أنهت رئاسة الجمهورية مسلسل التشويق بخصوص الحوار المقرر للرئيس الباجي قائد السبسي الذي اختار قناة «الحوار التونسي» منصة إعلامية للقاء عشية يوم غد الاثنين وذلك بعد آخر ظهور تلفزي له على قناة «نسمة حيث قوبلت إطلالته تلك بالكثير من النقد بسبب انحيازه لنجله المدير التنفيذي لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي على حساب رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وتتزامن إطلالة الباجي مع فشله الأخير في حل الأزمة السياسية في بلادنا وتعمق الخلافات بين نجله من جهة ورئيس الحكومة من جهة أخرى، الأمر الذي دفع حزب «النداء» الى إعلان تجميد عضوية يوسف الشاهد الذي لم ينضبط لخيارات المدير التنفيذي والتي هي في الواقع توجيهات الباجي قائد السبسي. حوار رئيس الجمهورية يأتي أيضا في أعقاب اللقاء الذي جمعه مؤخرا برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، والأكيد أن حوار الاثنين سيناقش مخرجات هذا اللقاء والحد الأدنى المشترك بين الرئيس والحركة، خاصة وان الشاهد لم يلتزم بعد بإعلان عدم ترشحه للانتخابات القادمة وهو ما يتعارض ودعوة الغنوشي خلال كلمة له على قناة «نسمة» يوم غرة أوت 2017 الى التركيز على العمل الحكومي أكثر وإنجاح ما تبقى من المرحلة الراهنة تجنبا لأية انكسارات اقتصادية وسياسية واجتماعية. ولَم تتوقف تحولات المشهد عند هذا الحد، ذلك ان دعوة الاتحاد العام التونسي لإضراب عام تتزامن بدورها مع التصعيد والتشنج السياسي بصفة عامة، لتؤشر إلى ان الحل في بلادنا مازال بعيدا رغم الاتفاق الحاصل بين الجميع على ضرورة التخفيض من مستوى الخلافات والمساهمة في تدوير الزوايا الضيقة تجنبا للأسوأ ونقطة اللاعودة. وقد تساءل العديد من المتابعين عن الجديد الذي سيحمله رئيس الجمهورية خلال إطلالته الإعلامية غدا الاثنين، حيث بات واضحا ان الحل لم يعد بيده وحده بعد ان فقد اهم أوراقه السياسية والمتمثلة أساسا في الجناح البرلماني والجناح الحزبي. فهذان الجناحان لن يمكنا لا الرئيس ولا النداء من التحليق مجددا، فقد خسرت الكتلة نحو 20 نائبا دون احتساب استقالة النائب المثير للجدل عن جهة قفصة لطفي علي أول أمس والذي خير وزملاؤه التوجه نحو تجربة برلمانية جديدة تحت عنوان الائتلاف، كما خسر الحزب بعد سلسلة من الاستقالات أنصاره وأبناءه من مختلف الجهات وهو ما اضعف الرئيس ونجله الذي كان له «الفضل» العظيم في إحراج والده «الرئيس». كل هذا أنهك رئيس الجمهورية، وأفقده جزءا كبيرا من أوراق اللعبة، ليغيب عنه الحل السياسي المتوازن، فالباجي قائد السبسي عجز عن إقناع نواب من الكتلة بضرورة البقاء وإعادة تدوير الحزب ديمقراطيا عبر مؤتمر وطني جامع. وفشل الباجي قابله رحيل النواب، ومن ثمة رحيل القيادات الجهوية في عدة مناطق من تونس. يبدو واضحا ان كلمة الباجي قائد السبسي غدا هي محاولة لاستعادة زمام المبادرة وإعادة إشعاع الحزب رغم حجم انعدام ثقة بين الباجي ونجله من جهة والمستقيلين من جهة أخرى. وتبدو محاولة رئيس الجمهورية