لم تخل كلمات رئيس الحكومة أمس أمام مجلس نواب الشعب من القصف المباشر الذي استهدف عددا من الشخصيات التي حاولت خلال الأشهر السبعة الماضية خلق أزمات مختلفة هدفها إرباك العمل الحكومي وإسقاط الشاهد على خلفية الخلافات الحادة مع حزب نداء تونس. ولئن نجح رئيس الحكومة في تحييد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في معرض حديثه أمس، فإنه فتح النار على من اعتبرهم "أصدقاءه" بعد محاولاتهم المتكررة إرباكه وخلق مناخ متوتر سياسيا مما زاد في ضبابية المشهد وأضر بالعلاقة بين مختلف الفواعل الحزبية. وقال الشاهد في هذا السياق: "لقد عملت الحكومة تحت قصف سياسي عشوائي، كانت النيران الصديقة فيه أقوى من نيران المعارضة. وهذا أربك عملها وأحدث حالة من الضبابية غير الصحية في نظام ديمقراطي". وكانت حكومة الشاهد قد عاشت خلال الأشهر السبعة الأخيرة على وقع أزمة حادة انطلقت مع دعوة حزبي نداء تونس والاتحاد الوطني الحر لإسقاطها، لتكون النقطة 64 من وثيقة قرطاج هي النقطة التي أفاضت كأس العلاقة بين نداء تونس ورئيس الحكومة، لتتوتر العلاقة بينهما اكثر مع تمسّك حركة النهضة بالإبقاء على الشاهد كضمانة للاستقرار السياسي والحكومي، وقد عملت حركة النهضة على تدوير الزوايا الحادة للتخفيف من عبء تمشي النداء والقاضي بإسقاط الشاهد، إلا ان الحركة لم تنجح بسبب الإصرار الحاد لبقايا النداء الذين خيروا الهروب إلى الأمام جاعلين من إبعاد الشاهد بداية لعودة الحوار. ورغم استعماله لعبارة "أطراف" إلا أنه كان واضحا أنه كان يقصد جزءا من حزبه يتهمه بالعمل ضده والتشويش عليه وإرباكه، وهي حقيقة كان قد كشفها الشاهد نفسه في كلمته المتلفزة خلال شهر رمضان المنقضي حيث اتهم فيها المدير التنفيذي بعرقلة سير الحكومة. وقد أعاد رئيس الحكومة امس امام البرلمان توجيه نفس التهمة لحافظ قائد السبسي ومجموعته بالقول إن "سبب عدم الوضوح، وجود عدة أطراف كانت تصنّف نفسها في خانة الحكم، عملت في الحقيقة ضد الحكومة، ولم تضيّع الفرصة لإرباكها والتشويش عليها، ويصحّ عليهم القول: قلوبهم معك وسيوفهم عليك". كلمات رئيس الحكومة يوسف الشاهد امس امام مجلس نواب الشعب لا يزال يتردد صداها داخل مواقع الاتصال الاجتماعي وأساسا تلك الجملة التي توقف عندها عدد واسع من الفايسبوكيين وهي "قلوبهم معك وسيوفهم عليك" وهي ذات دلالات تاريخية عن الغدر وعدم الايفاء بالوعود. وقد ذكر التاريخ ان الحسين بن علي بن أبي طالب خرج من مكة إلى العراق بصورة علنية لرفع راية الحكم العادل وتأكيد البيعة التي قدموها إليه قبل تحركه من مكة، وأثناء توجهه إلى العراق، كان الشاعر «الفرزدق» في الاتجاه المعاكس حيث التقى الحسين الذي سأله عن أخبار أهل العراق بعد اعلان البيعة، فقال له الفرزدق : «قلوب الناس معك وسيوفهم عليك». وفِي محاولة منه لنفي صبغة الانقلاب على رئيس الجمهورية توجه الشاهد بالحديث ضمنيا للباجي قائد السبسي قائلا إن "التحوير الوزاري المعروض اليوم أمام البرلمان، تم على أساس احترام تام للدستور الذي يعطي رئس الحكومة صلاحيّة مطلقة في اختيار الوزراء وكتّاب الدولة، طالما لم يتعلقّ الأمر بحقيبتي وزارتي الخارجية والدفاع"، ملاحظا أن "الخلاف في الديمقراطيات أمر وارد ولكن يجب أن يتم حله داخل الأطر الدستورية، وفي ظل احترام الدستور". وحتى يحيّد الباجي قائد السبسي، ثمّن الشاهد التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية والتي أكد فيها على علوية الدستور وضرورة احترام أحكامه، باعتباره المخرج الوحيد لأية أزمة سياسية"، موضّحا أنه "لم يهدف بالتحوير الإساءة لرئيس الجمهورية ولا الإنتقاص من الدور الذي يضطلع به في النظام السياسي". كما توجه الشاهد بالحديث إلى من حاولوا الإيقاع بينه وبين رئيس الجمهورية بالقول "للأشخاص الذين حاولوا ومازالوا يحاولون، خدمة لمصالح شخصية ضيقة، أن يثيروا الفتنة وأن يعملوا على القطيعة بيننا ورئيس الجمهورية، أقول لهم: إننا لن نسمح بهذا، لأننا أول وأكثر من يعترف بالدور التاريخي للرئيس الباجي قائد السبسي في الإنتقال الديمقراطي في البلاد". وقد سعت كتلة النداء للتأثير على الجلسة العامة أمس للحيلولة دون التصويت على الحكومة الجديدة، ليعلن سفيان طوبال رئيس كتلة نداء تونس في تصريح للوطنيّة الثّانية أنّ كتلة النّداء قاطعت جلسة منح الثّقة لتركيبة حكومة الشّاهد، واعتبر أنّ هذا التحوير سياسي بحت ومحاولة انقلاب ولا يمثّل نتائج انتخابات 2014. وأضاف أنّ التحوير الوزاري لا يؤشر إلى العمل على تجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. يشار إلى أن الحزب وكتلته النيابية قد شهدا خلال 24 ساعة الاخيرة استقالة الناطق الرسمي باسم الحزب والنائب منجي الحرباوي الذي قال في تدوينة له "النداء لم يعد نداء، فقد أصبح ضجيجا وصراخا ونشازا لا يطاق".