تستعد الحكومة ومصالحها المختصة لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2019 قبل عرضه على المجلس الوطني للجباية والدوائر الاستشارية وذلك دائما تحت نفس الهواجس والضغوطات التقليدية التي ميزت الوضع المالي والاقتصادي بعد الثورة وأساسا العمل على استرجاع توازنات المالية العمومية، استكمالا لاستجابة للمطالب التنموية المرصودة لمخطط 2016-2020، دفع نسق الاستثمار ومزيد التحكم في عجز الميزانية مع المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن. يأتي ذلك وسط مناخ اقتصادي واجتماعي تعاظمت فيه التعقيدات والمعوقات المالية والجبائية خاصة بعد الارتفاع المشط لنسبة السوق المالية وتأثيرها سلبيا على نسق النمو مقابل تفاقم ظاهرة الضغط الجبائي التي تجاوزت 32 % مما أثر سلبا على القدرة التنافسية للمؤسسات وتدهورت سيولتها فأسهمت في تدهور الطاقة الشرائية للمواطن، هذا فضلا على الانزلاق المتواصل للدينار مقارنة بالعملة الصعبة وتأثير ذلك جميعا على ارتفاع نسبة التضخم المالي للبلاد. لذا فقد بات من المؤكد اليوم تفاديا لسلبيات هذا الوضع المحفوف بالمخاطر الجسيمة أو الحد منها ضرورة تضمين بقية الإصلاحات المرصودة بملف الإصلاح الجبائي وخاصة الإجراءات التالية: I- الإجراءات المتعلقة بدعم المصالحة بين الإدارة والمطالب بالأداء.. تنفيذ قرار التوظيف الإجباري بعد صدور الحكم الابتدائي: اعتبارا لتداعيات الأزمة المالية خاصة بعد ارتفاع نسبة الفوائض على القروض وتواصل انزلاق قيمة الدينار فإنه من الضروري، للمحافظة على القدرة التنافسية للمؤسسات وحماية سيولتها خاصة بالنظر للتجاوزات المشطة التي تضمنتها تقارير التوظيف الإجباري في أغلب الأحيان، تنقيح الفصل 52 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية نحو تأجيل تنفيذ قرار التوظيف الإجباري لما بعد صدور الحكم الابتدائي. ترشيد أعمال لجان المصالحة الجبائية: على الرغم من أهمية لجان المصالحة الجبائية المحددة بموجب الفصل 45 من قانون المالية لسنة 2017 كدعامة أساسية لضمان حقوق المطالب بالأداء فإن الإجراءات المنظمة لأعمال هذه اللجان قد شابتها بعض النقائص الجوهرية التي قد تفقدها فاعليتها وتحول دون بلوغ الأهداف المرجوة منها خاصة وان هذا النص قد أقصى المطالبين بالأداء الذين لم يحترموا الإجراءات المنصوص عليها بالفصلين 44 و44 مكرر من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية من عرض ملفاتهم على هذه اللجان. في حين كانت جميع الملفات موضوع قرارات التوظيف الاجباري المعروض على المحاكم تخضع لمرحلة صلحية. لذا وانسجاما مع مقتضيات الفصل 3 من الأمر 3485 لسنة 2014 فإن الموفق الجبائي الذي يترأس لجان المصالحة يمكن له التعهد بهذه الملفات بمبادرة منه بناء على طلب معلل من المطالب بالأداء. مما يستدعي تنقيح الفصل 45 من قانون المالية لسنة 2017 في هذا الاتجاه. ترشيد إجراءات المراجعة الجبائية وفرض محضر ختم المراجعة قبل الاعلام بنتائج المراجعة: في إطار ارساء مزيد من الشفافية في المعاملات الإدارية ولغاية تكريس مبدإ المواجهة le débat contradictoire وباعتبار أن الإصلاح الجبائي في بابه المتعلق بتعصير الادارة يهدف الى الرقي بالعلاقة