+ من يحمي المواطن ومن يعوض له في غياب منظومة تعويض واضحة المعالم دقيقة المسالك؟ تونس- الصباح بعد أيام من نشر أمر حكومي بالرائد الرسمي، مؤرخ في 9 أكتوبر 2018 يتعلق بضبط الأنشطة المعنية بتدخلات صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية وطرق تسييره وشروط تدخلاته، المعروف اختصارا باسم "صندوق الجوائح"، وكذلك الأمر الحكومي المؤرخ في 9 أكتوبر 2018 المتعلق بتحديد مناطق الزراعات الكبرى المجاحة جراء الجفاف للموسم الفلاحي 2017/2018، نشرت الحكومة أمس نص مشروع قانون يتعلق بجبر الأضرار التي تلحق بالمؤسسات الاقتصادية نتيجة الفيضانات بعد أن أودعته لدى مجلس نواب الشعب مرفقا بطلب استعجال النظر.. يأتي ذلك، فيما خلفت الفيضانات الأخيرة التي شملت عديد الولايات مزيدا من الدمار والأضرار الجسيمة في الممتلكات والبنية التحتية وعرّت المزيد من النقائص وكشفت عن تخلف كبير لمشاريع حماية المدن من الفيضانات وطرحت أسئلة عميقة عن مدى شفافية مشاريع البنية التحتية وجدية الرقابة على انجازها ومتابعتها.. فيما يظل المواطن البسيط المتضرر وخاصة ان كان فقيرا أو مهمشا، لا يعرف من أين سيطالب بالتعويض وكيف، ولا يثق حتى في مؤسسات الدولة، وهو الخاسر الأكبر في غياب منظومة تعويض واضحة المعالم دقيقة المسالك. يذكر أن الإجراءات القانونية الهادفة إلى تعويض المتضررين من الفيضانات من فلاحين وأصحاب مؤسسات جاءت تنفيذا لقرارات المجلس الوزاري الذي انعقد برئاسة رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم 26 سبتمبر 2018 بمقر ولاية نابل على إثر الفيضانات التي اجتاحت كافة مناطق الولاية، ومنها الإجراء المتعلق ب"إصدار مشروع قانون استعجالي لتعويض الأضرار الحاصلة للتجار والمؤسسات الاقتصادية"، و"اتخاذ الإجراءات الضرورية من اجل جبر الأضرار الفلاحية"، وهما من بين أبرز المطالب التي نادى بها اتحادا الأعراف والفلاحين.. يذكر أن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كان قد دعا السلطات في بيان سابق إلى تعويض المهنيين المتضررين جراء الفيضانات التي اجتاحت ولاية نابل.في حين وصف رئيس المنظمة سمير ماجول في تصريح له ما حصل في ولاية نابل ب"الكارثة الوطنية" مشددا على ضرورة حماية المؤسسات الاقتصادية عبر إيجاد صيغ للتأمين على الكوارث حتى تعود إلى النشاط والإنتاج وخلق مواطن الشغل. وينتظر ان يصدر لاحقا عن منظمة الأعراف تقييما عن الأضرار التي لحقت بالمؤسسات الاقتصادية والتجار بالولايات التي شهدت فيضانات عارمة ومنها ولايات الشمال الغربي وتونس الكبرى.. مساهمة استثنائية وتضمن مشروع القانون المتعلق بجبر الأضرار التي لحقت بالمؤسسات (نتيجة فيضانات نابل على وجه الخصوص)، أحكاما تتعلق بتوسيع مجال تدخل صندوق ضمان المؤمن لهم من خلال إقرار مساهمة استثنائية وظرفية في جبر الأضرار المادية المباشرة التي تلحق بالمؤسسات الاقتصادية نتيجة الفيضانات. ولئن أشارت الحكومة -في وثيقة شرح الأسباب- أن مشروع القانون يهدف إلى مزيد تفعيل قطاع التأمين في مساندة المؤسسات المتضررة من الفيضانات التي شهدتها ولاية نابل خلال يوم 22 سبتمبر 2018، إلا أنها وعدت بإرساء منظومة وطنية متكاملة للتوقي وتعويض الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية. لكن مشروع القانون يستثني الأضرار اللاحقة بقطاع الفلاحة والصيد البحري المشمول بمنظومة تعويض صندوق الجوائح الطبيعية، وأيضا المساحات التجارية الكبرى ووكلاء بيع السيارات ومشغلي شبكات الاتصال