تخضع منظومة الرقابة في تونس إلى ثلاث هيئات رقابية عمومية تعود بالنّظر لوزارات مختلفة وهي هيئة الرقابة العامّة للمصالح العموميّة والتّي تتبع رئاسة الحكومة والرقابة العامة للماليّة والتي تتبع وزارة المالية والرقابة العامّة لأملاك الدولة والشؤون العقارية والتّي تعود بالنظر لوزارة أملاك الدولة والشّؤون العقارية. إلى جانب هذه الهيئات الرقابية نجد الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية، تأسست في19 أفريل 1993، وتخضع إلى إشراف رئاسة الجمهورية التونسية. تتمثل مهام الهيئة الرسمية حسب ما ورد في القانون عدد 50 لسنة 1993 المؤرخ في 3 ماي 1993 في تأمين تنسيق برامج تدخل هياكل الرقابة العامة والتفقد التي تحال للهيئة في مفتتح كل سنة ويتم على ضوئها ضبط البرامج الدورية لتدخل الهياكل المذكورة. تعدد التقارير الرقابية إلى جانب دراسة واستغلال التقارير التي تعدها كل من دائرة المحاسبات وهيئات الرقابة العامة والتفقديات الوزارية، تتولى الهيئة تأمين متابعة مدى تنفيذ التوصيات المضمنة بهذه التقارير وتتقدم في الغرض بمقترحات بخصوص الإجراءات الكفيلة بتلافي النقائص وتحسين طرق التصرف. كما يجوز لها توجيه توصيات إلى الأطراف المعنية، لإحالة المخالفين أمام القضاء الجزائي أو دائرة الزجر المالي. رغم هذه التوضيحات ووفق الوضع الراهن من تفش للفساد المالي وسوء التصرف الإداري يتساءل كثيرون عن مآل التقارير الرقابية التي تُعدّها مختلف هذه الهيئات وخاصة منها تقارير دائرة المحاسبات. ومن الأسئلة المتداولة والمتواترة هل تتمّ فعلا المحاسبة وهل تتمّ مقاضاة من ثبت عليهم تُهم الفساد؟ تجدر الإشارة إلى أنّ القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 ضبط نطاق تدخّل دائرة المحاسبات وأقرّ لها سلطة واسعة. فهي تختص بالنظر في حسابات وتصرف الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية وجميع الهيئات مهما كانت تسميتها والتي تساهم الدّولة أو البلديات أو الولايات في رأس مالها. كما تقوم بتقدير نتائج الإعانة الاقتصاديّة أو الماليّة التي تمنحها الهياكل المذكورة آنفا للجمعيات والتعاونيات والمؤسسات والهيئات الخاصة مهما كانت تسميتها. وفضلا عن ذلك تباشر الدّائرة مراقبة على أموال الأحزاب السياسيّة كما يمكنها إنجاز مهمات لمراقبة حسابات هيئات أو منظمات دولية. في هذا السياق أنجزت الدائرة 167 تقريرا رقابيا تمّ نشرها منذ سنة 2006، أما منذ الثورة فقد نشرت 78 تقريرا منها 17 تقريرا سنة 2017، ثلاثة تقارير سنة 2016 ، 17 تقريرا سنة 2014 نشر 21 تقريرا وسنة 2012 و20 تقريرا سنة 2011. إلى جانب هذه التقارير نشرت دائرة المحاسبات 7 تقارير في أخطاء التصرف المالي صدرت منذ 2003 إلى سنة 2012، إلى جانب 10 تقارير لغلق الميزانيات من سنة 2009 إلى حدود سنة 2018. بالإضافة إلى ذلك نجد على الموقع الرسمي للدائرة 4 تقارير من التحاليل المالية وهي تقرير تحاليل مالية لسنة 2009 صدر في سنة 2015، وتقرير التحاليل المالية لسنة 2008 صدر في سنة 2010 وتقرير التحاليل المالية لسنة 2007 صدر سنة 2009 وتقرير تحاليل المالية لسنة 2005 صدر في نفس السنة. مآل التقارير لدائرة المحاسبات 4 تقارير خصوصية وهي التقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2014 صدر سنة 2015، والتقرير العام حول نتائج تمويل الحملة الانتخابية لعضوية مجلس نواب الشعب لسنة 2014 