لاستعادة موقعه كفاعل أول في الحياة السياسية محاولة شبه يائسة بعد ان فشل في إقناع راشد الغنوشي بضرورة التخلص من الشاهد، وهو ما أكده الغنوشي بعد لقائهما بالقول إن النهضة ستدعم الاستقرار الحكومي والسياسي في رسالة ضمنية بأن خيارات رحيل الشاهد بأياد نهضاوية أمر غير قابل للنقاش. وقال الغنوشي في هذا السياق إنه أكد خلال اللقاء على «أهمية الحوار والمواصلة في هذا النهج»، مضيفا «أكدت أن البلاد تتجه إلى سنة انتخابية.. وهو ما يقتضي استقرارا حكوميا وسياسيا واتجاه البلاد نحو هذا الهدف العام حتى نستكمل ديمقراطيتنا.. بلادنا في حاجة إلى محكمة دستورية وإعادة النظر في القانون الانتخابي وكل ذلك يتطلب توافقات بيننا وبين النداء وبين جميع الكتل»... إصرار الباجي على رحيل الشاهد بات أكثر وضوحا، فسلسلة لقاءاته مع قيادات حزبية وإمكانية تفعيل الفصل 99 كانت محور لقاءات مختلفة وفق ما نقلته كواليس سياسية، شرط ان يتمكن الرئيس من ضمان حياد عدد من الكتل وأساسا كتلة الاتحاد الوطني الحر المكون الرئيسي لكتلة الائتلاف الوطني وهي مسألة لم تحسم بعد في ظل التفاوض واللقاءات المعلنة وغير المعلنة. ومن الواضح أن دلالات استعمال الفصل 99 ستحمل الكثير بالنسبة للرئيس، ذلك ان استعمال الفصل خارج اطر التوافق سيسقط كل حسابات الرئيس الباجي شخصيا وسيساهم ذلك في إخراجه من الباب الصغير. فالتصويت ضد دعوة الرئيس من شأنه أن يعصف بخيمة الحزب التي يشكل الباجي قائد السبسي الأوتاد التي تقف عليها، بالإضافة إلى أنه سينهى الباجي نفسه ونجله مقابل تقوية حظوظ خصمهما يوسف الشاهد. وحسابيا، لا يبدو الباجي قائد السبسي ضامنا لمساندة ودعم الأغلبية المطلوبة من المصوتين ألا وهي - وفقا للدستور - 50 بالمائة زائد 1 اَي 109 أصوات في هذا الظرف بالذات وخاصة بعد ان فقدت كتلة النداء نحو 12 نائبا من أصل 56 وبعد ان أعلن مشروع تونس عن الحياد تجاه الأزمة الشخصية بين آل السبسي والشاهد وتعهد الأمين العام محسن مرزوق في لقائه الأخير مع رئيس الحكومة بتحييد الحزب والكتلة عن تلك التجاذبات. وانطلاقا مما تقدم يرجح العديد من المراقبين أن يتجاوز الباجي هذه النقطة لإدراكه ان مقترحه قد يسقط في البرلمان، حيث للنهضة 68 نائبا والائتلاف 43 وهما يشكلان معا 111 صوتا لفائدة الاستقرار الحكومي وبقاء الشاهد. إلا أن هناك أيضا من لا يستبعد احتمال إقدام الرئيس الباجي المعروف عنه الدهاء السياسي سعيا للانتقام من النهضة والشاهد في آن واحد، على محاولة تفعيل الفصل 99 رغم إدراكه ان مقترحه قد يسقط، والغاية من ذلك فك الارتباط السياسي والحزبي بين الحكومة والنداء دستوريا مما سيدفع بالنهضة إلى تبني هذه الحكومة سياسيا في ظل غياب حزب آخر من بين الداعمين لبقاء الحكومة. هكذا أمر قد يقلق الشاهد الذي مازال لم يرد بعد على دعوة راشد الغنوشي بعدم الترشح للانتخابات القادمة وهي نقطة أساسية بالنسبة للحركة... فهل يقبل الشاهد بالعمل الثنائي مع حركة النهضة وهو الذي لم يلتزم بمقترحها بعدم الترشح ل2019؟