بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ الهادي دحمان الخبير في الضمان الاجتماعي يكتب ل«الشروق»:مشروع الحكومة لتعديل جرايات التقاعد ... مخالف للدستور!
نشر في الشروق يوم 12 - 08 - 2018

القانون الجديد سيعمق الشرخ بين الأجيال وفيه مَسّ بمكاسب المتقاعدين
ملاحظات حول مشروع الحكومة المتعلق بمراجعة القانون عدد 12 لسنة 1985 المؤرّخ في 5 مارس 1985 الخاص بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد وللباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي.
عرفت المرجعية القانونية لأنظمة التقاعد بالقطاع العمومي تَواتُرًا لعديد التّعديلات والمراجعات لعلّ أهمّها القانون 85/12 المؤرّخ في 5 مارس 1985 . ورغم ما أثاره هذا القانون من جدلٍ يتعلّق بظروف استصداره فقد ترتّبت عن مراجعة القانون 5918 مكاسِبُ وحُقوقٌ تكرّست مبادئها بقيم الدستور والاتفاقيات الدّوّلية .
وتعود سلسلة المراجعات والتعديلات التي عرفها القانون عدد 12 لسنة 1985 إلى أسبابٍ ماليّةٍ بالأساس ناتجةٍ عن انخرام التّوازنات المحاسبيّة والماليّة للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، وهي حسب تقديري أسبابٌ هيكليّة تتعلّق بنظام الجرايات نفسِه ولا علاقة لها بما يتمّ تداولُه من زعم حول سخاء أنظمة الجرايات بالقطاع العمومي.
ولقد نصّت وثيقة شرح الأسباب التي تقدّمت بها الحكومة أخيرا على أسباب العجز الهيكلي الذي ما انفكّ يتفاقم لاسيما أن البوادر الأولى لاختلال التوازن المالي بدأت في الظهور منذ سنة 1992 تحديدا، وأرجعت وثيقةُ شرح الأسباب عواملَ العجز المالي إلى التحوّلات العميقة على المستويين الدّيمغرافي والاقتصادي التي عرِفتْها التّركيبة العُمريّة للمنخرطين المباشرين واتجاهها نحو التهرّم وتزايد نسبة المحالين على التقاعد سنويا.
كما أشارت الوثيقة إلى تراجع المؤشر الدّيمغرافي الذي يهمّ نسبة النشيطين مقارنة مع نسبة المنتفعين بجراية والذي تراجع من ٪6 سنة 1985 إلى 2.5 سنة 2016 بالإضافة إلى عامل تحسّن مؤمّل الحياة عند الولادة الذي بلغ 75 سنة وكذلك العديد من العوامل والإجراءات التي ساهمت في رسم ملامح الأزمة الهيكليّة لنظام الجرايات بالقطاع العمومي. ولئنْ برّرت وثيقة شرح الأسباب ما يعيشه القطاع فإنّ تناولها للخصائص الفنية لأنظمة التقاعد لم يكن موضوعيا بل تعلّق بأهمّ خصائص النظام التّوزيعي التي أقرّها القانون عدد12 لسنة 1985 في محاولةٍ جديدةٍ للتّراجع عن الأبعاد المجتمعية للحقوق المكتسبة التي يتمتّع بها حوالي 350 ألفَا من اصحابِ جراية بالقطاع العمومي.
وتهمّ الخصائص الفنية حسب نص الوثيقة :
1) احتساب الجراية على أساسِ آخرِ أجْرٍ أو أعلى أجرٍ تقاضاه المنخرط خلال حياته المهنية لمدّة سنتين متتاليتين.
2) اعتماد طريقة التّعديل الآلي للجرايات التي تتمثّل في مراجعة الجراية كلّما أُقِرّتْ زِيادةٌ في الأجور للمنخرط النشيط .
3) إمكانية بلوغ مبلغ الجراية 90 % من الأجر المعتمد لاحتسابها.
4) التّنفيل المسند إلى بعض الأصناف المهنية.
5) التمتّع الفوري بالجراية في سنّ مبكرة خاصة للعسكريين.
وفي مقابل هذه المؤشّرات لم تشملْ المراجعةُ المقترحة إلا بعض الفصول المتعلقة أساسا بنسبة المساهمات وسن الإحالة على التقاعد وقواعد مراجعة الجراية المتمثلة في التعديل الآلي للجرايات الذي حدّدته الوثيقة في عبارة «اعتماد طريقة التعديل الآلي للجرايات» في حين أن هذه الآلية تعتبر من أهمّ قواعد النظام التّعديلي والتّوزيعي للقانون عدد 12 لسنة 1985 على معنى أحكام الفصل 37 من القانون المذكور وليس طريقة معتمدة إداريا.
وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أنّ القانون عدد 12 لسنة 1985 عرف العديد من التعديلات والإجراءات التي تعلّقت أساسا بسنّ الإحالة على التقاعد والتعديل الآلي للجرايات ونسب المساهمات ويكوّن المشروع المقدّم حلقة جديدة ولا يرتقي إلى منزلة «إصلاح « الأنظمة والمبادرة بإستراتيجية إصلاح الصناديق الاجتماعية .
وحيث إن الإجراءات المقترحة تعدّ كلاسيكية وتمّ اعتمادها سابقا ولم تكن لها الجدوى المرتقبة في إصلاح نظام الجرايات، وحيث أن مردود الإجراءات المقترحة لن يمكن من ضمان التوازن المالي لأنظمة الجرايات بالقطاع العمومي سوى لفترة لا تتجاوز 24 شهرا على أقصى تقدير، وبدون معالجة الوضعية المالية العامة للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالدّيون المتخلّدة واحتساب ما تمّ تخصيصه من اعتمادات ظرفية خلال السنوات الفارطة، ونظرا لانتفاء صفة الإصلاح في المراجعات المقترحة والتي لا تتجاوز التعديلات الجزئية التي تهمّ أساسا دفع نسق التراجع في الحقوق الأساسية لأصحاب الجرايات فإنه تمكن الإشارة إلى ما يلي :
1) اتّسام موقف الحكومة بالتذبذب إلى حدّ التناقض بخصوص مراجعة سن الإحالة على التقاعد ففي حين تمثلت المقترحات الأخيرة في تأخير سنّ التمتع بالجراية والإحالة على التقاعد جاءت العديد من التشريعات في الاتجاه المعاكس وشجّعت على طلب الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية وأذكر منها القانون عدد 51 لسنة 2017 المؤرخ في 28 جوان 2017 المتعلق بضبط أحكام استثنائية للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العمومية وكذلك القانون عدد 5 لسنة 2018 المؤرخ في 23 جانفي 2018 المتعلق بالمغادرة الاختيارية للأعوان العموميين. ويتجلى بذلك غياب البعد الاستراتيجي للإصلاح كما يترجم هذا التناقضُ والتذبذبُ افتقادَ إرادةٍ واضحةٍ تشرك أهل الاختصاص وأصحاب المهن في مجال الجرايات والتقاعد بالقطاع العمومي، علاوة على أن هذا التوجه يتضارب مع الأهداف المرسومة والمتعلقة بتسقيف الكتلة الجملية للأجور بالوظيفة العمومية وخفضها إلى نسبة تقارب 17 % حسب مؤشرات الدّوائر الدوّلية والتي سوف تترجم في انحسار الانتدابات والتحكم في الزيادات في الأجور .
2) التّرفيع في نسب المساهمات بعنوان التقاعد بما قدره ٪3 (٪1 على كاهل العون و٪2 على كاهل المشغّل ) هو إجراء اعتمدته الدولة، لم يمكّنْ سوى من إثقال كاهل العون والدّولة باعتبارها مشغّلا ولم يخول في المقابل من معالجة أصل الاختلال في التوازن المالي، كما أن هذا الترفيع غالبا ما اقترن مع إجراءات أخرى تهمّ سنّ التقاعد والتّعديل الآلي للجرايات على غرار القانون عدد 43 لسنة 2007 المؤرخ في 25 جوان 2007
كما تجدر الإشارة إلى أن الدولة اتخذت العديد من الإجراءات بهدف الحد من العجز المالي لأنظمة الجرايات في حين غيّبت وثيقة شرح الأسباب تداعياتها على المضمون الاجتماعي وانعكاسها على التوازنات المالية للصندوق. وتهم هذه الإجراءات أساسا إحداث المساهمة الاجتماعية التضامنية في شكل ضريبة جديدة توظف لفائدة أنظمة الجرايات ضمن فصل قانون المالية الجديد ولم تحدّد إلى هذا اليوم مساهمة هذه الضريبة التي تم توظيفها على حساب المضمون الاجتماعي أساسا في تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي باعتبارها من الإجراءات الظرفية الواجب مراجعتها أو إقرارها عند إصلاح أنظمة التقاعد .
3) مراجعة التعديل الآلي للجرايات إذ أقرّ الفصل 37 من القانون عدد 12 لسنة 1985 حق صاحب الجراية في التعديل الآلي للجراية عند كل ترفيع في أي عنصر من العناصر القارة للمرتب الموافق للرتبة أو للوظيفة التي تمت على أساسها تصفية الجراية، كما يتم التعديل الآلي للجراية عند إحداث أي منحة قارة تتعلق بالرتبة أو بالوظيفة التي تمت على أساسها تصفية الجراية ويخضع التعديل الآلي للجراية إلى أحكام الفصول 9 و10 و11 و13 و36 من القانون المذكور .
