تعرف تونس الكبرى شللا على مستوى حركة المرور كلما تهاطلت الأمطار خاصة مع تهالك البنية التحتية وضعف أسطول شركة نقل تونس.. أزمة المواطن اليومية مع وسائل النقل تتواصل ويتضاعف هذا الاختناق المروري وسط العاصمة في ساعات الذروة.. في حدود الساعة السادسة مساء التقينا «فاطمة» فتاة عشرينية تعمل سكرتيرة في مكتب محامي على بعد أمتار قليلة من محطة لنقل الركاب ومع ذلك تقول محدثتنا إنها تضطر للانتظار لوقت طويل حتى تتمكن من ركوب الحافلة «المرجوة» ففي أحيان كثيرة تتأخر أو تكون مكتظة جدا وبالتالي تخير الانتظار على الركوب خشية أن تسرق أغراضها كما حدث معها في مرات عديدة أو تحشر في مكان ضيق قد تتعرض فيه للتحرش.. من جهته، وجد «حيدر» في النقل الجماعي – رغم مخاطره ومشاكله اليومية - الحل الأنسب ليعود إلى بيته في ضواحي «بن عروس» خاصة وأنه بذلك لا يضطر لركوب أكثر من وسيلة نقل أو الاعتماد على التاكسي الفردي الذي لا يتناسب مع ميزانيته المخصصة للتنقل ويعتقد «حيدر» الذي يعمل في احدى المحلات التجارية وسط العاصمة أن التاكسي الجماعي ساعد على حل أزمة النقل ويمكن للتونسي ركوب هذه الوسيلة من أي مكان وفي أي وقت وهذا مكنه كذلك من الاستمتاع أحيانا بوقته قبل العودة لمقر سكانه ودون أن يضطر للتفكير بمواعيد آخر حافلة تمر قرب منزله. قرب محطة للنقل الجماعي، تزامن وجودنا مع خصام لزبون وسائق إحدى هذه العربات ومع اقتربنا للتساؤل عن سبب الخلاف رفض السائق مدنا بالتفاصيل متهما الإعلام بتشويه سمعة سائقي سيارات النقل الجماعي ومن خلال وصفهم ب«المتهورين» على الطرقات وبالعودة للزبون وسبب خصامه مع السائق قال محدثنا ويدعى «سفيان» أنه رفض ركوب السيارة والجلوس على مقعد «بلاستيكي» وضع قرب بقية المقاعد معلنا للسائق أن هذا مخالف للقانون فقام بالصراخ في وجهه قائلا: «كان عجبك».. في هذا اليوم الذي رصدت خلاله «الصباح الأسبوعي» عودة التونسيين إلى بيوتهم اعتمادا على وسائل النقل العمومي كان كغيره من الأيام فالانتظار هي السمة البارزة للمشهد العام لمحطات الحافلات والمترو الخفيف فيما تضيء العلامة الخضراء جل سيارات التاكسي المارة بين الطرقات. في هذا السياق، أكدّ رئيس الغرفة النقابية لسيارات التاكسي فوزي الخبوشي أن «التاكسي» تعتبر شريان النقل في تونس وتغطي خدماتها 24 /24 ساعة لكن اشكالية سائقي التاكسي أنهم يعملون دون حماية كما أن الاختناق المروري يعود لأسباب عديدة منها البنية التحتية والسياقة الهمجية. وأَضاف محدثنا أن التاكسي الفردي قطاع يعتبر منتظما نسبيا رغم أن الأجر الأدنى للتاكسي في العالم تحل مرتبته الأولى تونس فإلى حد سنة 2018 مازال هناك حرفاء يستخدمون التاكسي ب800 مليم وهذه دلالة على وضع التاكسي في بلادنا. وشدد رئيس الغرفة النقابية لسيارات التاكسي فوزي الخبوشي على ضرورة تحرير الأسعار وأن لا تبقي المسألة مرتبطة بوزارة النقل كما أشار إلى ظاهرة الدخلاء على المهنة وتأثيرها السلبي على القطاع (طبقة من الأمن وأخرى من الموظفين وحتى المواطنون يستغلون سياراتهم لنقل الناس بمقابل) قائلا: «هناك حالة من الفوضى والانفلات الأمني يتعرض خلالها صاحب التاكسي للعنف اللفظي والجسدي وحتى المعاملة الإدارية من قبل الدولة فيها الكثير من التميز والابتزاز فالسلطة لا تطبق القانون». رئيس مدير عام شركة نقل تونس صالح بلعيد ل«الصباح الأسبوعي»: الديون تثقل كاهل شركة النقل والشبكة الحديدية السريعة هي الحل قال رئيس مدير عام شركة نقل تونس صالح بلعيد ل«الصباح الأسبوعي» أن مجلس نواب الشعب شرع في مناقشة قانون عن قرض من الوكالة الفرنسية للتنمية بقية 75 ألف أورو لأجل تمويل مشروع تهيئة الجذع المركزي للمترو ومحطة الترابط بساحة برشلونة وهذا المشروع سيمكن شركة نقل تونس من انجاز قطب تبادل