ردود أفعال متباينة، وصلت حدّ النّزاع بين قيادات الحزب الحاكم ، تصدّرت واجهة الأحداث على الساحة السياسية خلال الفترات الأخيرة ، وباتت تؤشّر إلى تصدّع قريبٍ صلب الحزب ، لاسيّما وأن هوّة الخلافات بلغت مستوى من الصّعب تداركه أو احتواء تداعياته على مجمل المشهد السياسي في البلاد. وقد عرف حزب نداء تونس، منذ وصوله إلى الحكم في أعقاب انتخابات 2014، سلسلة من الاستقالات التي انتهت ببروز أربعة أحزاب جديدة خرجت من صلبها، هي حركة مشروع تونس ، وحركة تونس أولا ، وحزب بني وطني ، وحزب المستقبل. و مع الاستعداد للانتخابات ، المقررة في أكتوبر 2019، أخذت هذه الأزمة منحى تصاعديا باتجاه المزيد من التفاقم الذي غذته الخلافات التي تعمقت على وقع الصراع مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد. ويبدو أن هناك بوادر انشقاق خامس بالحزب، وهو ما أكده القيادي المؤسس والمستقيل من النداء الأزهر العكرمي، حيث قال إن حركة نداء تونس كانت صرحا فهوى، و تحولت بشكلها الراهن، وبقيادتها الحالية إلى هيكل تنظيمي هامد لا حياة ولا نشاط فيه، وخاو من القيادات، وفاقد للثقة والمصداقية، وفق تقديره. واعتبر أن الاستقالات المعلن عنها، هي نتيجة مرض قديم تعاني منه حركة نداء تونس منذ العام 2015، بعد أن فشلت كل الوصفات في معالجته، نتيجة تورم الأنا وارتفاع منسوب المحسوبية، التي تشابكت مع مصالح العائلة، حتى وصل إلى حد فرض مبدأ "التوريث"، وذلك في إشارة إلى سيطرة السبسي الابن على هذه الحركة بعد وصول أبيه الرئيس السبسي إلى قصر قرطاج الرئاسي. وذهب العكرمي إلى القول إن الغضب يسود حاليا الأغلبية الساحقة داخل هذه الحركة، وهو غضب متصاعد، ورجح أن ينفجر قريبا لينهي هذا الوضع، وبالتالي إفراغ هذه الحركة التي أصبحت، على حد وصفه، "جثة هامدة". يذكر أن القيادي بنداء تونس وسام السعيدي أعلن ، الاثنين 10 سبتمبر 2018، عن استقالته من الحزب، قائلا "عاصفة الاستقالات ستتواصل بحدّة في سابقة لم يعرفها أي حزب من قبل". وأضاف السعيدي ، في تصريح لموزاييك اف ام، "لا أمل اليوم في إصلاح الحزب.. وبالتالي قرّرت الانسحاب.. فاش مازلت نستنى!". واعتبر المتحدّث أن انسحابه "لا يعدّ قفزا من المركب باعتبار أن الحزب في حالة عطالة تامة لا تحتمل أي تبرير". وشدد على أنّ انسحابه كان نتيجة ما وصفه ب"حالة ارتياب وعلامات شك سياسي" وأن ذلك ما عكسه تغيير موقف الحزب من مبدأ التوافق مع حركة النهضة أكثر من 6 مرات في ظرف وجيز، قائلا "غيّر الحزب موقفه من التوافق مع النهضة 6 مرات بين القبول ونقيضه.. هناك بعض المنسقين المحليين للنداء صرحوا لي بأنهم لا يعلمون ماذا سيقولون عن موقفهم من هذا التوافق". كما أن ثمانية من نواب نداء تونس كانوا قد أعلنوا، قبل يومين، استقالتهم من الكتلة البرلمانية للحزب والالتحاق بكتلة “الائتلاف الوطني” حديثة التأسيس و الرائج كونها مساندة ليوسف الشاهد. وفي خضم هذا الشأن، أوضح النائب المستقيل من كتلة “نداء تونس”، جلال غديرة، أن الاستقالة “تندرج ضمن دعم المصالح العليا للبلاد؛ فنحن نرى أن مصلحة تونس تقتضي توحيد الصفوف في اتجاه الاستقرار الحُكومي، ودعم الحكومة في مشاريعها التنموية والاقتصادية وعدم إرباك عملها”. وشدد على أنهم “سيدعمون الحكومة حيث سيمثلون حزاما سياسيا لها، وسيضطلعون بدورهم الرقابي كنواب بالبرلمان”. وتابع غديرة: “هناك أطراف تهدد هذا الاستقرار، ومن يرغب في إسقاط الحكومة فإن عليه التوجه للبرلمان بعيدا عن إرباك العمل السياسي والاقتصادي”. وباستقالة الأعضاء الثمانية يتراجع عدد أعضاء الكتلة البرلمانية ل”نداء تونس” إلى 48، ويرتفع عدد أعضاء كتلة “الائتلاف الوطني” إلى 41. وكان حزب نداء تونس قد اتهم رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ب”الانشغال بالمناورات السياسية وشق وحدة الأحزاب والكتل البرلمانية، بدلا من التركيز على مشاكل البلاد”. وبحسب بيان الحزب، فإن “الشاهد استقبل مجموعة من نواب كتلة نداء تونس في مقرات الدولة بقصر الضيافة في قرطاج ليطلب منهم الاستقالة من الكتلة والالتحاق بكتلة الائتلاف الوطني”. وقد بحث اجتماع الهيئة السياسية لحركة نداء تونس الذي كان قد دعا اليه المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي، الوضعية الحالية بالبلاد واستقالة 8 نواب من كتلة الحزب بالبرلمان، وفق تأكيد النائب عن نداء تونس رمزي خميس. وقال خميس في تصريح لحقائق أون لاين اثر انتهاء الاجتماع، إن الحاضرين تداولوا كذلك بخصوص المؤتمر القادم للحزب ولجنة اعداده، لافتا الى أن الاجتماع لم يتطرق الى امكانية “طرد” يوسف الشاهد من الحركة. وتابع بالقول “كلمة الطرد غير موجودة بالنظام الداخلي والقانون الأساسي لنداء تونس، لكن العقوبات تضم الرفت المؤقت أو النهائي من هياكل الحزب”. وجاء الاجتماع على اثر موجة الاستقالات التي شهدها الحزب خاصة بالكتلة البرلمانية بعد اعلان 8 نواب استقالاتهم السبت الماضي. وتضمّ قائمة النواب المستقيلين من النداء وكتلته كلا من عصام الماطوسي وزهرة ادريس وجلال غديرة ومحمد الراشدي والمنصف السلامي ومروى بوعزي ولمياء الدريدي وأحمد السعيدي.