بعد انتهاء الآجال القانونية لقبول مطالب المغادرة الاختيارية المبكرة، والمغادرة الطوعية للموظفين العموميين، لم توفق الحكومة في تحقيق أهدافها من البرنامجين إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المستفدين من البرنامجين لم يتجاوز 6600 موظف، من بينهم 5 آلاف في إطار المغادرة المبكرة و1600 في إطار برنامج المغادرة الطوعية (أقل من المتوقع بكثير والذي كان يترواح بين 10 و15 الف موظف). وذلك رغم الحملة الإعلامية والتحسيسية والإغراءات القانونية والمادية لتحفيز الموظفين على مغادرة الوظيفة العمومية والانتصاب للحساب الخاص.. وكانت حكومة يوسف الشاهد قد رصدت بقانون المالية لسنة 2018 مبلغا ضخما يقدر ب535 مليون دينار لتمويل برنامجي التقاعد المبكر، والمغادرة الطوعية الذي يستهدف بين 10 و15 آلاف موظف. ويتنزل البرنامجان ضمن رؤية إصلاحية حكومية للوظيفة العمومية والقطاع العام تهدف إلى التقليص من كتلة الأجور إلى 12 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي سنة 2020 ومن العدد الكبير للموظفين الذي يقدر حاليا بحوالي 650 ألف موظف، 130 ألف منهم زائدون عن الحاجة وفقا لما صرحت جهات حكومية رسمية لدى توضيحها لأهداف الإصلاح أمام مجلس نواب الشعب. تجدر الإشارة إلى أن البرنامجين المذكورين للمغادرة الاختيارية للأعوان العموميين هما آليتيان من بين أربع آليات وضعتها الحكومة وتعهدت بتنفيذها أمام صندوق النقد الدولي إلى جانب التحكم في الانتدابات، (صفر انتدابات خلال سنوات 2017 و2018 و2019 باسثناء بعض القطاعات الحساسة مثل الأمن الدفاع أو الملحة والضرورية مثل التعليم والصحة ومدارس التكوين) واعتماد برنامج الخروج الطبيعي للتقاعد (الالتزام بعدم تعويض المحالين على التقاعد) رغم فتح الحكومة مرتين فترة قبول المطالب المغادرة الاختيارية للأعوان العموميين، مرة أولى انتهت يوم 30 أفريل 2018 دون تحقيق نتائج تذكر، ومرة ثانية انتهت آجالها يوم 31 اوت 2018، لم يتم تسجيل سوى 1600 طلب مغادرة مقبول نهائيا، وذلك لسبببن، الأول عدم تحمس فعلي من الأعوان العموميين للمغادرة الاختيارية، والثاني ثبوت تمسك بعض الوزارات بأعوانها الذين عبروا عن رغبتهم في الخروج من الوظيفة العمومية. ويسمح قانون المغادرة الاختيارية لأي موظف عمومي تقديم مطلب في هذا الخصوص شرط تحصيله ل5 سنوات عمل فعلي على أقل تقدير في الوظيفة العمومية لضمان حصوله على منحة الشيخوخة، على أن يتمتع بمنحة تساوي أجرة 36 شهرا تصرف فوريا بعد المغادرة، مع تواصل التمتع بالتغطية الصحية لمدة سنة بعد المغادرة، ويحجر إعادة انتدابه تحت اي صفة او صيغة كانت.. ومن بين الوزارات التي رفضت التأشير على مطالب المغادرة الاختيارية، وزارة الدفاع الوطني التي قدمت قائمة فارغة للجنة دراسة ملفات المغادرة الطوعية المحدثة برئاسة الحكومة، واعتبرت أنّ الجيش الوطني في حاجة إلى جميع أفراده بمختلف رتبهم العسكرية واختصاصاتهم في الوقت الرّاهن. لكن ما يدعو للاستغراب هو ثبوت سبب آخر مباشر لعدم تحمس الأعوان العموميين على الانخراط في برنامج المغادرة الاختيارية ويتعلق أساسا بالتخوف من الفشل في صورة الانتصاب للحساب الخاص بعد مغادرة الوظيفة العمومية. يضاف إليها عنصر جديد وهو عدم الثقة في الحكومة والتخوف من عدم احترام