تحوّل المدعو مصطفى خضر في الساعات القليلة الماضية، من اسم مجهول وشخصية «نكرة»، إلى شخصية احتكرت اهتمام الرأي العام حيث سارعت كل وسائل الإعلام الوطنية والدولية للنبش في أدقّ التفاصيل المتعلّقة بهذه الشخصية المتهمة من طرف هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بقيادتها ل«الجهاز السرّي والخاصّ لحركة النهضة المتورّط في الاغتيالات السياسية» التي عرفتها البلاد في 2013. هذه الاتهامات التي وجّهتها هيئة الدفاع بناء على اعترافات مصطفى خضر سواء أمام الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب أو أمام قاضي التحقيق وكان منطلقها محجوزات «غريبة» ضُبطت لدى مصطفى خضر ودفعت الهيئة إلى تأكيد أنه كان يدير ويشرف على «التنظيم السرّي» لحركة النهضة. من هو مصطفى خضر؟ وبماذا اعترف؟ وأية حقائق يخفيها وهو يقضي عقوبة ب8 سنوات سجنا؟ الآلة العجيبة.. أين اختفت؟ سيّدة تدعى ألفة بن «ب» تعمل قيمة بأحد المعاهد تتقدّم إلى مركز الأمن الوطني بالمروج الثالث التابع لفرقة الشرطة العدلية بالمروجات بتاريخ 19 ديسمبر 2013 بشكاية مفادها أن متسوّغ المحلّ الذي على ملكها والكائن بمفترق شارع 20 مارس وشارع باريس، والذي يستغّله كمدرسة لتعليم السياقة، المدعو مصطفى خضر رفض أن يمكّنها من مفتاح للولوج الى سطح المبنى. المُشتكية أضافت أن مصطفى خضر يستعمل آلة كبيرة الحجم مثبّتة بمحرّك ميكانيكي يستعملها ليلا لإتلاف وثائق تجهل كنهها. وفورا تم استدعاء المُشتكى به مصطفى لاستفساره حول «الآلة الكبيرة»، والذي بدت عليه ملامح الخوف والارتياب عند استفساره وقام بإجراء عدّة مكالمات هاتفية، وفق رواية هيئة الدفاع للأحداث استئناسا بمحضر الاستماع إلى المُشتكى به، مضيفة أن مصطفى خضر ادّعى أنه صنع الآلة مع صديقه لاستغلالها في تنقية الغازات المحترقة (السؤال ماذا يفعل مدرّب تعليم سياقة بآلة تنقية غازات محترقة) وقد حاول التملّص من التنقّل معهم وبعد رضوخه للأمر تنقّل مع الفرقة الامنية.. ليتم اكتشاف أمر في غاية الغرابة بالنسبة لمدرّب تعليم سياقة السيارات! عندما حلّت الفرقة الأمنية بالمكان اكتشفت فعلا وجود آلة غريبة بالمكان.. كانت «آلة يدوية الصنع بها شمروخ من الحديد متصلة ميكانيكيا بمحرك ميكانيكي متوسط الحجم، متصل به قضيب حديدي أسطواني الشكل سعته حوالي عشرة صنتم متصل بدلو بلاستيكي مملوء بالماء»، وفق ما تم ذكره في المحضر المحرّر في الغرض، لكن يبقى السؤال الذي ظل معلّقا: هل تم تأمين هذه الآلة وحجزها، والتعرف على سبب وجودها عند مصطفى خضر، والأهم أي دور كانت تقوم به هذه الآلة، تنقية الغازات المحترقة أم حرق وثائق مهمة في جنح الظلام - كما ادّعت المشتكية – والأخطر ما هي هذه الوثائق؟ «غرفة تجسّس» متنقّلة في مدرسة تعليم سياقة! المفاجأة الثانية، التي يكشفها محضر المحجوزات، هو تمكّن الفرقة الامنية من حجز مجموعة من الأكياس داخل مكتب مدرّب تعليم السياقة مصطفى خضر، بها وثائق مختلفة تهم وزارة الداخلية: كاميرات حديثة الصنع في شكل أقلام حبر، ساعة يدوية في شكل كاميرا حديثة الصنع، «بورتكلي» في شكل كاميرا للتسجيل والتصوير، آلات نسخ ضوئية، آلة لقيس الطاقة الكهربائية، آلة لقراءة شفرات بطاقات مغناطيسية، حاسوبان بهما دراسات أمنية وعسكرية مختلفة، وحقيبة يدوية بها عدة وثائق إدارية خاصة ببعض الوزارات، مجموعة صناديق كرتونية تحتوي على أرشيف لوزارة الداخلية، رابطة عنق بها جهاز تنصت مثبت بداخلها، بورتكلي بها ميكرو وكاميرا، مجموعة أقراص مضغوطة بها معلقات للمكتب المحلّي لحركة النهضة بالكبارية، شفرة خط «فودافون» (شركة مصرية للاتصالات) ! وهذه «الأجهزة الغريبة» التي ضُبطت بحوزة مصطفى خضر تحيلنا مباشرة الى ضلوع من يستعملها في عمليات تجسّس وتنصّت وتسجيلات «خفية» لأشخاص بعينهم.. وتتواصل الاثارة حول هذه المحجوزات عندما يعترف مصطفى خضر أمام الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب بتاريخ 20 ديسمبر 2013 أنّه تسلّم بعض هذه المحجوزات «الكاميرات المتطوّرة خاصّة» من شخص يدعى العروسي يقطن بفرنسا دون مقابل! كمال لطيف والسفارة الأمريكية ضمن «الوثائق المحجوزة»! تضمّنت المحجوزات وثائق خطيرة و«غريبة» ومنها حجز صور شمسية لجنود وأسلحة حربية، وحجز وثيقة مؤرخة بتاريخ 27 أفريل 2013 بها ترشيح أسماء بالإدارة الأمنية ووثيقة إسمية لقاعة العمليات تهم قياديين للجيش الوطني، وكل آمري الأكاديميات والمدارس.. مصطفى خضر يدفع بالغموض الى أقصاه عندما يعترف بأن القائمة التابعة لأعوان الأمن التي تم حجزها لديه، تتعلّق بأمنيين تمت محاكمتهم من أجل الانضمام إلى «الاتجاه الإسلامي» وأنه تسلم تلك القائمة من رضا الباروني عضو مجلس شورى حركة النهضة والمكلّف بالتواصل الداخلي والتعبئة منذ 2015 والذي قال أنه طلب منه جمع معلومات عنهم ومده بها! مصطفى خضر اعترف أيضا بأن الوثيقة المدونة بخط اليد بعنوان «تذكير بمتابعة» والتي تم حجزها تتعلّق بجلسة بين سفير فرنسا ونجيب الشابي واقتراح ب«تصفية» نائب رئيس حركة النهضة ونائب رئيس مجلس نواب الشعب عبد الفتاح مورو ولكنّه لا يستحضر كيفية حصوله عليها! ضمن المحجوزات عُثر أيضا على وثيقة مدون بها معلومات عن رجل الأعمال «المثير للجدل» بدوره كمال اللطيف، عن تحركاته وعلاقات تخصه، وقد اعترف مصطفى خضر بأنه من تولى جمع المعلومات حتى يرسلها فيما بعد لحركة النهضة. كما تم العثور على مجموعة وثائق بها معلومات عن مراسلة بخصوص استقطاب العاملين بالسفارة الأمريكية عن طريق بعض الأشخاص والتركيز على «محسن الرديسي» و«خالد بوزيد» وفق ما كشفت عنه هيئة الدفاع.. وقد أكّد مصطفى خضر عند التحقيق معه ان هذه الوثيقة تابعة له وقد دونها بنفسه ولكنه «لا يستحضر كيفية تحصله على المعلومات».! اختفاء المحجوزات بعد تنقّلهم الى مقر