وصدر أيضا سنة 2015. إلى جانب ذلك أصدرت الدائرة تقرير رقابة حول العمليات المالية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلقة بانتخابات أكتوبر 2011 والذي صدر سنة 2013 بالإضافة للتقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الانتخابية لعضوية المجلس الوطني التأسيسي لسنة 2011 الصادر سنة 2012. بناء على هذه المعطيات يُطرح التساؤل من جديد عن مآل هذه التقارير وما هي الإجراءات المتّخذة تجاه التجاوزات والإخلالات؟ في هذا السياق أوضحت القاضية بدائرة المحاسبات شيراز التليلي في تصريح ل»الصباح الأسبوعي» أنّ «التقارير التي تُعدّها الدائرة ترسل إلى الرئاسات الثلاث وهي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، تتضمن مجموع الإخلالات والتوصيات التي تُمكن من تجاوزها ومعالجتها لإصلاحها خاصة وإذا كان الخلل هو نتيجة لنصّ قانوني». وأضافت التليلي أنّ «هناك إخلالات تستوجب تدخّل السلط العليا باتخاذ القرارات الواجبة للتعديل والإصلاح، وهناك إخلالات أخرى ذات صبغة جزائية وصبغة خطأ تصرف الذي يحال إلى دائرة الجزر المالي، وإذا كانت خللا جزائيا يتمّ إحالتها للقضاء العدلي». كما بيّنت قاضية دائرة المحاسبات أنّ «الإحالة إلى القضاء العدلي يمكن أن تقوم بها دائرة المحاسبات ولكن لا شيء يمنع الوزارة أو الإدارة أو الهيكل المعني بأن تقوم بنفس المهمة وإحالتها على القضاء». متابعة التقارير السابقة في ذات السياق قالت شيراز التليلي إنّ «المتابعة تتم بطريقتين الأولى تتعلق بمتابعة أي هيكل وقعت مراقبته في السابق وبعد مدة تتم برمجته من جديد للنظر في مدى تجاوز الإخلالات التي رُصدت ومدى إصلاحها، أما الطريقة الثانية وفق التغييرات المحدثة في عمل الدائرة فإنّه بإمكان برمجة مهمات متابعة خاصة بتقارير سابقة». أما في ما يتعلّق بالملفات المحالة على القضاء العدلي أكّدت التليلي أنّ «دور الدائرة يقف عند الإحالة باعتبار أن الدائرة تُعدّ سلطة قضائية باختلاف التخصص بين القضاء المالي والقضاء العدلي، وفي أغلب الأحيان ليست لدينا الدراية الكافية بمآل الملفات باعتبار طول إجراءات القضاء العدلي والتي يتطلب البت في ملفاته فترة طويلة». وأضافت «إلى حدّ الآن ووفق علمي لم يتمّ تبليغنا بأي قضية وقع البتّ فيها علما وأنّ القضاء العدلي غير ملزم بالمرة بتبليغنا بمآل أي قضية لأنها خرجت من عهدة دائرة المحاسبات وأصبحت من مشمولات القضاء العدلي وفق اختصاص كلّ جهة». من جهته أكّد رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية كمال العيادي في تصريح ل«الصباح الأسبوعي» أنّ «من مهام الهيئة تأمين تنسيق برامج تدخل هياكل الرقابة العامة والتفقد التي تحال للهيئة في مفتتح كل سنة ويتم على ضوئها ضبط البرامج الدورية لتدخل، إلى جانب ذلك إبداء الرأي فيما يعرض عليها من استشارات بخصوص مشاريع النصوص التشريعية أو الترتيبية ذات العلاقة بتطوير طرق التصرّف العمومي وأساليبه أو تحسين جدوى عمل هياكل المراقبة الإدارية والمالية وتنفيذ التوصيات الكفيلة بتدارك النّقائص وتلافي الإخلالات، بما من شأنه أن يضع حدّا لإهدار المال العمومي». غير أنّ الإشكال وفق قول العيادي أنّ «حجم التجاوزات والاخلالات تجاوز الحدود والنظر فيها حالة بحالة أصبح بصعوبة بمكان ما يستدعي تغيير وجوبي في السياسات والتوجهات حتى يتمّ إصلاح المرفق العمومي والحد من سوء التصرف المالي والإداري».