تواترت مؤخرا تصريحات وتهديدات حول الإغتيالات من جديد في تونس. وإن لم ينقطع نهائيا الحديث عن امكانية تسجيل حالات اغتيال سياسي كالتي عرفتها البلاد في 2013 بعد استهداف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي كما تواصل وصول رسائل التهديد بالتصفية والاغتيال من حين لآخر لعدد من السياسيين والشخصيات الوطنية، إلا أن الفترة الأخيرة عرفت تزامنا وتصاعدا في وتيرة التصريحات المحذرة من شبح اغتيال جديد يتربص بالبلاد. وبالتزامن مع ما تعيشه البلاد من وضع متأزم على أكثر من صعيد وما تعرفه الساحة السياسية من خلط للأوراق مع انطلاق سنة انتخابية تلوح حامية الوطيس يحق التساؤل اليوم عن مدى جدية هذه التصريحات حول توقع اغتيالات قريبا وتأثيراتها المحتملة على مشهد مضطرب أصلا قد لا تزيده مثل هذه التوقعات والتهديدات بالتصفية الجسدية للخصوم السياسيين إلا اضطرابا وريبة. ولعل السؤال الملح هل تستند هذه التوقعات والتصريحات لمعطيات دقيقة مثبتة أم هي تندرج في سياق الصراع السياسي المحتدم استعدادا للاستحقاقات الانتخابية القادمة لا سيما إذا ما حملت تلك التصريحات تلميحات باتجاه اتهام جهات سياسية بعينها وسط عودة ملف اغتيال الشهيد بلعيد ليطفو على سطح الأحداث بعد ما كشفته هيئة الدفاع مؤخرا من معطيات ووثائق خلفت ردود أفعال كبيرة وأسالت الكثير من الحبر كما أعادت الى الأذهان شبح الاغتيالات السياسية في مناخ متأزم مماثل لسنة 2013. مخاوف وتحذيرات صرح أول أمس النائب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية قائلا أنه "يشتمّ رائحة الدم بالنظر الى الأزمة والأحداث التي تعيشها البلاد مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية". وأضاف عمروسية في تصريح ل"الشارع المغاربي" اليوم "المؤشرات التي تعيشها تونس تدلّ على إمكانية حدوث عمليات إجرامية واغتيالات خاصة في ظل أزمة الحكم القائمة ووجود حركة النهضة الحاكم الفعلي للبلاد". كلام عمروسية جاء منسجما مع ما قاله مؤسس حركة تونس إلى الأمام، عبيد البريكي، مع بداية الأسبوع الجاري خلال استضافته في راديو ماد حين حذر من اغتيال سياسي جديد في الفترة القادمة. مؤكدا أن الوضع العام في البلاد والتوتّرات السياسية الحاصلة تنبئ بتكرّر الاغتيالات السياسية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2019. قراءة أولية في هذه التصريحات تدفع إلى ادراجها في خانة ما يتفق بشأنه الكثير من المحليين حول استحضار المناخ المماثل لما قبل انتخابات 2014 في كل أبعاده السياسية والاجتماعية وكذلك الأمنية وكلها كانت من بين الأسباب التى أدت إلى حادثة اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي. وإن نستحضر اليوم الصراعات ذاتها والتشنج ذاته وأداوات التنافس الانتخابي ذاتها التى أستعملت في الانتخابات الفارطة فهذا قد يدفع باتجاه توقع امكانية تسجيل اغتيال جديد لا قدر الله في سياق مزيد خلط الأوراق لحسابات سياسية وحزبية أو ربما للاجهاض على تجربة الانتقال الديمقراطي برمته تهيئة لواقع جديد وهنا لا نستبعد أجندات القوى الاقليمية والخارجية المتربصة بالتجربة التونسية منذ بدايتها. مؤشرات ووقائع في المقابل وبعيدا عن منطق التوقعات والتخمينات والقراءات تؤكد بعض المؤشرات والوقائع في الأونة الأخيرة أن التهديدات الأمنية كبيرة بما فيها تلك المرتبطة بالاغتيالات والإرهاب وهما مرتبطان ارتباطا عضويا. ونشير في هذا السياق إلى ما صرح به رئيس منظمة الأمن والمواطن عصام الدردوري يوم الأربعاء الفارط عندما تحدث عن خطورة معطيات "أمنية" سيقدمها لرئيس الجمهورية باعتباره قائدا أعلى للقوات المسلحة ورئيسا لمجلس الأمن القومي كانت وراء توجيه رسالة إلى الباجي قائد السبسي لطلب مقابلته و"لإحاطته بجملة من المعطيات الموثّقة والهامّة والتي تعدّ في مجملها في ارتباط وثيق بأسرار الدفاع الوطني وسلامة الأمن القومي والسيادة الوطنية ومكافحة الجريمة الإرهابية والفساد.." حسب ما جاء في نص الرسالة. لا يجب أن نغفل أيضا عودة التهديدات باستهداف بعض السياسيين والشخصيات العامة على غرار ما كشفه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي عن تلقيه رسالة تهديد حيث تمت دعوته أول أمس إلى مقر الوحدة الوطنية للأبحاث في الجرائم الارهابية لإعلامه رسميا، بايقاف الشخص الذي بعث بالرسالة مع مواصلة الأبحاث لمعرفة دوافعها، وفيما إذا كان للشخص المعني ارتباطات بتنظيم معيّن. طالت ايضا التهديدات مؤخرا بشرى بالحاج حميدة في علاقة بتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ما تطلب توفير حماية أمنية لها كما تداولت في سبتمر الفارط مصادر من اتحاد الشغل وجود مخطط لاغتيال الأمين العام نور الدين الطبوبي ورغم نفي وزارة الداخلية علمها بتلك التهديدات إلا أن ذلك لم يمنع تعزيز المرافقة الأمنية لنور الدين الطبوبي بأعوان من الأمن الرئاسي. يذكر أن الحماية الأمنية متواصلة للكثير من الشخصيات ويتم تحيينها وفقا للمستجدات وكانت تقارير اعلامية قد كشفت أن رئاسة الجمهورية قلصت السنة الفارطة في عدد الشخصيات التي تتمتع بحماية الأمن الرئاسي إلى النصف، حيث أصبح العدد 10 أشخاص بعد أن كان 20 شخصا في 2015. ويوفر الأمن الرئاسي حماية لصيقة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والناطق الرسمي بإسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي والأمين العام لإتحاد الشغل نور الدين الطبوبي ورئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب. في حين رفعت الحماية الأمنية من قبل رئاسة الجمهورية على كل من رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة والأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق ووزير الخارجية الأسبق الطيب البكوش وأحمد نجيب الشابي ومحمد فريخة والرئيس السابق المنصف المرزوقي وكمال مرجان في حين تم رفع حماية رئاسة الجمهورية عن سليم الرياحي، الذي تكفلت بحمايته الإدارة العامة لحماية الشخصيات التابعة لإدارة وحدات التدخل التى توفير الحماية لأكثر من 50 شخصية وذلك إلى حدود 2017. منى اليحياوي