تمسك بالبقاء في السباق مشددا على أن فيلمه «زهرة حلب» يستوفي كل الشروط التي تخول له المشاركة في مسابقة جوائز الأوسكار، بل وكنا نقلنا عنه استياءه مما اعتبره انحيازا ضده من زملائه في علاقة بموضوع اختيار الفيلم الممثل لتونس في المسابقة المذكورة. ولنا أن نشير إلى أن المشاركة التونسية في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لسنة 2018 خلافا للسنة التي سبقتها، قد مرت بدون صخب تقريبا، ذلك أنه تم ترشيح فيلم «آخر واحد فينا» لعلاء الدين سليم ومرت المشاركة في صمت شبه تام. ورغم أن كثيرين راهنوا على أن الجائزة ( في دورة 2018) قد تعود لأحد الأفلام العربية لاسيما في ظل وجود مشاركات اتفق النقاد على أنها ذات حظوظ وافرة للفوز بالجائزة من بينها مثلا الفيلم اللبناني « القضية 23 «لزياد دويري فإن الجائزة آلت في نهاية الأمر إلى فيلم من دولة الشيلي وكانت الجائزة قد آلت في سنة 2017 (السنة التي شهدنا فيها جدلا حول الفيلم الممثل لتونس في المسابقة) إلى الفيلم الإيراني « البائع المتجول» للمخرج أصغر فرهادي. وقد أكد الإيرانيون من خلال الجائزة قدرة السينما الإيرانية على اقتلاع اعجاب النقاد الذين يعرف عنهم صرامتهم وتمسكهم بمعايير لا يمكن التساهل إزاءها مع العلم وأن الإيرانيين حصدوا جوائز عديدة في مهرجان كان السينمائي الدولي الذي يمكن القول أنه كان دائما شحيحا مع السينما العربية (جائزة للجزائر في مناسبة يتيمة في شخص لخضر حامينا وجائزة تكريميّة ليوسف شاهين وجائزة لرشيد بوشارب الذي يحسب على فرنسا أكثر من الجزائر وأخرى للمخرج التونسي عبد اللطيف قشيش الذي يحسب بدوره على الفرنسيين...) وهو ما يطرح عدة علامات استفهمام في هذا الباب. وإذ نتوقع أن تتم عملية اختيار الفيلم التونسي في مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي بكثير من الشفافية هذا العام مما قد يحول دون اثارة الجدل مجددا حول الفيلم الأكثر جدارة بتمثيل بلادنا في هذه المسابقة الهامة، فإننا نعتبر أن مجرد قبول فيلم تونسي في جوائز الأوسكار مهم في حد ذاته وقيمته اعتبارية ولا تعود بالفائدة على الفيلم فحسب وإنما على السينما التونسية ككل من خلال فتح آفاق جديدة لها ولم لا، فتح اسواق جديدة. ولا بد من التذكير بأن ترشيح البلد للفيلم لا يؤدي آليا لقبوله وإنما هناك قائمة أولية ثم قائمة قصيرة مع وجود منافسة شديد، ذلك أن ما يقرب من مائة دولة كانوا ممثلين في الدورات الأخيرة لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. وإن قلنا أن المشاركة هامة جدا فلأن هناك معايير صارمة لا بد من احترامها ونحن نعلم أنه رغم أن السينما التونسية تم تتويجها في عدة مهرجانات دولية، فإنها مازالت مثلا خارج السباق في مهرجان مثل مهرجان «كان « السينمائي الدولي وهو معطى لابد من أخذه بعين الاعتبار. وإذ نعتبر أن عدم تردد السينمائيين في تونس في اقتحام المغامرات الكبرى رغم إمكانياتنا المادية وحتى الفنية المعروفة هو مؤشر ايجابي في حد ذاته، فإننا نشير إلى أن جوائز الأوسكار كانت في السنوات الأخيرة محل جدل كبير وهو جدل من الداخل بالخصوص. فقد عاشت عاصمة السينما العالمية هوليود في المواسم الأخيرة على وقع حركات احتجاجية وصلت إلى حد مقاطعة حفل توزيع جوائز الأوسكار من عدد من نجوم السينما ممن يعتبرون أن الأكاديمية تمارس العنصرية تجاه السينمائيين السود بالخصوص وتجاه المرأة كذلك. فعلى امتداد أكثر من تسعة عقود من عمر الجوائز ( تبلغ الجوائز في فيفري القادم دورتها الواحدة والتسعين) لم يتعد عدد النجوم السود الحاصلين على جوائز الأوسكار أصابع اليد الواحدة كما أن المرأة غير ممثلة بشكل كبير في الأكاديمية وهو ما جعل الفتور يطغى على الحفلات الأخيرة لتوزيع جوائز الأوسكار رغم قيمتها ورغم الملايين من المشاهدين الذين يتابعون الحفل من مختلف أنحاء العالم. وقد افرزت الحركات الإحتجاجية والغضب الذي توسع ليشمل نجوما من البيض عبروا عن مساندتهم لاحتجاجات زملائهم من اصول افريقية وغيرها، توسيع اكاديمية العلوم والفنون السينمائية المانحة لجوائز الأوسكار لتشمل مئات من السينمائيين (منتجين ومخرجين وممثلين وغيرهم ) من 59 دولة مع توسيع مشاركة المرأة بشكل واضح. وقد انضمت المنتجة التونسية درة بوشوشة مؤخرا إلى الأكاديمية وهي صاحبة شركة «نوماديس إيماج» واشرفت على عدة دورات من أيام قرطاج السينمائية وكانت طرفا فاعلا في تأسيس المهرجان السينمائي المتوسطي الجديد «منارات « في تونس. ومن بين الأسماء العربية الأخرى التي انضمت إلى هذه المؤسسة الكبرى في المشهد السينمائي العالمي نذكر كل من زياد الدويري المخرج اللبناني والمخرجة اللبنانية نادين لبكي والممثلة الجزائرية صوفيا بوتيلا والممثل المغربي سعيد طغماوي والمخرج المصري محمد صيام وغيرهم. وإن كان السينمائيين العرب الذي انضموا حديثا إلى أكاديمية الأوسكار لا يمثلون الشيء الكثير عدديّا فهم ضمن قائمة من المنضوين الجدد تحت لواء الأكاديمية تتكون مما لا يقل عن 900 عضوا، لكن نتوقع أن يكونوا فاعلين نظرا لما نعرفه عنهم من حركية وقدرة على تشبيك العلاقات ولم لا، التأثير في قرارات الأكاديمية بما أن كل الأعضاء مخول لهم تقييم الأفلام واختيار الأفلام المرشحة للجوائز.