أما من الناحية التاريخية فقد عرف هذا الفصل مراجعات متتالية لعلّ أهمها سنة 2002 والمراجعة الجذرية سنة 2007 بمقتضى القانون عدد 43 لسنة 2007 المؤرخ في 5 جوان 2007 وتهم المراجعات تحمل المنخرط والمشغل لقسط من المساهمات والتي جاءت على النحو التالي :
1985 : المساهمات المحمولة على المشغل والمنخرط لمدة 36 شهرا، أي أن صاحب الجراية أو المنخرط يتكفّل بدفع المساهمات بعنوان أي ترفيع أو تعديل لمدة 36 شهرا ويتكفل المشغل قياسا على ذلك بدفع مساهمته بنفس العنوان لمدة 36 شهرا كذلك .
2002 : المساهمات المحمولة على المنخرط طيلة مدة صرف الجراية على أن يتكفّل المشغّل بدفع 36 شهرا بعنوان مساهمات المشغل .
2007: أصبح المشغل يتكفل بدفع 36 شهرا في حين يتكفّل المنخرط بدفع المساهمات المحمولة عليه طيلة مدّة صرف الجراية ويتحمّل كذلك مساهمات المشغل بعد انقضاء فترة 36 شهرا .
ويعتبر بذلك القانون 43 لسنة 2007 بداية التراجع الفعلي عن المبدإ التوزيعي في نظام الجرايات حيث يتم تحميل المنخرط الأعباء المحمولة أصلا على المشغل ويترتّب عن هذا التعديل الحدّ من الانعكاس المالي بعنوان التعديل الآلي للجرايات لفائدة لصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.
كما ترتّب عن تطبيق هذا القانون تراجع فائدة التعديل الآلي للجرايات لفائدة صاحب الجراية بل وصل الأمر إلى حد تسجيل مفعول سلبي للتعديل الآلي للجراية خاصة بعد الشهر 36 اي منذ تحمل المنخرط الأعباء المحمولة عليه وعلى المشغل في الآن نفسه.
أما من الناحية العملية فان التعديل الآلي للجرايات لا يمثل سوى نسبة صغيرة مقارنة مع الحجم الجملي للجرايات بالقطاع العمومي والمقدرة سنويا بحوالي 3500 مليون دينار حيث لا يتجاوز مقدار التعديل الآلي للجرايات 190 مليون دينار أي 5% من الكتلة الجملية للجرايات بعنوان سنة 2017 وذلك دون احتساب مردود دفع الأعباء المحمولة على المنخرط والمشغل والتي سوف يتكبّدها المنخرط كما أشرت سابقا.
كما تجدر الإشارة إلى أن نسق مراجعة الأجور بالقطاع العمومي وخاصة على مستوى المنشآت والمؤسسات العمومية قد عرف نسقا تصاعديا وتعديلات متتالية ومتواترة وذات انعكاسات مالية هامة، جعلت مصالح الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية غير قادرة على مواكبة نسق الزيادات في جانبيها المالي والترتيبي بما يستوجب تحيين المرجعيات والنصوص. يضاف إلى هذا العنصر العجز الذي تعرفه بعض القطاعات المنخرطة بالصندوق على غرار شركات النقل بأصنافها مما حال دون دفع مستحقات الصندوق الذي يحتاج إلى سيولة مالية تمكّنه من تعديل جرايات المؤسسات المعنية في الإبان وانعكس ذلك سلبا على مصداقية الصندوق وتزايد العرائض والنزاعات القانونية باعتبارها مؤشرا سلبيا سواء من حيث دفع مستحقا ت المضمون الاجتماعي أو كذلك في علاقة المواطن بالإدارة والمرفق العام عموما .
وتبرز من خلال العناصر الآنفة الذكر الحاجةُ إلى مراجعة قانون الجرايات بالقطاع العام في اتجاه تعصيره ومسايرته للتركيبة الاجتماعية الجديدة والحاجيات المستجدّة ومن أجل إضفاء مقاييس تجانس المرجعية القانونية وتجميعها في نص موحّد يضمن مبدأ حوكمة التصرف ومبادئ الشفافية
وحيث أن مقترح الحكومة لا يرتقي إلى هذه الدرجة ولا يخدم الأهداف المذكورة ولا ينصهر ضمن إستراتيجية الإصلاح للأزمة الهيكلية التي يعيشها القطاع بما يهدّد حقوق المضمون الاجتماعي ولا يكفل ديمومة الأنظمة وتوازناتها المالية. سوف يؤدي هذا المقترح إلى المس من الحقوق المكتسبة وخلق شرخ قانوني بين الأجيال والفئات الاجتماعية والمهنية ولا يكفل حقوق الأجيال القادمة حيث سينتج عنه تفاوت في الجرايات وعدم تجانس في الحقوق.
