بعد جدل تواصل أكثر من ثلاث سنوات تحت قبة البرلمان حول موضوع التقاعد ووضعية الصناديق الاجتماعية، وبعد خلافات شديدة بين معارضين لمقترح الترفيع في سن الاحالة على التقاعد وبين موافقين، حسمت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في الأمر بمصادقتها مؤخرا على مشروع القانون عدد 56 لسنة 2018 المتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 12 لسنة 1985 المؤرخ في 5 مارس 1985 المتعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد للباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي برمته. وبلغ عدد النواب الذين شاركوا في عملية التصويت على المشروع برمته ستة نواب فقط، نظرا لتزامن جلسة اللجنة مع النقاش العام لمشروع قانون المالية ومع المشاحنات السياسية بين حزبي النهضة والنداء حول التحوير الوزاري، وهو ما يدعو الى التساؤل هل الظرف السياسي الذي تعيشه البلاد مناسب لتمرير قانون ثقيل مثل هذا القانون؟ وهل من المنطقي أن تفتح الحكومة والأحزاب الداعمة لها على نفسها باب جهنم وهي على ابواب سنة انتخابية. لن يكون وقع خبر الترفيع الاجباري في سن التقاعد بسنة ابتداء من غرة جانفي 2019 وبسنتين ابتداء من غرة جانفي 2020 مع الترفيع في المساهمات المستوجبة بعنوان التقاعد بنسبة واحد بالمائة على قسطين، لن يكون بالتأكيد بسيطا على الناخبين، خاصة الذين لا ينتفعون من الوظيف بسيارات ولا بسواق ولا بمنح اضافية ولا بوصولات بنزين ولا بسفرات ولا بمساكن وظيفية ولا ببهرج المكاتب الفاخرة. ففي بلدان أخرى، رحلت حكومات وألبت حكومات أخرى عليها شعوب بلدانها عندما فكرت مجرد التفكير في لمس ملف التقاعد، وهي في كل الأحوال لم تتجرأ على فعل ذلك في سنة انتخابية. وبمصادقتها على مشروع القانون الوارد في ستة فصول أنهت اللجنة البرلمانية أعمالها وسيكون القرار الأخير في يد الجلسة العامة فهي «سيدة نفسها» كما يقول النواب. الغاء الفصل 37 استجابت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية الى رغبات نقابات وجمعيات المتقاعدين وألغت الفصل 37 من مشروع القانون الذي ينص على تعديل الجرايات بصفة دورية في إطار المفاوضات المتعلقة بالأجور في القطاع العمومي بالاستناد إلى النسب السنوية للنمو الاقتصادي وللزيادة في الأجور في القطاع العمومي وللتضخم. لكن السؤال الحارق الذي يطرح نفسه هل سيكون هذا الالغاء في صالح جميع المتقاعدين فعلا، ام في صالح فئة منهم على حساب أخرى، فمجموع عدد المتقاعدين في تونس يبلغ مليون ومائة وستين ألف متقاعد، لكن عدد المتقاعدين المعنيين بالفصل 37 يبلغ 342 ألفا وهم الراجعون بالنظر الى صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية «سي آن آر بي آس» ومن مصلحتهم عدم المساس بطريقة احتساب جراياتهم. أما البقية وعددهم أكبر بكثير ويصل الى سبع مائة وخمسين ألفا، فإنهم راجعون بالنظر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي «سي آن آس آس» وهم لا يخضعون لقاعدة التعديل الآلي للجرايات كلما تحصل مفاوضات للترفيع في الأجور بل يتم تعديل جراياتهم فقط عندما يقع الترفيع في الأجر الادنى المضمون «السميق». كما يوجد بون شاسع بين معدل جرايات المنتمين للقطاع العام، ويبلغ هذا المعدل 1200 دينار، وبين معدل جرايات المنتمين للقطاع الخاص ويساوي أربعمائة وخمسين دينارا. ولا شك أن هذا الفصل سيطرح من جديد في الجلسة العامة وسيحظى بنقاشات معمقة. حق غير قابل للسقوط ينص مشروع القانون في صيغته المعدلة من اللجنة على أن الحق في جراية التقاعد وجراية الباقين على قيد الحياة غير قابل للإحالة ولا للسقوط، وعلى أن لا يتم صرف مخلفات الجراية وتوابعها التي لم يتم تسديدها إلا في حدود مدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق مع مراعاة الأحكام الأكثر امتيازا المنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية للضمان الاجتماعي المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية. وبناء على ما جاء في الصيغة التي صادقت عليها اللجنة، تحدد سن الإحالة على التقاعد باثنين وستين (62) سنة، وتحدد بسبع وخمسين (57) سنة بالنسبة للعملة الذين يقومون بأعمال منهكة ومخلة بالصحة على تضبط قائمة هذه الأعمال بعد استشارة الهياكل والمصالح المختصة بأمر حكومي وتتم مراجعتها بصفة دورية كلما اقتضى الأمر. وتتم الاحالة على التقاعد بالنسبة للأعوان الذين يمارسون وظائف مرهقة بعد قضاء خمسة وثلاثين ( 35) سنة عملا وبلوغ سن السابعة والخمسين (57) على الأقل، ونفس الشيء يقع ضبط قائمة الوظائف المرهقة بأمر حكومي وتتم مراجعتها بصفة دورية كلما اقتضى الأمر. وتحدد سن الإحالة على التقاعد بسبع وخمسين(57) سنة بالنسبة لأعوان السلك النشيط وتضبط بمقتضى أمر حكومي قائمة هذا الصنف من الأعوان. تنفيل صادقت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية على اسناد تنفيل بمدة تساوي المدة المتبقية لبلوغ سن الثانية والستين لفائدة: العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي وأعوان المصالح النشيطة للديوانة الذين أصيبوا بجروح تعرضوا لها أثناء الشغل والتي جعلتهم عاجزين نهائيا عن ممارسة نشاطهم، والأعوان الذين أصيبوا أثناء الشغل بعجز تبلغ نسبته 80 بالمائة على الأقل ناتح عن جروح تعرضوا لها خلال أو بمناسبة عمليات الدفاع عن الوطن أو سلامته أو النجدة في صورة الكوارث الطبيعية، والأعوان الذين أحيلوا على التقاعد الوجوبي على أن لا يتجاوز مردود هذا التنفيل نسبة 20 بالمائة من المرتب الذي يقع على أساسه تصفية الجراية وتضبط صيغ وإجراءات تعديل الجرايات بمقتضى أمر حكومي. ويكتسب الحق في الجراية العسكرية للتقاعد عند بلوغ السن القانونية وتبلغ اثنين وخمسين سنة بالنسبة لرجال الجيش، وسبعة وخمسين سنة بالنسبة لضباط الصف وستين سنة بالنسبة للضباط الاعوان واثنين وستين سنة بالنسبة للضباط القادة والضباط السامين. ويكتسب الضباط القادة والضباط السامون الحق في الإحالة على التقاعد بعد قضاء سبعة وثلاثين (37) سنة في العمل مع بلوغهم سن السابعة والخمسين(57) سنة. ويضاف إلى مدة الخدمات المحتسبة في تصفية جراية التقاعد تنفيل يساوي المدة التي بقيت لبلوغهم سن الثانية والستين (62) سنة بالنسبة للعسكريين المحالين على التقاعد وجوبا، والعسكريين البالغين السن القانونية للتقاعد المتعلقة برتبهم والمكتسبين الحق في جراية. ويشار الى ان المقصود بالتنفيل هو اضافة مدة من السنوات الى سنوات النشاط الفعلي المعتبرة في جراية التقاعد أي ان العسكري يمكنه ان يخرج في التقاعد بعد خمسة وعشرين سنة اقدمية بمعنى انه عندما يلتحق بالعمل في سن العشرين يمكن ان يخرج في التقاعد وهو في سن الخامسة والاربعين وبفضل التنفيل يحصل على جرايته كما لو انه واصل العمل الى سن الستين. عقوبات صادقت اللجنة على فصل تسلط بموجبه على الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والمؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية والشركات الوطنية والهيئات الدستورية المستقلة والهيئات العمومية خطايا تأخير في صورة عدم قيام المشغل بخصم المساهمة من مرتب العون شهريا وتحويلها إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية في أجل لا يتجاوز اليوم الخامس من الشهر الموالي. وتبلغ نسبة خطايا التأخير واحد فاصل خمسة بالمائة، عن كل شهر تأخير أو عن كل جزء منه وتحتسب من مبلغ المساهمات المستوجبة أو جزء منها. ترفيع اختياري بالإضافة الى اقرار الترفيع بسنتين بصفة اجبارية في سن التقاعد والتصويت على فصل يعوض سن الستين بسن الثانية والستين، صادقت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية على اعطاء امكانية الترفيع الاختياري لمن بلغوا السن القانونية الجديدة للتقاعد في كل الاسلاك المنتسبة للوظيفة العمومية بسنة واحدة أو بسنتين أو بثلاث سنوات وذلك