إعلان الباجي قائد السبسي فك الارتباط مع حركة النهضة برغبة من هذه الأخيرة ربما يكون نقطة التحول الجديدة والاهم سياسيا في السنوات الأخيرة بالنظر إلى التحولات العميقة التي شهدتها هذه العلاقة وتأثيراتها على الحياة السياسية في البلاد.. فبعد التقارب الذي أنتجه لقاء باريس الشهير والذي قطع مع مقولة قائد السبسي "خطان متوازيان لا يلتقيان وان التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله"، عرفت تونس تحولا سياسيا كبيرا وغريبا.. فمن التنافر، الذي بلغ حد الصدام بين حزبي "النداء" و"النهضة"، حل التقارب والتوادد بين الحزبين وخاصة بين الزعيمين وتغيرت الخارطة السياسية للبلاد وأصبح التوافق السياسي والبرلماني السمة الغالبة بين الطرفين بشكل ظهر أحيانا مبالغا فيه حتى أن "صقور" الجهتين لم تقبل وانتقدت بعض أشكال هذا التوافق. توافق ظهر على أشده عند "الإطاحة" بحكومة الحبيب الصيد واختيار "المبتدئ" سياسيا وقتها يوسف الشاهد لتولي منصب رئيس الحكومة والقبول بأعضاء هذه الحكومة ثم القبول بسياساتها واختياراتها وتمرير مشاريع قوانينها صلب المجلس النيابي.. ومثلما كان يوسف الشاهد وحكومته وسياساته رمزا لهذا التوافق، كانت نفس الشخصية السبب المعلن والظاهر، حتى لا نتحدث عن الأسباب الخفية، لقطع حبل الود بين الشيخين والقطيعة التي حاول الرئيس قائد السبسي تأكيدها ربما لحسابات انتخابية وحاول الغنوشي من خلال المقربين منه نفيها وربما وفي إطار نفس التفكير المندرج ضمن الحسابات الانتخابية مع اقتراب استحقاقاتها.. والحقيقة ان يوسف الشاهد كرئيس حكومة وبعيدا عن الحسابات السياسية والشخصية، لا يعني شيئا لا لقائد السبسي ولا للغنوشي، فلكل منهما حسابات ونوايا وضغوطات من هنا وهناك..ولم يكن الشاهد بصفته الوظيفية وسياساته ومصلحة البلاد هو محور الخلاف بين الشيخين بل ان دور الشاهد كمرشح محتمل لقصر قرطاج وفاعل أساسي في الحياة السياسية وزعيم منتظر لحزب حداثي جديد يبنى على "جثة" النداء المغدور ومنافس محتمل ربما للرئيس الحالي، الذي لم ينف إمكانية ترشحه لولاية جديدة ومنافس محتمل لزعيم حركة النهضة الذي لا يرى لنفسه اليوم بديلا لرئاسة البلاد، هو سبب الخلاف. فاستبعاد الشاهد من شانه أن ينزع الضغط العائلي والحزبي عن قائد السبسي ويحد من الطموحات السياسية لرئيس الحكومة التي لم تعد خافية على أحد.. والإبقاء عليه من شأنه أن يعطي أجنحة داعمة للغنوشي بإضعاف "غريمه" الجالس اليوم في قصر قرطاج مع ضمان "حليف" جديد غير متمرس سياسيا وتسهل السيطرة عليه سواء سياسيا أو حتى انتخابيا.. وفي كل هذا تبقى مصلحة البلاد آخر الاهتمامات في ظل تغليب المصالح الشخصية والذاتية لثلاثتهم.. ليبقى أمل المواطن العادي قائما في تحسن وضعه الاجتماعي وتحسن الوضع الاجتماعي والنمو والتشغيل.. وهي آخر اهتمامات السياسيين.