كما أن بعض الإجراءات عمقت وضعية الغموض وعدم التجانس في الحقوق على غرار الاعتماد الجبائي الذي تم إسناده إلى أعوان الوظيفة العمومية وعدم قابليته للتعديل الآلي للجرايات بما يتسبّب في تظلم أصحاب الجرايات وتسجيل خسارة في موازنة الصندوق حيث لا يمكن إخضاع هذا الاعتماد للاقتطاع والمساهمات بعنوان التقاعد زيادة على العجز في الضريبة والأداءات بالنسبة إلى المالية العمومية.
أما من الناحية الإجرائية فإن مقترح الحكومة لا يستند إلى مقاييس ومؤشرات موضوعية يمكن للصندوق اعتمادها آليا وبصفة مباشرة ذلك أن الفصل 37 جديد يرجع تعديل الجرايات إلى صبغتها الدّورية في إطار المفاوضات المتعلقة بالأجور في القطاع العمومي بالاستناد إلى النسب السنوية للنمو الاقتصادي والزيادة في الأجور في القطاع العمومي والتضخم على أن تضبط صيغ وإجراءات تعديل الجرايات بمقتضى أمر حكومي
وجلي أن هذا المقترح لا يستند إلى مؤشرات موضوعية ولم يحدد الجهة التي ستتكفل بتوفير هذه النّسب ومدى التوافق حولها بين الأطراف الاجتماعية.
وعليه، فان القانون عدد 12 لسنة 85 يحتاج الى مراجعة شاملة تكون موضوع تفاوض معمق يتأسس على معطيات واضحة ونظرة استشرافية تعتمد الدراسات الأكتوارية بتشريك كفاءات القطاع وذوي الاختصاص. أما الزيادة في نسب المساهمات أو مراجعة سن الإحالة على التقاعد فإنها لا تتجاوز أفق تهوئة المنظومة ولا ترتقي الى درجة الإصلاحات الهيكلية .
ويبقى الفصل 37 جديد حجر الزاوية في المراجعة المقترحة بتمرير التراجع عن المكاسب دون ضمان حقوق كل الأطراف والأجيال بما يفضي إلى الاعتراض على الصيغة المقدمة وتحديد مقاييس وشروط موضوعية تكفل ديمومة الأنظمة في إطار دعم الحماية الاجتماعية وحسن توظيف التحويلات الاجتماعية وفق المبادئ الكونية للضمان الاجتماعي. أما بالنسبة إلى بقية الفصول المقترحة على أهميتها فإنها تبقى من باب الإجراءات العملية التي تتطلب نصوصا ترتيبية خاصة خارج قانون الجرايات إذ أن التبادل الآلي للمعطيات أو برنامج الحسابات الفردية ومواكبة الحياة المهنية يبقى رهين اعتماد خطة إصلاح إداري بمراجعة المنظومات المعلوماتية وتكوين الأعوان وإرساء مبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة بما يدعم آليات المراقبة والاستخلاص. وتتعلّق هذه الملاحظة بمضمون العنوان الثاني (ثالثا) في باب مواكبة الحياة المهنية ومسك الحسابات الفردية حسب الفصل 71 خامسا والفصل 71 سادسا من مقترح الحوكمة.
وخلاصة القول إن المشروع الذي تمت إحالته إلى مجلس نواب الشعب قصد استصداره في شكل نص قانوني خارج أطر الحوار الاجتماعي يعتبر تراجعا جليا عن أحد أهم الفصول القانونية التي مكّنت أصحاب الجرايات من مواكبة منظومة الاختيارات الاقتصادية القائمة على الترابط بين مؤشرات الأسعار وتطور الأجور من أجل المحافظة على المقدرة الشرائية من ناحية وضمان التوازن المجتمعي لشريحة الأجراء وأصحاب الدخل من الفئات المتوسطة من ناحية أخرى.
كما يتجلى تضارب توجه المراجعة المطروحة مع مبادئ الدستور وقيمه التي تأسست على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية بين مكونات المجتمع في إطار الحوار الاجتماعي والمفاوضات خاصة أمام ما تعرفه فئة المتقاعدين وأصحاب الجرايات من تطور عددي يتطلب أخذها بعين الاعتبار في كل التشريعات ومخططات التنمية.
* الهادي دحمان مدير مركزي سابق للجرايات بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وخبير في مادة الضمان الاجتماعي والعلاقات المهنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.