الحوار بين المغرب والجزائر أكثر من حتمي وعلى تونس أن تكون وسيطا وهذه أولى القناعات المرتبطة بخطاب العرش الذي دعا خلاله العاهل المغربي الى طي صفحة الخلافات مع الجار الجزائري والانتباه لتحديات المرحلة الراهنة والمستقبلية.. ولعلها الدعوة العقلانية الوحيدة اليوم القابلة للتحقيق في المشهد السياسي في العالم العربي وتحديدا في المنطقة المغاربية وهي دعوة لا تحتاج لتبريرات أو تفسيرات ولكنها تحتاج الى التفعيل والخروج من دائرة الخطاب السياسي والرسائل المفتوحة الى العمل الميداني... ليس سرا اليوم ان المشهد في الدول العربية وكيفما قلبته يتجه الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزإ على حد تعبير الراحل حسنين هيكل الذي طالما حذر من تفكيك الأوطان أو ما بقي منها... ولا شك اليوم ان المرور الى حل الخلافات بين المغرب والجزائر ليس مجرد أمنية تردد في المنابر خلال المناسبات الرسمية بل هو مشروع يحتاج الى التفعيل على ارض الواقع وتفرضه اكثر من أي وقت مضى التحديات والمخاطر التي تعيش على وقعها دول المنطقة .. دعوة ملك المغرب لا يجب أن تمر دون محاولة تفعيلها على ارض الواقع، ومن هنا أهمية ودور الديبلوماسية التونسية في ان تكون لا وسيطا تقليديا على طريقة المبعوثين الدوليين في سوريا واليمن وليبيا، فلا حاجة للمغرب والجزائر لوسيط من هذا النوع ولكن هناك حاجة لاستعادة الثقة المهزوزة بين الإخوة الأعداء.. وبإمكان تونس وحدها القيام بهذا الدور الإنساني وهي التي نقول دون مغالطات لا حسابات لها ولا مصالح أيضا في استمرار الحال على ما هو عليه وتونس نقول دون غرور الأقدر على ذلك لإنهاء وطي صفحة خلاف طال أمده .. والحقيقة أن في تجرؤ إسرائيل اليوم وإطلاقها خطة لبناء "سكك السلام الإقليمي" أو خط سكة حديد تربط بين إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية والخليج وتكون جسرا بين البحر الأبيض المتوسط ودول الخليج عبر إسرائيل ما كان له أن يحدث لو كان للدول العربية مشروع مشترك للنهضة بالشعوب وتحقيق ازدهارها وما كان للكيان الإسرائيلي ان يتزعم قيادة مثل هذا المشروع الذي كان يتعين على الدول المغاربية والعربية ان تكون خططت له ليكون جسرا للعبور بينها يمنح شبابها مزيد الفرص في العلوم والمعارف والتشغيل والكرامة ... فكلفة اللامغرب اليوم، هي كلفه باهظة امنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، تدفعها شعوب المنطقة من أمنها وازدهارها واستقرارها وهذه حقيقة لا تقبل التشكيك، وكلفة اللامغرب تتحملها دول المنطقة في مفاوضاتها المنفردة مع شركائها الأوروبيين والآسيويين وغيرهم من دخولهم منفردين سباق المفاوضات التجارية والاقتصادية فيكونون الحلقة الضعيفة دوما في غياب فضاء اقتصادي أو مشروع مغاربي متكامل ... كلفة اللامغرب أيضا تتضح يوميا من خلال التحديات الإرهابية التي تستهدف دول المغرب العربي ومن خلال مخططات تجار البشر والمخدرات وعصابات السلاح وقد بات حوض المتوسط مقبرة للمهاجرين والراغبين للعبور إلى الضفة الأخرى للمتوسط والحالمين بحياة كريمة هناك .. وإذا كان ملف الصحراء الغربية يظل الملف الأخطر في العلاقات بين المغرب والجزائر بما فيها من تداخلات لأطراف إقليمية ودولية بعد أن فشلت كل الوساطات والمفاوضات على مدى العقود الماضية في تجاوزه فربما يكون بالإمكان تأجيل النظر في القضية إلى حين والالتفات جديا إلى الملفات المصيرية التي لا تقبل التأجيل وبينها القضايا المرتبطة بالأمن الغذائي والمائي واستقرار شعوب المنطقة وإعادة تقييم ما يتوفر لدول المغرب العربي من إمكانيات وفرص لمزيد الاتحاد والتقارب وإحياء الاتحاد المغاربي الذي ظل حلما على الورق والذي لا يمكن أن يكون له أمل بدون المغرب والجزائر.. فالاتحاد المغاربي يقوم على الدول المغاربية الخمس وكل المحاولات لنفخ الروح فيه قبل طي صفحة الخلاف بين المغرب والجزائر لن تغير من الأمر شيئا ... الأكيد أن العالم يتغير وهو يتجه إلى مزيد التحالفات الإقليمية والجغرافية وهو ما فهمته الدول الآسيوية وحتى دول منطقة الخليج قبل أن تبتلى بدورها بالصراعات والانشقاقات التي أفقدتها الكثير مما كانت تتميز به وتوفره من خدمات لشعوب المنطقة.. والأكيد انه لا مجال في هذا العالم الذي تقوده العولمة المتوحشة للانعزال أو التشتت لا سيما في منطقة مثل شمال إفريقيا.. لقد أكدت الأزمة التي تمر بها ليبيا حاجة الدول المغاربية لتوحيد صفوفها بل لعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنه لو كان للاتحاد المغاربي وجود ولو كانت له سياسة قائمة ومشروع إقليمي ودفاعي لما كان حال ليبيا على ما هو عليه ولما أمكن للحلف الأطلسي التدخل لتدمير هذا البلد وتركه فريسة للتنظيمات الإرهابية ترتع فيه وتستنزف ثرواته...