مدرسة السياقة على إثر الشكاية المقدّمة ضدّ مصطفى خضر قام أعوان الفرقة الامنية بحجز 14 «كردونة» تحتوي على وثائق سرية تابعة لوزارة الداخلية وفق ما صرّحت به هيئة الدفاع، لكن عند تحرير محضر التسليم إلى وزارة الداخلية تم التنصيص على تسلّم «4 كرادن» فقط تحتوي على مجموعة من الوثائق الإدارية تسلمها ممثل عن وزارة الداخلية تابع لمصلحة التوثيق ضابط الشرطة المساعد محمد الزواوي الذي أمضى على محضر التسليم. وأكدّ الأستاذ الرداوي عن هيئة الدفاع «أن الغريب أن الحجز تعلق بأربعة عشر صندوقا والتسليم تعلق بأربعة صناديق فقط وبالتالي هناك عشر صناديق اختفت بعد الضبط، وهذا الاختفاء او السرقة تم أثناء وجود المحجوز بالوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب». الغرفة السوداء ب«الداخلية» هذه الوثائق المختفية أو «المسروقة» نقلتها، وفق رواية هيئة الدفاع، 4 سيارات الى مقرّ وزارة الداخلية، بتوجيه من مدير المصالح المختصّة آنذاك عاطف العمراني، لكن مدير إدارة التوثيق رفض قبولها. تم الاتفاق بينهما على أن توضع كل تلك الوثائق المسروقة في غرفة خاصة مغلقة ولم يتم إمضاء وصل في استلامها من مدير إدارة التوثيق، وهو ما يعني أن هناك غرفة كاملة مغلقة بوزارة الداخلية لا أحد يعرف محتواها ولا مصدرها، حسبما اكّدته هيئة الدفاع التي بدت واثقة من المعلومات التي بحوزتها وطالبت وزير الداخلية بالكشف للرأي العام ولهيئة الدفاع عمّا تحوي تلك الغرفة «السوداء» كما وصفتها هيئة الدفاع. ◗ منية العرفاوي مصطفى خضر: «السجين» الذي كرّمه المرزوقي باسم «واجب العدل التاريخي»! هو مصطفى بن بلقاسم بن ساسي خضر، باشر خلال سنة 1984 عمله برتبة ملازم بالجيش الوطني وقد تعلقت به سنة 1991 القضية المعروفة باسم «براكة الساحل» حيث حكم 4 سنوات سجنا و5 سنوات مراقبة إدارية، وبعد مغادرته السجن أعد محل لتعليم السياقة خلال بداية سنة 2006. يوم 14 جويلية 2014 تم تكريمه مع العسكريين المتهمين في قضية براكة الساحل من طرف الرئيس السابق منصف المرزوقي الذي قدّم التكريم يومها باسم «واجب العدل التاريخي لإنصاف مجموعة براكة الساحل» وعندما نودي عن اسمه، تم التعقيب بالقول «غائب» وقتها كان موقوفا بالسجن ولا نعلم ما إذا كان الرئيس السابق يعلم بالأمر ام لا.. ومن تصريحاته المثيرة أمام قاضي التحقيق انه «كان يتولى الإجابة على البريد الخاص وزير الداخلية علي لعريّض! وبعد التحقيقات في شكوى مالكة العقّار والمحجوزات الغريبة التي عُثر عليها بحوزته صدر حكم عن الدائرة الجنائية الرابعة على مصطفى خضر بالسجن مدة 8 سنوات وشهر في القضية عدد 30591/4 بجلسة 13 نوفمبر 2015 من أجل «اختلاس أوراق وأشياء مودعة بخزينة محفوظات ومسلمة لأحد أعوان السلطة العمومية». فهل يمكن أن نتطلّع اليوم إلى أن «واجب العدل التاريخي سيكشف عن الجهات التي خطّطت لاغتيال الشهيدين البراهمي وبلعيد»؟