مع العودة البرلمانية، زادت الأزمة السياسية الخانقة بالبلاد تشعبا، وزادتها تعقيدا «الحقائق» التي كشفتها هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والتي شئنا أم أبينا قد أربكت حركة النهضة، حتى وان نفت ما نسب إليها وحتى إن كان ذلك غير صحيح.. والمؤكد أن هذه المتغيرات المتسارعة، هي في نهاية الامر اعلان رسمي عن اعادة تشكل الساحة السياسية، وظهور أقطاب جديدة تحاول مقاومة التغول الكبير لحركة النهضة التي فازت في مرحلة أولى بالانتخابات البلدية، وتركت حليفها الحزب الحاكم «نداء تونس» على الهامش.. ثم أصبح النداء كتلة ثالثة في البرلمان والحال أنه مهما كانت الخلافات بينه وبين رئيس الحكومة، يبقى الحزب الحاكم.. ومن المفارقات العجيبة في حكومات ما بعد الثور، أن الحزب الحاكم (أي نداء تونس) كتلة ثالثة، ويعيش التفتت والتفكك، وقد كسب حليفه السابق كل الجولات حيث خسر النداء قاعدته الانتخابية، مقابل تماسك النهضة وتعاليها على خلافاتها الداخلية حتى تبقى الطرف المهيمن لكن الواقع يفترض اليوم أن يحسن «النداء» في مثل هذه الوضعية اختيار حلفائه، إذ مهما كانت خلافات بعض القياديين في النداء مع يوسف الشاهد فان مصلحة الحزب تقتضي الالتحاق بكتلة الائتلاف الوطني التي لا يكن أن تكون مدافعا عن الحكومة بقدر ما سيكون دورها تعديليا.. كما أن قطع النداء صاحب الكتلة الثالثة مع الكتلة الاولى من شأنه أن يجلب إليه حلفاء جددا، بما في ذلك الجبهة الشعبية التي تتقاطع مع كل «الافكار التقدمية» حسب ما يؤكده قياديوها.. ويبدو أن مثل هذه الطبخات السياسية قد بدأت تتأكد، لأن مصلحة البلاد في المرحلة القادمة أصبحت مسؤولية الجميع، امام عودة الحديث عن معاملات مع المخابرات الاجنبية، وتورط بعض الاحزاب مع الايطاليين والفرنسيين والانقليز والامريكان.. حتى أن نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل كان قد قال سابقا إن المخابرات الاجنبية ترتع في البلاد، وأطلق على سفير فرنسابتونس اسم «المقيم العام».. ان عودة الحديث عن المورطين مع المخابرات الاجنبية يقيم الدليل على أن الازمة السياسية الخانقة التي انعكست سلبا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي عزة البلاد في وحدة أبنائها ومناعتها في رص الصفوف، وهذه خير فرصة للسياسيين حتى ينقذوا أنفسهم من محاسبة شديدة من قبل الشعب..