ومؤسسات الخدمات المالية باعتبار إمكانياتهم المالية التي تمكنهم من تجاوز الصعوبات. جدير بالذكر أن صندوق ضمان المؤمن لهم أحدث بموجب القانون عدد 98 لسنة 2000 المؤرخ في 31 ديسبمر 2000 بهدف حماية المتضررين من عجز مؤسسات التأمين عن الوفاء بالتزاماتها المالية، ويتم تمويله بالأساس بواسطة مساهمات مؤسسات التأمين ومساهمات المؤمن لهم، ويتدخل حاليا في هذا الإطار لتعويض المتضررين من عجز الشركة التعاضدية "الاتحاد" التي تم سحب ترخيصها سنة 2003. وتم بموجب الفصل 8 من المرسوم عدد 40 لسنة 2011 المؤرخ في 19 ماي 2001 توسيع مجال تدخل الصندوق لتسديد التعويضات إلى المؤسسات المتوسطة والكبرى بعنوان الأضرار المادية المباشرة الناتجة عن أحداث الثورة التي شهدتها البلاد خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى 28 فيفري 2011.. ومن المقرر أن يتم ضبط المناطق والفترة المشمولتين بالتعويض وكذلك صيغ وإجراءات وشروط إسناد التعويضات المالية لفائدة المؤسسات المتضررة بمقتضى أمر حكومي. صندوق جوائح معطّل..؟ بالعودة إلى تضرر الفلاحين المتضررين من الفيضانات والكوارث الطبيعية بتفعيل صندوق الجوائح، ما يزال اتحاد الفلاحين لم يحدد بعد قيمة الخسائر والأضرار التي لحقت بالفلاحين بالمناطق المتضررة من فيضانات أكتوبر الأخيرة، لكن أعضاء في المنظمة الفلاحين أكدوا على جسامة الخسائر.. غير ان، اتحاد الفلاحين ما يزال يصر على وجود مشكل لدى رئاسة الحكومة في تفعيل صندوق الجوائح في ظل غياب مرونة واضحة وبطء شديد في تعويض الفلاحين.. وذلك رغم صدور الأمر المتعلق بتنظيم الصندوق وضبط تسييره وكيفية صرف التعويضات. فقد انتقد أمس، عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الفلاحية حمادي بوبكري رئاسة الحكومة لوجود تعطيل فيما يتعلق بتفعيل صندوق الجوائح.وطالب، في تصريح إذاعي ل"راديو شمس اف ام"، باعتماد آليات جديدة وتشريك الاتحاد للفلاحة والصيد البحري في عمليات التعويض للفلاحين المتضررين من الأمطار الطوفانية التي عاشت على وقعها أغلب ولايات الجمهورية. ودعا الاتحاد إلى تفعيل صندوق "الجوائح" وفق رؤية تقوم على التضامن الوطني، وطالب بالرفع من نسب التعويض للفلاحين المتضرّرين.ونادى بالتعجيل في صرف هذه التعويضات في الوقت المناسب حتى يتمكّن الفلاحون من سداد ما تخلّد بذمتهم. وكان رئيس اتحاد للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار، قد أكد أن الإحصائيات الأولية لخسائر فيضانات ولاية نابل، قُدّرت بإتلاف 900 هكتار من الخضراوات، وبين 700 و800 هكتار من الأشجار المثمرة، ونفوق أكثر من 200 رأس غنم وأبقار، إضافة إلى معدات فلاحية جرفتها المياه أو أتلفتها..وشدد الزار في تصريحات إعلامية متطابقة على ضرورة تفعيل صندوق الجوائح.. ويهدف "صندوق الجوائح" إلى المساهمة في تعويض الأضرار التي تلحق بالمصرحين من الفلاحين أو البحارة عبر استرجاع جزء من قيمة المنتوج أو نفقات الإنتاج التي تحملها المصرح المتضرر من جراء جائحة منذ بداية المواسم الفلاحية أو دورات الإنتاج إلى حين حصول الضرر. وحصر المشرع الجائحة الطبيعية في "كل ضرر ناجم عن مخاطر، لا تدخل في مجال التأمين العادي، ذات أهمية استثنائية بسبب الاختلافات غير الطبيعية في كثافة العوامل الطبيعية المناخية، ولا يمكن تجنبها أو دفعها باستخدام الوسائل التقنية للمراقبة الوقائية أو العلاجية أو ثبت أنها غير كافية أو معطلة وكل جائحة تنجر عنها خسائر مادية فادحة". وماذا عن التعويض للمواطن؟ إن كان المهنيون وأرباب العمل والأعراف والفلاحون قد نالوا جزءا من مرادهم أو على الأقل ضمنوا نسبيا بعض التعويضات الناجمة عن الفيضانات، بعد ممارسة ضغوطات مطلوبة لنيل حقوقهم، إلا أن الآليات المعتمدة في تعويض المواطنين ممن تعرضت أملاكهم وسياراتهم ومنازلهم إلى التلف بسبب سيول الأمطار ودخول المياه إلى منازلهم وجرف مياه الأودية لسياراتهم علاوة على ضحايا الغرق.. ما تزال تتعرض للانتقاد باعتبار صعوبة حصر كافة المتضررين، وتعقد إجراءات التدخل التي عادة ما تتسم بالبطء وغياب المرونة والشفافية والوضوح. في غياب هيكل موحد حكومي أو مستقل يشرف على عمليات الإغاثة والتعويض الفوري والمباشر للمتضررين. السبب الذي يخلف –عادة- غضب الناس وضحايا الفيضانات. مسؤولية الدولة في اهتراء البنية التحتية وتخلفها وعدم صيانة شبكة تصريف مياه الأمطار وتجديدها مؤكدة وهذا ما اعترفت به الحكومة وأقرت به على لسان رئيس الحكومة، غير ان المشكل في الأمر هو في تأكد محدودية تدخل السلطات والأجهزة الحكومية ومجالس محلية وبلديات عند حدوث مثل هذه الكوارث نتيجة غياب التنسيق والاعتمادات اللازمة ونقص المعدات التدخل وغياب كلي لخطط التحرك الاستباقية. وأيضا غياب الحوكمة في مجال التعويض إذ عادة ما يقتصر تعويض المواطنين في بعض المناطق المنكوبة على بعض تقديم بعض الحواشي والمواد الغذائية، ويحرم آخرون منها، والاكتفاء ببعض الوعود لإصلاح ما دمّر وخرّب من طرقات أو منازل أو مواش.. ليس المشكل في اعتراف الدولة وأجهزتها بمسؤوليتها عن تعويض المتضررين، بل المشكل الحقيقي في كيفية تفعيل آليات التعويض وتجسيم الوعود الإدارية والسياسية والحكومية إلى أفعال. في غياب شبه تام لتحديد المسؤوليات عن الأضرار الناجمة عن تقصير إداري في الصيانة والمراقبة، أو نقائص في البنية التحتية أو غش وتلاعب في المال العام خاصة في ما يتعلق بالصفقات العمومية لإنجاز المنشآت المائية والجسور والطرقات على مجاري الأودية.. وهو ما كشفته فيضانات أكتوبر الجاري وأيضا فيضانات نابل وظلت -رغم ما خلفته من أضرار جسيمة- دون محاسبة وعقاب وتحديد للمسؤوليات.. رفيق بن عبد الله .................... فيما يلي النص الكامل لمشروع قانون يتعلق بجبر الأضرار التي تلحق بالمؤسسات الاقتصادية نتيجة الفيضانات: الفصل الأول: يهدف هذا القانون إلى إقرار مساهمة استثنائية وظرفية في جبر الأضرار المادية المباشرة التي تلحق بالمؤسسات الاقتصادية نتيجة للفيضانات. الفصل الثاني: تضاف إلى الفصل 35 من القانون عدد 98 لسنة 2000 المؤرخ في 25 ديسمبر 2000 المتعلق بقانون المالية لسنة 2001 فقرات ثانية وثالثة ورابعة وخامسة في ما يلي نصها: الفصل 35: كما يتولى الصندوق، وفي حدود الموارد المتاحة له، المساهمة في تعويض الأضرار المادية المباشرة الناتجة عن الفيضانات التي تلحق بالمؤسسات الاقتصادية والمتعلقة بنشاطها. تستثنى من هذه المساهمة الأضرار المادية غير المباشرة التي تلحق بالمؤسسات الاقتصادية والتي تشمل الأعباء القارة للمؤسسة وهامش ربحها وكافة ديونها تجاه الغير. كما تستثنى الأضرار اللاحقة بالمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات الاقتصادية الناشطة في القطاع الفلاحي وقطاع الصيد البحري والمساحات التجارية الكبرى ووكلاء بيع السيارات والمؤسسات المالية ومشغلي شبكات الاتصال كما تم تعريفها بالتشريع الجاري به العمل. تضبط بأمر حكومي المناطق والفترة المشمولتان بالتعويض وصيغ وإجراءات وشروط إسناد التعويضات.