من المشاريع الثنائية العربية التي أثارت اهتمامنا بمناسبة احتضان تونس في بداية العام لمهرجان المسرح العربي في دورته العاشرة نص "من قتل حمزة" الذي ألفه كل من التونسي بوكثير دومة والأردني مفلح العلوان وذلك برعاية من الهيئة العربية للمسرح. وكان المشروع قد انطلق كفكرة في وهران بالجزائر خلال الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي بالجزائر قبل أن يعلن عن جاهزيته في تونس. وعلى الرغم من أن الإعلان عن هذا المشروع قد تم في أجواء حماسية ووسط تشجيع كبير من الحضور من المسرحيين العرب ورغم أن الكاتبين أعلنا من تونس أن النص المسرحي جاهز للتنفيذ على الركح، فإننا مازلنا ننتظر رؤية هذا المولود الثقافي العربي مجسما على الركح ومازلنا ننتظر مشاريع عربية ثقافية مشتركة كم نحن في حاجة إليها في هذا الظرف بالذات. و"من قتل حمزة؟" هو نص مستلهم من قصة حمزة عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قتله العبد وحشي في معركة أحد، برمح رماه به وهو غافل عنه في قلب المعركة. وتقول أغلب مصادر السيرة أن هند بنت عتبة هي من أغرت العبد وحشي بقتل حمزة مقابل المال والحرية وذلك انتقاما من حمزة الذي تسبب وفق اعتقادها في قتل عدد كبير من أفراد عائلتها في معركة بدر ضد قريش لكن النص ووفق المؤلفين ليس نصا تاريخيا وإنما كل ما في الأمر أنه تم استحضار التاريخ من أجل التعبير عن هموم اليوم. والكاتبان مقتنعان بأنه لا يمكن أن نفهم ماذا يحدث في منطقتنا بدون معرفة دقيقة لتاريخنا. ونص "من قتل حمزة؟" لا يقدس التاريخ كما قالا ولكن يسائل هذا التاريخ؟ وتكمن أهمية النص من منظورنا في أنه يطرح سؤالا مربكا مازال يعيش في ذاكرة الأجيال العربية والإسلامية جيلا بعد جيل. فحمزة وكما أكد بوكثير دومة في لقاءاته التي تتحدث فيها عن نص "من قتل حمرة؟" هو ذلك الثائر الذي قتل غدرا، تماما مثلما قتل العديد من الثوار عبر التاريخ غدرا. وعندما نتساءل مجددا من قتل حمزة؟ فإننا نطرح السؤال بحيرة كبيرة تماما مثلما نتساءل اليوم من قتل شكري بلعيد وفرحات حشاد وفرج فودا والعقاد نفسه الذي كتب فيلم الرسالة لأننا في كل هذه الحالات لا نعرف إلا نصف الحقيقة. فالمسألة أعمق من عملية القتل ومازال المواطن في تونس إلى اليوم يتساءل من دبّر عملية قتل شكري بلعيد مثلا ومن أعطى الأوامر ومن وفر العتاد والسلاح ومن تستر على القتلة الحقيقيين؟؟؟؟ وكلها أسئلة بلا إجابة أو الإجابة عنها مؤجلة إلى أجل غير مسمى. ومادامت لم تحصل الإجابة فإن تاريخنا سيبقى محكوما بمناطق ظل كثيرة يعوق الإنسان العربي اليوم على فهم ماضيه ومادمنا لم نفهم الماضي فإنه من الصعب أن نفهم الحاضر فهما دقيقا وعميقا يمكننا من التجاوز والإقلاع الحقيقي. هذا فيما يتعلق بمضمون العرض والأسئلة الكثيرة المتولدة عن السؤال الأساسي من قتل حمزة؟ أما فيما يتعلق بشكل العرض أو الجانب الفني فإن المسرحية وكما اقترحها كل من بوكثير دومة ومفلح العدوان تتكون من 12 لوحة هي تضم خمس شخصيات أساسية، هي على التوالي: وحشي، قاتل حمزة ووالدة الممثل الليبي الذي جسد شخصية القاتل وهند المتهمة الأولى بارتكاب الجريمة وأبو سفيان الذي يعتبر رجل دولة في ذلك التاريخ، ثم جبير ابن مطعم مولى العبد وحشي. ويبرّر المؤلفان وجوده بأنهما يعتقدان أن العبد لا يأتمر إلا بأوامر مولاه وجبير هو مولى وحشي وليست هند. وإن كان النص مستفزا ومثيرا للفضول لأنه وفق ما صرح به المؤلفان يركز على الأبعاد الإنسانية للشخصيات بما في ذلك شخصية القاتل وحشي، فإنه قد يكسب أهمية أكبر بتجسيده على الركح لأننا في حاجة إلى تناول قضايا لا تقنع بالمسلمات ولا تقف عند باب الطابوهات. وعلينا أن نعترف بأن طرح سؤال "من قتل حمزة؟" هو في حد ذاته سؤالا مستفزا، ذلك أن المحاكمة صارت تاريخيا والرواية المتفق عليها هي أن حمزة كان ضحية العبد وحشي بتدبير من هند بنت عتبة ومجرد طرح السؤال قد يراه الكثيرون تقليبا موجعا في صفحات التاريخ ومحاولة لزرع البلبلة في نفوس مطمئنة.. لكن متى كان المسرح يقنع بالمسلمات ومتى كان المسرح ترديدا للروايات الرسمية؟؟ وإذ ننتظر تجسيم هذا النص قريبا على خشبة المسرح فليس فقط لأنه تجربة في التعاون الثقافي العربي وإنما أساسا لأنه يجمع كل الصفات التي تجعل منه عملا ناجحا فنيا وجماهيريا في مجتمعات عربية تحتاج لمن يطرح أسئلة حقيقية حتى وإن كان السؤال يتعلق بصفحة موجعة من تاريخها...