مصالحها لتعهداتها القانونية، الأمر الذي أكده عماد الدايمي النائب بمجلس نواب الشعب والقيادي بحزب حراك تونس الإرادة حين كشف يوم 29 سبتمبر 2018 في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» أن عددا من الأعوان العموميين المستفيدين من قانون المغادرة الطوعية لم يتحصّلوا إعلى ‹›المنحة الفورية›› التي أعلنت عنها الحكومة كتعويض لهم. وأشار إلى أنّ عددا آخر ممن تحصلوا على منحهم، قامت البنوك بالاقتطاع الكامل للمبلغ المتبقي من أقساط قروض متحصلين عليها من هذه البنوك. وقال الدايمي إنه وجه مراسلة إلى وزير الاصلاحات الكبرى فرحات الراجحي للإجابة على عدد من الأسئلة التي تهم الملف.. مؤكدا أنه تلقى" تشكيات عديدة من طرف موظفين عموميين تم قبول طلباتهم في الاستفادة من قانون المغادرة الاختيارية وتم بموجب ذلك اعلامهم بمغادرة الوظيفة العمومية وإيقاف رواتبهم الشهرية دون تمكينهم من منحة المغادرة التي ينص القانون على صرفها دفعة واحدة وبصفة فورية". كتلة الأجور في تونس من أرفع النسب في العالم يذكر ان تقرير حديث بشأن تونس أصدره بداية الأسبوع الحالي صندوق النقد الدولي مكون من 88 صفحة حول تونس، كشف تواصل ارتفاع كتلة الأجور في تونس مقارنة بالناتج الاجمالي الخام وهي من أرفع النسب في العالم. وما انفك صندوق النقد الدولي يطالب في كل مرة بالضغط على كتلة الأجور آخرها بعد صرفه القسط الخامس من القرض المدد الموقع مع تونس سنة 2016. ويقدر حجم الأجور في الوظيفة العمومية، وفق مشروع ميزانية الدولة لسنة 2019، 16485 مليون دينار، ما يعادل 14.1 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل 14 بالمائة محينة سنة 2018 أي أكثر بقليل من 16 مليار دينار، بعد أن كانت في حدود 14.3 مليار دينار سنة 2017. وتتوقع الحكومة ان ترتفع النسبة العامة من الأجور إلى 14.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020. تعهدات متناقضة ووفقا لتقرير صندوق النقد حول تونس، تعهدت الحكومة التونسية في خارطة الطريق المقترحة على المنظمة المالية الدولية عدم منح زيادات في الأجور بعنوان سنتي 2018- 2019، في الوقت الذي تستعد فيه المنظمة الشغيلة لتنفيذ اضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام خلال أيام قليلة احتجاجا على تعطل مفاوضات الزيادة في الأجور (2018-2019) مع الجانب الحكومي. وتتناقض تعهدات الحكومة التونسية مع صندوق النقد في ما يتعلق بتتجميد الزيادة في الأجور، مع تعهدات الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل بعد أن أمضت معه اتفاقا إطاريا للزياة في أجور اعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام على أن تنتهي المفاوضات في شأنها قبل نهاية سبتمبر 2018.. وقالت الحكومة في ذات التقرير إن التخفيض التدريجي في فاتورة الأجور بالنسبة للناتج الداخلي الهام، سيعتمد بشكل أساسي على الحد من الانتدابات على ان تقتصر على وزاراتي الدفاع والداخلية وخريجي معاهد التكوين، وعدم تعويض المحالين على التقاعد دون تجاوز معدل استبدال واحد من أصل أربعة متقاعدين سنة 2018، وعلى احتواء الأجور، باستثناء زيادة مبرمجة في أجور منتسبي وزارة الدفاع الوطني على اعتبار ان الزيادة تأخر تطبيقها منذ سنة 2015 وخصص لها اعتمادات سنوية قدرها 200 م.د.