متعدد الانماط ويتكون من محطة تحتية للحافلات والمترو وسيكون متكاملا مع الشبكة الحديدية السريعة حيث سيسمح للمواطنين بالركوب في مختلف وسائل النقل بنفس التذكرة وستصبح هناك منطقة خضراء في برشلونة تحمل الكثير من الجمالية وتسهل الخدمات. وأضاف محدثنا أنه سيقع إعادة ترميم «محطة الجمهورية» وتخفيض الأرصفة مع بناء معابر خلفية على شارعي «جون جوريس» و»الحرية» وسيتم تغيير اتجاه حركة المترو الخفيف وسط العاصمة من ساحة الجمهورية إلى ساحة برشلونة ويصبح المترو موازيا للسيارات وفي نهج «روما» سيصبح الميترو والسيارات في نفس الاتجاه أمّا في محطة «باب الخضراء» فستكون هناك سكة تعود من هذه المحطة إلى الضواحي الغربية دون مواصلة طريقها لمحطة الجمهورية وهذا المشروع سينطلق سنة 2020 وينتهي سنة 2022. وشدد محدثنا على أن التنقل وسط العاصمة سيصبح أسهل كما هناك خطة لضمان السير العادي للأشغال والعربات وذلك من خلال مكاتب دراسات متخصصة وستعود تونس العاصمة حسب قوله جميلة مثل سنوات السبعينات أو أحسن. وعن إمكانية عرقلة عمل التجار في ساحة برشلونة والمناطق القريبة منها قال رئيس مدير عام شركة نقل تونس صالح بلعيد أن هؤلاء الباعة سيستفيدون من هذه التطورات في ساحة برشلونة على غرار الأشغال التي عايشتها في نهاية الثمانيات وبداية التسعينات كانت ذات فائدة كبيرة لأعمالهم. ويعتقد محدثنا أن الحل الأمثل لأزمة التنقل في تونس الكبرى هو السكك الحديدة السريعة التي يجب اتمامها بكل مكوناتها فالقطار طاقة استيعابه 2000 شخص وبالتالي يمكن أن يعوض 22 حافلة. مشيرا إلى أنه سيقع تنفيذ مشروع سكك حديدية سريعة تصل إلى منوبة وسيدي حسين وحينها سيلحظ الجميع الفرق. وشدد السيد صالح بلعيد أن المواطن التونسي مضطر للاستخدام النقل الجماعي في تنقلاته بعد تقلص عدد الحافلات التابعة لشركة نقل تونس والمواطن الذي لا يجد الحافلة العادية والمؤمنة وتقريبا سعر تذكرتها يوازي 30 بالمائة من سعر تذكرة النقل الجماعي يجبر على اقتناء النقل الجماعي قائلا: «المطلوب منا إعادة دور الحافلة على غرار ما كان عليه سنة 2010». وعن أسطول شركة نقل تونس كشف محدثنا أنه في وضعية صعبة قائلا في هذا السياق: «برمجنا 494 حافلة لكن الصفقة تعطلت بعد التشكيك والحديث عن فساد والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أوضحت أن القضية مدنية بين شركة نقل تونس والمزود وتحل على مستوى القضاء المدني وبالتالي تم حفظ الملف وخلال هذا الأسبوع سيتم أخذ قرار في هذه صفقة.» أمّا البنية التحتية فاعتبرها رئيس مدير عام شركة نقل تونس متوسطة في المناطق التي تغطيها الشركة، التي يمثلها وذلك من قلعة الأندلس حتى جبل الرصاص في زغوان وأطراف مجاز الباب دون أن ينفي أنها تؤثر على صحة السائق كما أن هذه الوضعية تفرض اقتناء الحافلات العالية والتي لا تتماشى مع احتياجات بعض المواطنين من حاملي الاعاقة بسبب البنية التحتية لتونس الكبرى. وعن تأثير الاحتقان داخل شركة نقل تونس على سير عمل هذه المؤسسة في علاقتها بالحرفاء من المواطنين، أكد محدثنا أن الاضراب الأخير كان رد فعل عفوي من مجموعة من الأعوان كنا نتفاوض معهم على سلفة إضافية لشراء «علوش العيد» لكن الوضعية المالية للشركة لم تسمح ولم يقع امهالي الوقت الكافي لبحث المسألة واعتذرت للمواطنين ونرجو ألا يتكرر ذلك في المستقبل مشيرا إلى أن هذا الاضراب لم يقع تبنيه نقابيا. وذكر رئيس مدير عام لشركة نقل تونس صالح بلعيد أن الوضع المالي المتدهور لهذه المؤسسة وراء عدم تجديد الأسطول وأن الديون تقدر ب800 مليار منها على مستوى الجباية 250 مليارا داعيا المواطن التونسي للصبر حتى تتحسن ظروف الشركة وأن يقوم بدفع تذكرته مشيرا إلى أن ظاهرة «الترسكية» انخفضت من 25 بالمائة إلى 20 بالمائة.