حسم مكتب مجلس نواب الشعب المجتمع أول أمس موعد العودة البرلمانية ومعها العودة السياسية إلى بداية شهر أكتوبر المقبل منهيا بذلك الجدل بشأن إمكانية إقرار دورة برلمانية استثنائية يتم فيها حسم عديد الإشكاليات العالقة ومنها على الخصوص مسائل مستعجلة ذات طابع تشريعي (انتخاب رئيس جديد لهيئة الانتخابات وتعويض الأعضاء المغادرين لمجلس الهيئة، انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، انطلاق مناقشة مشاريع قوانين مهمة مثل تنقيح القانون الانتخابي واستكمال مناقشة تنقيح قانون التقاعد..) ومسائل أخرى ذات طابع سياسي رقابي في علاقة بمساءلة الحكومة بخصوص الضجة الكبيرة التي أحدثها كشف رئاسة الحكومة عن شبهة فساد في ملف الحقل النفطي قبالة سواحل المنستير وما رافقها من قرارات خطيرة مثل إلغاء وزارة الطاقة وإعفاء وزيرها ومديرين سامين فيها وفي هياكل تابعة لها.. وفي خضم الأزمة التي تمر بها البلاد على جميع المستويات والمجالات، وأمام تعمق حالة الغموض واللبس وضيق الأفق والضبابية في علاقة خاصة بثلاث قضايا أو ملفات كبرى ذات أبعاد سياسية وانتخابية على غرار المستقبل السياسي للحكومة الحالية ورئيسها يوسف الشاهد بعد عودة الحديث عن وثيقة قرطاج والبند 64 المثير للجدل، وملف شبهة الفساد الذي يحوم حول ما بات يعرف بحقل المنزل، وأيضا ملف آخر لا يقل خطورة ويتمثل في حسم الجدل يشان الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في أكتوبر 2019.. مع تواتر الحديث عن إمكانية تأجيلها من عدمه.. اكتفى مكتب البرلمان بدعوة الحكومة إلى مد المجلس «بتقرير مفصل حول ملف الطاقة وملابسات قضية حقل «حلق المنزل» والإعفاءات الأخيرة في وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة وأسباب حذف هذه الوزارة». كما قرر المكتب وفقا لبلاغ صادر عنه أول أمس الخميس عقد جلسة عامة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يوم الاربعاء 10 أكتوبر 2018. وأحال مشاريع ومقترحات قوانين على لجنة المالية والتخطيط والتنمية، وعاين استقالة النواب هدى سليم وليلى الشتاوي ومروان فلفال والصحبي بن فرج وسهيل العلويني من كتلة الحرة لمشروع تونس. لا يمكن قراءة بلاغ مكتب مجلس النواب دون العودة إلى المستجدات المتسارعة في المشهد السياسي في الفترة الأخيرة (اللقاءات الرسمية المتتالية بين رئيس الجمهورية وقيادات حزبية ونقابية فاعلة، وعودة الحديث عن التوافق السياسي وعن استئناف الحوار حول وثيقة قرطاج..) وتسارع نسق التفاعل الخطير لملفات الفساد وخاصة منه في ما يتعلق بقطاع الطاقة والمحروقات، والأهم تصاعد التوتر الاجتماعي في البلاد مؤخرا والذي ازداد حدة مع تلويح الاتحاد العام التونسي للشغل بإضراب عام في القطاع العام والوظيفة العمومية معلنا بذلك عن انسداد الحوار بين المنظمة الشغيلة والجانب الحكومي في ما يهم عديد الملفات على رأسها ملف المؤسسات العمومية، وملف المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام والوظيفية العمومية. (التي تخفي بدورها صراعا آخر بين الحكومة والاتحاد على خلفية إقالة وزير الطاقة خالد قدور المقرب من الاتحاد).. عموما يمكن الخروج بثلاثة