إذا كانت حسابات اللعبة الانتخابية النصفية للكونغرس الأمريكي وتطورات جريمة اغتيال خاشقجي يمكن أن تطوي صفحة حرب الاستنزاف في اليمن خلال ثلاثين يوما فليكن. فهذه ليست أول حرب تدفع فيها الشعوب البائسة ثمن الصفقات الدموية لصناع القرار والمتحكمين بمصائر الشعوب والأوطان... مارتن غريفن المبعوث الدولي إلى اليمن كان واضحا في تصريحاته حيث اعتبر أن المعركة الانتخابية لترامب المقبلة هذا الشهر وقضية خاشقجي قد تكون حاسمة في حرب اليمن ما يعني أن لا معنى لحياة أو قيمة البشر وما ينجر عنها من مآس عندما يتعلق الأمر. بالمستضعفين في العالم حيث يمكن تطويع العدالة الدولية والقانون الدولي بما يستجيب لحسابات وتطلعات وحتى لأهواء المتنفذين .. لا شك أن الصورة كانت مؤلمة وهي وإن اختزلت نهاية مأساة يومية مستمرة مند نحو أربع سنوات في اليمن فقد اختزلت معها نهاية الضمير الإنساني قبل ذلك.. الطفلة اليمنية أمل حسين التي ماتت في صمت بعد ان تحولت الى هيكل عظمي بسبب الجوع الذي نخر جسدها تظل واحدة من شهادات كثيرة عن عمق الرياء والنفاق السياسي في عالم يزداد توحشا وفظاعة وهو عالم تفقد فيه الطفولة أو على الأقل من كان في موقع الطفلة اليمنية القدرة على البكاء أو الصراخ.. وهي صورة لا تختلف كثيرا عن صورة الطفل السوري ايلان التي جابت العالم بعد العثور عليه جثة هامدة على احد الشواطئ السورية ولا عن الأطفال الفلسطينيين الذين يموتون كل يوم في غزة والضفة بسبب الرصاص والقصف الإسرائيلي تتعدد الأحداث والمآسي وتختلف الصور والأسماء ولكن النتيجة واحدة من لم يمت من الجوع والعطش والمرض مات غرقا او ألما او قصفا بالرصاص في عالم لا تهزه الماسي الا بعد فوات الأوان... فجأة تحولت الطفلة اليمنية امل ابنة السبع سنوات إلى عنوان مثير في مختلف الصحف العالمية بعد ان اختطفها الموت وعجزت عائلته عن توفير الغذاء والدواء لها في بلد يعيش و منذ أربع سنوات على وقع حرب متوحشة حرب لا يعرف اغلب سكان اليمن غير السعيد أهدافها ولا يرون حتى الأطراف المتداخلة فيها وهي حرب استنزفتهم وجعلتهم بلد مستباح دون أن يكون لهم خيار في الأمر... وربما اعتقد أهل اليمن ان سقوط نظام عبد الله صالح سيعجل بالفرج ويعزز لديهم فرصة العيش في حرية وكرامة ولكنهم وجدوا أنفسهم بدلا من ذلك يفقدون معنى الكرامة ومعها معنى الأمن والاستقرار ويتحولون إلى وقود لحرب استنزاف لا تنتهي وهي حرب لا يبدو أن الأطراف المتناحرة بشأنها تدرك ان البلد أن حجم الخراب والدمار فيها بلغ درجة لم يعد لليمنيين القدرة معها على احتمال المزيد.. قريبا سينسى الجميع صورة الضحية اليمنية امل حسين ولكنهم سيذكرون دوما اسم الصحفي الذي فاز بجائزة بوليتزر الذي التقط صورة الطفلة المحتضرة وهو الذي اعتبر أن تصوير أمل كان «صعبًا» و»مؤلما»، ولكن كان أيضا «مهما». وهي قد لا تعني أيضا الكثير أو القليل لصناع القرار وهي رقم بين سجل الأرقام الكثيرة لواضعي التقارير الدولية بشأن ضحايا الحروب والنزاعات والصراعات والمجاعات في كل مكان من العالم..» في بلد مثل اليمن حيث تنتشر أحدث أنواع السلاح وتشق سماءه أسرع المقاتلات وأشدها فتكا يواجه نصف سكانه بمعنى أربعة عشر مليون نسمة مجاعة غير مسبوقة .. ستظل امل حسين في اليمن عنوان لمرحلة التوحش التي سيتعين على الإنسانية الاستعداد لها في غمرة الانصراف إلى إعادة رسم الشرق الأوسط الجديد بدماء ضحاياه ممن كتب عليهم أن يكونوا وقود المعارك التي لم تبدأ بعد..