عاد ملف الصحفي السعودي خاشقجي إلى سطح الأحداث في الساعات القليلة الماضية مع تواتر الأنباء بين التأكيد والتكذيب بشان العثور على الجثة التي يبدو أنها ستكون موضوع المزايدات المقبلة بين أكثر طرف تتداخل مصالحها بشان تفاصيل ما حدث للخاشقجي في اللحظات الأخيرة... ويبدو انه إلى جانب الطرف التركي الذي اتجه إلى مزيد الضغوطات على الرياض مطالبا بالكشف عن صاحب الأوامر للتخلص من خاشقجي وهو الأمر الذي لا يمكن لأنقرة أيضا أن ملف خاشقجي سيكون محور تحولات مرتقبة في ملفات وعلاقات إقليمية وفي مقدمتها الحرب في اليمن... وقد جاء إعلان السويد أمس عن استعدادها لاحتضان مفاوضات حول الحرب اليمنية بالتوازي مع الخطاب الأمريكي الجديد والدعوة التي أطلقها وزيرا الدفاع الأمريكيين جيم ماتيس والخارجية بومبيو لوقف إطلاق النار في هذا البلد. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه الدعوة ولكنها على ما يبدو الأكثر وضوحا كما أنها ولأول مرة تكون محددة بمهلة زمنية لا تتجاوز الثلاثين يوما وهو تحذير ضمني للأطراف المعنية بأنه آن الأوان ان تضع هذه الحرب أوزارها ... ليس من الواضح ان كان دم خاشقجي الذي حرك سواكن المسؤولين الأمريكيين الذين لم يهتزوا لكل دماء الضحايا الذين يسقطون كل يوم في اليمن وحركها مقتل خاشقجي ولكن الواضح أن هناك مؤشرات لاستغلال هذا الملف لوقف النزيف أو هذا على الأقل ما يبدو ... ولاشك أن ردود الأفعال التي رافقت قضية اغتيال خاشقجي كشفت منذ البداية عن الكثير من النفاق والرياء السياسي لا سيما من الرئيس ترامب الذي ظل وفيا لمبادئه التي أعلنها منذ دخوله الحملة الانتخابية الرئاسية أمريكا أولا.. وقد ظل يتعامل مع القضية على أنها واحدة من الصفقات الكثيرة التي يحسب لها الف حساب... وحتى بعد اعتراف الادعاء السعودي بان الرجل قتل على وجه الخطأ في قنصلية بلاده في اسطنبول فقد كان موقف الرئيس الأمريكي على درجة من الغرابة حيث اعتبر ان السعودية أقدمت على أسوأ عملية تعتيم على العملية, بما يعني أن الخطأ لم يكن في عملية الاغتيال ولكن في عملية التخلص من آثارها ... عودة الملف اليمني الى سطح الأحداث و تحرك الأطراف الإقليمية المعنية لوضع حد لمأساة طال أمدها لا يعني بالضرورة أن الحرب ستتوقف قريبا ولكن الأرجح أن هناك ما يمكن أن يدفع الرياض التي تقود ومنذ نحو ثلاث سنوات التحالف العربي في اليمن الى مراجعة خيارتها وإعادة حساباتها جديا أمام حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في هذا البلد المستباح حيث قتل وشرد الآلاف وحيث يعاني نحو أربعة عشر مليون من أبنائه من مجاعة وشيكة وحيث تسجل لغة الأرقام وفاة طفل على الأقل كل عشر دقائق وهو ما كان يفترض ناقوسا للخطر منذ فترة... من الواضح أن الرياض تواجه موجة ضغوطات غير مسبوقة بسبب ملف خاشقجي وتجد نفسها أمام تحذيرات بعقوبات محتملة من جانب ألمانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها من العواصم الغربية التي لا يمكنها تجاهل صوت الرأي العام في مثل هذه القضايا... يبقى من المهم أيضا التطلع الى الموقف الإيراني في الملف اليمني لا سيما وأن طهران تظل داعما أساسيا للحوثيين في حرب الاستنزاف التي يدفع اليمنيون وحدهم ثمنها... أما السلطة اليمنية فتلك مسالة أخرى وهي ابعد ما تكون عن معاناة الأهالي وهي التي تعيش في الرفاهية بعيدا عن الجحيم الذي يعيش على وقعه اليمنيون منذ سنوات.. الأهم من كل التحولات في المواقف السياسية بشأن الحرب في اليمن وما رافقها من صحوة مفاجئة للضمائر من واشنطن إلى باريس هل يمكن أن يتبعها إعلان عن وقف تسليح الأطراف المعنية وتمكينها من كل أسباب الخراب والدمار الحاصل؟ تلك هي المعضلة الحقيقية التي لا يمكن لكل الخطابات السياسية تغييرها..