استنتاجات كبرى في علاقة ببلاغ مكتب مجلس النواب تتعلق الأولى بكيفية تفاعل المكتب مع المستجدات في الساحة السياسية، إذ اكتفى بمراسلة الحكومة بخصوص موضوع ملف شبهة الفساد في «حقل المنزل» والإقالات في مناصب الحكومية وإلغاء وزارة بأكملها.. دون أن يضبط موعدا محددا أو أجلا لرد الحكومة على مراسلة البرلمان. ما يعني ان الحكومة غير ملزمة حاليا بالرد السريع ويمكنها ان تأخذ وقتها الكامل في ذلك. علما أن النائب حسونة الناصفي عضو مكتب مجلس النواب (عن كتلة الحرة) انتقد قبل يومين في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» رئيس الحكومة بسبب تجاهله الرد على أكثر من 70 سؤالا شفاهيا ومكتوبا وجهت إليه من عديد النواب منذ أوت 2016.؟! الملاحظة الثانية مرتبطة بالأولى، فرئيس الحكومة كان يمكن أن يقع تحت طائلة المساءلة المباشرة من قبل البرلمان في ظرف وجيز وكان يمكن دعوته للحضور في جلسة عامة علنية، في صورة إقرار دورة برلمانية استثنائية يكون على رأس جدول أعمالها استدعاء رئيس الحكومة ومساءلته بخصوص القرارات المتخذة في فترة العطلة البرلمانية. لكن يمكن القول إن يوسف الشاهد تفادى صداما مباشرا داخل قبة البرلمان وغنم وقتا ثمينا وتحرّر من رقابة البرلمان ولو مؤقتا في انتظار العودة البرلمانية في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر المقبل. وحتى لو رد على مراسلة مكتب المجلس في الإبان إلا أن ذلك لن يفلح في تبديد الحيرة والغموض بشأن عديد الملفات السياسية المفتوحة.. كما أن العودة البرلمانية المثقلة بمشاريع القوانين وتزاحم الملفات التشريعية ستلعب لصالح الحكومة ورئيسها على اعتبار أن أولوية الأولويات ستكون دون شك انطلاق مناقشة مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية للسنة المقبلة وسيكون من الصعب تحديد موعد واضح لجلسة مساءلة، والفرصة الوحيدة أمام النواب ستكون عند انطلاق الجلسات العامة المخصصة لمناقشة مشروع ميزانية الدولة والبيان الحكومي حينها سكون الشاهد مجبرا على الحضور بمرافقة جل أعضاء الحكومة. بتحديد مكتب المجلس لجلسة عامة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، يمكن القول إن مكتب البرلمان ومن ورائه الكتل البرلمانية لم يحسم بعد في الجدل القائم بخصوص ما يجري من صراع على المناصب (خاصة على خطط حساسة مثل خطة المدير التنفيذي) وفراغات داخل الهيئة المستقلة للانتخابات (رئيس مستقيل، نائب رئيس دون صلاحيات..) في ظل وجود تجاذب بين من يرى في وجوب تقديم انتخاب رئيس جديد للهيئة مع وجود مرشح وحيد لها، وبين من يرى في وجوب تقديم انتخاب أعضاء جدد بمجلس الهيئة لتعويض الأعضاء المغادرين بالقرعة.. وبالتالي يفهم أن الكتل البرلمانية ومن ورائها الأحزاب ليست على عجلة من أمرها في ما يهم توضيح اللبس بشأن الضغوطات المسلطة على الهيئة وتزاحم الإشكاليات المرتبطة بالاستعداد للاستحقاق الانتخابي الكبير لسنة 2019 وما يتطلب من روزنامة انتخابية واضحة المعالم، مثل إحالة مشروع تنقيح قانون الانتخاب والاستفتاء، مناقشة مشروع ميزانية الهيئة المستقلة لانتخابات للعام المقبل، وهي التي -أي الأحزاب- نفت مطلقا نية تأجيل الانتخابات.