بين المصالح الجبائية والمطالب بالأداء. يقترح إدراج إجراء جبائي إضافي للإجراءات المتعلقة بسير عملية مراجعة الوضعية الجبائية للمطالبين بالأداء يتمثل في وجوب تحرير محضر ختم عملية المراجعة الجبائية قبل إصدار الاعلام بنتائجها. ويتضمن هذا المحضر كل الإخلالات التي تعتزم الادارة اعتمادها لتعديل الوضعية الجبائية للمطالب بالأداء وإدراجها ضمن الاعلام الذي سيوجه للمعني بالأمر في وقت لاحق. ويمكن تجاوز هذا الإجراء إذا تعمّد المطالَب بالأداء عدم الحضور بالرغم من استدعائه لحضور جلسة مناقشة مشروع محضر ختم عملية المراجعة. تأطير استبعاد المحاسبة أثناء المراجعة الجبائية المعمقة اعتبارا لأهمية المحاسبة في إفضاء الوضوح والشفافية حول المبادلات الاقتصادية ودورها الاستراتيجي في دعم سلامة العلاقات المالية، وتأكيدا لمكانة المحاسبة والمحاسبين بمنظومة الإصلاح المالي والجبائي بالبلاد خصوصا بعد أن حدد المشرع شروطا علمية وموضوعية لممارسة مهنة المحاسب. فإنه وبعد أن أحكم المشرع التونسي التضييق على ظاهرة التهرب الجبائي والتجارة الموازية بموجب الفصل 45 من القانون عدد 54 لسنة 2013 والذي تم بموجبه تحويل أكثر من 150 ألف منضو تحت النظام التقديري إلى النظام الحقيقي خاصة بعد صدور الأمر 2939 لسنة 2014، وكذلك بموجب الإجراءات المضمنة، بالقانون عدد 54 لسنة 2014 والفصول من 36 إلى 39 من قانون المالية لسنة 2017، والمتعلقة برفع السر البنكي ودعم الشفافية ومقاومة التهرب الضريبي فضلا عن مقتضيات قانون المالية لسنة 2014 المتعلق بالحد من استعمال السيولة والتعامل بالمبادلات التجارية نقدا فإننا نؤكد على ضرورة إصدار الفصل 38 مكرر من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية لتأطير استبعاد المحاسبة أثناء المراجعات الجبائية المعمقة. إعفاء المؤسسات التي تمسك حسابياتها بالإعلامية من مسك الدفاتر الممسوكة يدويا حيث أجبر الفصل 11 من القانون ع112دد لسنة 1996 المتعلق بنظام المحاسبة للمؤسسات ضرورة مسك الدفتر اليومي ودفتر الجرد مؤشرا عليهما من قبل كتابة المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر المؤسسة وتحرر هذه الدفاتر بدون ترك أي بياض وبلا تغيير مهما كان نوعه. وحيث أوجب الفصل 51 من القانون ع15دد لسنة 2010 المتعلق بالسجل التجاري أن تقوم المؤسسات الخاضعة للنظام الحقيقي بإيداع نسخ من القوائم المالية بملفها الملحق بالسجل التجاري. وحيث أن المسك اليدوي لهذه الدفاتر قد أحدث مخاطر جسيمة تمس أحيانا بمصداقية وثائق المحاسبة ودفاترها إذ أن الكتابة بخط اليد يشوبها عادة الغموض وتستصعب قراءتها كما أنه قد يخطئ المحاسب عند نسخ هذه الدفاتر لاسيما عندما تكون محاسبة المؤسسة ممسوكة بواسطة الحاسوب. وحيث أوجب الفصل 41 من قانون المالية لسنة 2017 على المؤسسات الخاضعة للنظام الحقيقي إيداع إضبارة إجبارية موحدة تتضمن القوائم المالية و توضيحات حول حسابية المؤسسة (بعد الفقرة الثالثة) مما يستوجب تنقيح الفصل 11 من القانون ع112دد لسنة 96 وإعفاء المؤسسات التي تمسك محاسبتها بواسطة الحاسوب من مسك الدفتر اليومي ودفتر الجرد يدويا. (يتبع) (*) مراقب حسابات وخبير اقتصادي عضو الجمعية العالمية للجباية