باستثناء العسكريين الذين لا يتم تمتيعهم بخيار الترفيع الاختياري الا بموافقة وزارة الدفاع الوطني. ويتعين على الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، بناء على الأحكام التي مررتها اللجنة اعتماد منظومة معلوماتية خاصة بمواكبة الحياة المهنية للمنخرطين وبمسك حساباتهم الفردية تقوم على التبادل الآلي والفوري للمعلومات بينه وبين المشغل عند قيامه بالتصريح بالمساهمات وبالمحجوزات الراجعة إلى الصندوق. ويجب أن تكون عملية تبادل المعلومات بين الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والمشغل بصفة شهرية ومنتظمه عند صرف الأجور والمرتبات وذلك بواسطة سجلات إعلامية. اما المشغل فيجب عليه قبل توجيه السجلات بمختلف أنواعها والكشوفات الإجمالية إلى الصندوق، التثبت من التطابق التام بين المبالغ الجملية المضمنة بالكشوفات الإجمالية للمساهمات والمحجوزات ومجموع المبالغ المضمنة بهذه السجلات وذلك لضمان حسن استغلالها من قبل الصندوق وايضا لضمان مصداقية المعلومات المضمنة بها وقابليتها للاستعمال ولإسناد الحقوق والمنافع المخولة للمنخرطين. ويتولى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية في موفى كل 5 سنوات وعند تصفية الجراية، موافاة المنخرطين بكشف مفصل يتضمن البيانات المسجلة بحساباتهم الفردية وكيفية تطورها وفترات النشاط المعتبرة ضمن الأقدمية المكتسبة بعنوان التقاعد. تعديل المساهمات بعد نقاشات مطولة رأت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية تعديل الفصل الرابع من مشروع القانون المعروض عليها والمتعلق بالمساهمات المستوجبة بعنوان التقاعد وكان التعديل في اتجاه التخفيض بعض الشيء في المساهمة المحمولة على كاهل العون. وبموجب الصيغة المعدلة من اللجنة يتم الترفيع في المساهمات المستوجبة بعنوان التقاعد بنسبة 3 بالمائة توزع كما يلي: بداية من أول جانفي 2019: 2 بالمائة على كاهل المشغل، وصفر فاصل خمسة وعشرين بالمائة على كاهل العون، ثم صفر فاصل خمسة وسبعين بالمائة على كاهل العون ابتداء من شهر جويلية 2019 اي ان نسبة الواحد بالمائة المثقلة على كاهل العون سيقع تقسيطها. وصادقت اللجنة على احكام انتقالية يتم بموجبها الترفيع في سن التقاعد الجاري به العمل حاليا بسنة واحدة بداية من أول جانفي 2019 بالنسبة للأعوان الذين ستتم إحالتهم على التقاعد طيلة سنة 2019. ويمكن لهؤلاء لاحقا اختيار الترفيع في سن إحالتهم على التقاعد بسنة، أو بسنتين، أو بثلاث سنوات أو بأربع سنوات. وسيتم الترفيع في سن التقاعد الجاري به العمل حاليا بسنتين بداية من أول جانفي 2020 بالنسبة للأعوان الذين سيحالون على التقاعد طيلة سنة 2020 ويمكن لهؤلاء الاعوان اختيار الترفيع في سن إحالتهم على التقاعد بسنة أو بسنتين أو بثلاث سنوات. أما الاطباء والاساتذة الجامعيين الذين يتقاعدون حاليا في سن الخامسة والستين فمن حقهم هم ايضا التمديد الى حدود سبعين سنة كحد أقصى. وفي كل الحالات يجب على العون في صورة اختيار الترفيع في سن الإحالة على التقاعد، تقديم مطلب كتابي إلى المشغل وذلك ستة أشهر قبل تاريخ بلوغ سن الإحالة على التقاعد، ويتولى المشغل إحالة مطالب اختيار الترفيع في سن الإحالة على التقاعد إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطه الاجتماعية حال توصله بها. ويعتبر الاختيار الذي تم اعتماده من قبل العون المعني نهائيا وغير قابل للرجوع فيه. كما يمكن للأعوان الذين هم في وضعية ابقاء بحالة مباشرة ان يمارسوا حق الاختيار في الترفيع في سن التقاعد في حدود المدة التي تفصلهم عن سن الخامسة والستين. وبعد المصادقة على مشروع القانون ستطلب لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية من مكتب مجلس نواب الشعب أن يحدد موعدا قريبا لعرضه على الجلسة العامة نظرا لأن أي تأخير في المصادقة عليه سيترتب عنه انعكاسات على التوازنات المالية المتوقعة لصندوق التقاعد.