افتتحت الدورة البرلمانيّة الأخيرة, قبل انتخابات 2019, بتركيبة جيوسياسيّة جديدة, نتيجة التّجاذبات السياسيّة الأخيرة. وسجّلت حركة نداء تونس تراجعا على مستوى عدد نواب الكتلة, اثر استقالتهم, لتصبح بذلك كتلة النّداء الكتلة الثالثة عدديّا. بينما تحتفظ حركة النّهضة بكتلتها المتماسكة صدارة المشهد البرلماني والسّياسي. تراجعت كتلة نداء تونس من صدارة البرلمان الى المرتبة الثّالثة, نتيجة موجة استقالات متتالية طالت الحزب بسبب ضبابيّة الخطّ السياسي, وما وصفه النواب المستقيلون بسيطرة السّبسي الابن على القرارات وتنزيلها مسقطة دون تشاور وأخذ وردّ. وتصاعدت وتيرة التجاذبات داخل نداء تونس اثر قرار الهيئة السياسيّة تجميد عضويّة رئيس الحكومة يوسف الشّاهد من مؤسّسات الحزب. غياب الزّعامة في نداء تونس, وسيطرة السّبسي الابن على دواليب مواقف النّداء, جعلت التّوازن يختلّ فتحوّل نداء تونس من حزب حاكم الى حزب معارض, يهدّد بين الفينة والأخرى بسحب وزرائه من حكومة الشّاهد للضغط. ويبدو أنّ تجاهل الأخير لقرار حزبه بتجميد عضويّته زاد وتيرة القطيعة. وهكذا تحوّل الصراع من الغرف الدّاخليّة لنداء تونس الى مفاصل الدّولة ومؤسّساتها. تأسّست كتلة الائتلاف الوطني خلال العطلة البرلمانيّة, في اطار الاستعداد لسباق الانتخابات الرّئاسيّة 2019, وتضمّ الكتلة نوّاب الوطني الحرّ والمستقيلين من كتلة الحرّة والمستقيلين من نداء تونس ونوّاب آفاق تونس. وتراهن كتلة الائتلاف الوطني على دعم مسار حكومة يوسف الشّاهد وحمايته بسند سياسي وبرلماني. كتلة الائتلاف, في سنتها البرلمانيّة الأولى تتصدّر المرتبة الثّانية في ترتيب الكتل النّيابيّة, مما يعني أنّ الشّاهد نجح في صناعة تحالفات جديدة في غنى عن دعم حزبه الأوّل. ويذهب بعض المحلّلون الى أنّ كتلة الائتلاف الوطني تشكّل نواة لحزب يوسف الشّاهد الجديد والذي سيدخل عبره سباق 2019. تماسك حركة النّهضة و صمودها وسط هذه العاصفة, يجعلها مرّة أخرى الضامن لعنصر الإستقرار, خاصّة داخل قبّة البرلمان التي ستصبح في قادم الأيّام كحلبة صراع, من أجل المرور إلى إنتخابات 2019 بأكثر رصيد من المواقف والقوانين الدّاعمة. ووجود حركة النّهضة في صدارة المشهد البرلماني من حيث الترتيب العددي للكتل النيابيّة, يحمّلها مسؤوليّة كبيرة خاصّة بالتّزامن مع الضروف الصّعبة التي تمرّ بها البلاد. الخروج من المأزق السياسي الذي تردّت فيه تونس, يتطلّب من كلّ الأطراف الفاعلة في الساحة الوطنية التحلّي بالحكمة والرصانة والجنوح إلى الحوار والتّشاور, لمعالجة المشاكل القائمة وتجنيب البلاد الوصفات الخاطئة التي لن تؤدّي إِلَّا إلى مزيد تعكّر الأوضاع وتأزّمها.