هل هو ربيع فرنسي يهدد عرش ماكرون؟ قد يبدو المشهد أول أمس بفرنسا مثيرا للاهتمام نظرا لطبيعة التحركات الاحتجاجية وحجمها ومطالبها. فالفرنسيون الذين ارتدوا السترات الصفراء لم يتظاهروا استجابة لدعوة زعيم ذي مهارات خطابية أو هيكل نقابي يدافع عن مصالح منظوريه، وإنما نظم المحتجون احتجاجاتهم ونسقوا وقفاتهم عبر شبكة الانترنت. ولم يتخذوا من العاصمة باريس فقط مجالا لتحركاتهم الاحتجاجية. أما مطالبهم فلم تنته عند أسعار المحروقات بل وصلت إلى المطالبة برحيل ماكرون نفسه وبقي المحتجون في صراع مع قوات الأمن من أجل الاقتراب أكثر ما يمكن إلى قصر الإيليزيه ليلة السبت –الأحد، بالرغم من أن ماكرون لم يقض ليلته فيه. مشهد مثير للاهتمام لأنه شبيه في ذاكرتنا القريبة بمشاهد انطلقت بها ما سمي بثورات الربيع العربي وحتى ببعض الحركات الاحتجاجية العفوية في أوروبا. وهكذا يصطف المحللون في البلاتوهات الفرنسية للحديث عن هذه السابقة ولكن في الآن ذاته عن صعوبة إيجاد طرف لتتفاوض معه الحكومة أو تجد من يحاورها للاستجابة إلى مطالب المحتجين أو الوصول معهم إلى منطقة وسط. فهذه التحركات الهلامية التي جاءت استجابة لنداءات على الانترنت أدت إلى مواجهات محتدة ومقتل امرأة وجرح أكثر من 200 شخص. المقاربة أمنية طيلة يوم السبت كانت المقاربة الرسمية للاحتجاجات مقاربة أمنية بالأساس، فلم يخرج عليهم الرئيس الفرنسي الشاب القريب من مواطنيه والمتمكن من استخدام السوشيال ميديا، المتتلمذ على يدي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مجال التسويق السياسي بفيديو على صفحته على الفايسبوك يخاطب فيه المواطنين أو يهدئ من روعهم أو حتى بمداخلة موجهة لوسائل الإعلام الفرنسية يخرج عليهم فيها بخطابته المعهودة وعباراته المنمقة وابتسامته المؤثرة. المقاربة التي اتخذتها الحكومة في التعامل مع هذه الاحتجاجات كانت أمنية فقط من خلال تصريح وزير الداخلية الفرنسية بتقديم حصيلة اليوم من احتجاجات ونتائجها مؤكدا على أنه من حق المواطنين ممارسة حقوقهم في الاحتجاجات ومعتبرا أن الاتجاه نحو العنف لدى البعض يعد هو فقط ما يجب ان يدان. في مواجهة غلاء الأسعار أما عن المطالب الاجتماعية التي رددها المتظاهرون أو صرحوا بها لكاميرات التلفزات الفرنسية الباحثة عن فهم أسباب غضبهم فكانت تتعلق بشكل مباشر بارتفاع أسعار المحروقات التي فرضت عليها الحكومة ضرائب إضافية.وأيضا بتراجع مقدرتهم الشرائية وعدم تمكنهم من تغطية مصاريفهم اليومية من خلال رواتب ضعيفة غير قادرة على منافسة النسق التصاعدي الذي تتخذه الأسعار. فقد عبر أكثر من 125 ألف متظاهر عن أنهم يضيقون ذرعا بأسلوب ماكرون السياسي وخياراته الاقتصادية وإهماله للفقراء الذين لا يوليهم الأولوية. دائما ما يدفع فاتورة الأزمات الاقتصادية -وهو أمر تعيشه فرنسا- الطبقات الأقل حظا ممن لم يسمح لهم المناخ الاقتصادي بالقفز فوق عتبة الفقر أو محدودية الدخل. لذلك ارتدى فرنسيون السترات الصفراء التي يفرض القانون الفرنسي على أصحاب السيارات ارتداءها في حال العطب أو الخطر لإنذار بقية مستخدمي الطريق. وهم بذلك ينذرون بقية الفرنسيين بأن ضعف اقتصاد البلاد يؤثر وبشكل مباشر في حياة فئات لم تعد قادرة على أن تدفع فاتورة الخيارات الاقتصادية لحكام فرنسا.