رحل أمس الفنان الفرنسي من أصل أرميني شارل أزنافور عن عمر ناهز 94 سنة، تاركا رصيدا كبيرا من الأغاني يضم ما لا يقل عن 1400 أغنية جعلت منه أحد أكثر الفنانين حضورا وانتشارا في فرنسا وفي العالم. وعلى الرُغمِ من تقدّمه في السن، فإنه حافظَ على روحِ الشباب. وظل متفائلا بشأنِ المستقبل، ولم يخفف من نسق نشاطه الموسيقي إلا في الأيام القليلة قبل رحيله وكان عادة ما يكذب كل الأخبار التي ظلت تراهن على اعتزاله لعامل السن. وكان شديد التمسك بالحياة وبالفن ويراهن على أن مسيرته ستطول إلى ما لا نهاية له.. وكان الراحل قد أقام حفلا في مهرجان قرطاج الدولي في دورته لسنة 2009 وكان عرضه بالمهرجان حدثا فنيا كبيرا واكبته الآلاف من الجماهير وتفاعلت مع أغانيه وطالبته بأداء أشهرها ورددت معه كلمات الأغاني التي كان الجمهور يحفظها عن ظهر قلب. ولنا أن نشير إلى أنه لشارل أزنافور عشاق كثر في تونس وكثير منهم تربوا على صوته وعلى أغانيه. فشارل أزنافور من بين قلة من الفنانين في العالم تمكنوا من أن يخترقوا حدود الزمان والمكان بأغانيهم الرومانسية وبحضورهم الركحي. فأزنافور كان له حضوره المميز على الركح وكان على الرغم من قامته القصيرة يقف شامخا على المسرح ويستحوذ على انتباه الجميع بصوته العميق وبنوعية أدائه وبثقافته الواسعة ذلك أنه كان يغني بعدة لغات إلى جانب الفرنسية. ويعتبر عشاق أزنافور أن هذا الأخير ليس اقل من "الكرونر" فرانك سيناترا حتى أنهم أطلقوا عليه لقب فرانك سيناترا فرنسا. ويمكن القول ان أزنافور هو مطرب الأجيال ذلك أنه تمكن من اسر قلوب الجماهير من أجيال متلاحقة طيلة مسيرته التي استمرت ما يقارب 70 سنة (وهو من مواليد ماي 1924بباريس) وهو فنانٌ متعددُ المواهب، ألّف حوالي ال1200 أغنية، ولم يكتبها فقط بالفرنسية بل أيضًا بثماني لغاتٍ أُخرى. وعلى الرغم من أنه مطرب معروف وكاتب موهوب، إلّا أنّه حرص على تنويع تجاربه وشارك في عشرات الأعمال السينمائية. وُلد شارل أزنافور في باريس بعد أن هاجرَ والداه الأرمينيان، مايكل أزنافوريان ونار باغداساريان إليها. وكانَ والداه محترفين في مسارِح أرمينيا قبل أن يجبرهما العنفُ العرقيّ على الفرارِ إلى فرنسا. أدركَ مبكرًا حبّه للغناء، فقد اعتلى خشبةَ المسرح لأوّل مرة في عمرِ الثلاثةِ أعوام. وتابع دروسًا في الدراما وفي الغناءِ والرقصِ لكن لم يَلبث أن ترك المدرسة لممارسة حياته الفنية وناضلَ قليلًا خلال سنواته الأولى مثلما تؤكده سيرته الذاتية، لكن سرعانَ ما أثبتَ نفسه كمغنٍّ وكاتبٍ للعديد من الأغاني الشهيرة. بدأَ الغناءَ والأداءَ في النوادي الليلية في سنِّ المراهقة، وفي هذه الأثناء التقى مع بيير روش الذي تعاونَ معه. بدأ الثنائيُّ كتابةَ الأغاني وتأليف الموسيقى ولقيا بعض النجاحِ في أواخر الأربعينات. في عام 1964، لاحظته المغنّيةِ الأسطوريةِ "إيديث بياف" التي وظفته مساعدا لها ومغنيا ثانويا، ثمّ دعته للقيام بجولةٍ معها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. في بدايةِ الأمر اعتادَ أن يفتَتِحَ لها الحفلات، ثم بدأَ بكتابةِ الأغاني لها. في وقتٍ لاحقٍ توطّدت علاقتهما وأصبحا صديقين واستلمَ إدارةَ أعمالها. كافحَ ليُثبتَ نفسه عند عودته إلى فرنسا، مرةً أخرى جاءَت إيديث بياف وقدّمت له المساعدة بتعريفهِ إلى العديد من مديري صناعةِ الموسيقى. وكانت سنة 1956 سنةً مهمةً له، حيثُ وجدَ النجاح الذي كان يتوقُ له بأغنية "Sur Ma Vie" التي أوصلته إلى النجوميّة. خلالَ ستينات القرن الماضي، أصدرَ العديدَ من الأغاني الناجحة مثل "La Mamma". بحلول الثمانينات كانَ قد وصلَ إلى قمّةِ شهرته وساعدتهُ في ذلك قدرتهُ على الغناءِ بالعديدِ من اللغات كالفرنسية والإنقليزية والإيطالية والإسبانية والألمانية والروسية. عمل مع العديد من الفنانين وكتبَ لهم الكثير من الأغاني وقام بعشرات الجولات الفنية في العالم شرقا وغربا وعادة ما تكون عروضه محل إقبال جماهيري كبير وتجمع بين النجاح الفني والنجاح الجماهيري. وفيما يتعلق بحياته الخاصة نشير إلى أن شارل أزنافور كان قد تزوج لأول مرة من ميشيلين روغل في عام 1946، لكن هذا الزواج لم يَدُم طويلًا وانتهى بالطّلاق. وارتبطَ رسميًا للمرة الثانية مع إيفيلين بلسي عام 1956، وانتهت الزيجة أيضا بالطلاق. في نهايةِ المطافِ وجدَ الحبّ والاستقرار الذي كان يتوق إليه عندما تزوّج من أولسا ثورسيل السويدية عام 1967، وهو أبٌ لستةِ أطفالٍ من الزيجات الثلاث، وكان شارل أزنافور قد حصد العديد من الجوائز، من ذلك مثلا أنه حصلَ على جائزةِ "Golden Lion Honorary Award" في مهرجانِ البندقيّةِ السينمائي لأدائه للنسخة الإيطالية لأغنية "Mourir d'aimer" في عام 1971. وعيِّنَ سفيرًا للنوايا الحسنة ومندوبًا دائمًا لأرمينيا لدى اليونيسكو. أُدرج اسمه في قاعة مشاهير كتابة الأغاني في عام 1996. ولازنافور كما قلنا أكثر من ألف أغنية لعل من أشهرها " La Bohème و Il faut savoir وNon je n'ai rien oublié وHier encore و Que c'est triste Venise وغيرها بطبيعة الحال. ورغم المسيرة الحافلة والطويلة للفنان ورغم رصيده الكبير من الأغاني، فإن خبر رحيل شارل ازنافور قوبل بكثير من الأسف لدى جمهوره الذين سارعوا بمشاركة الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي مروفوقا بعبارات الحزن والامتنان لما قدمه هذا الفنان للفن وللجمهور. وإن كان الحزن قد خيم بسبب وفاة شارل أزنافور رغم أنه بلع من العمر 94 سنة فلأنه ترك الانطباع لدى عشاقه وهو الفنان المتجدد المتحمس للفن، المحافظ على روح الشباب، بأنه من الخالدين.