مؤمن فايز مصور صحفي فلسطيني من حي الشجاعية بقطاع غزة تحول الى اسطورة لنضال شباب القطاع في مواجهة احد أعتى وأفظع أنواع الاحتلال الذي عرفه العالم, وهي واحدة من أساطير فلسطينية كثيرة ارتبطت بالقطاع حيث يعيش نحلو مليوني فلسطيني حصارا غير انساني لم تعرف قيوده بعد. الحديث الى المصور الشاب مؤمن فايز لا يتنزل في اطار الحوارات الصحفية الكلاسيكية, فعندما تجلس امام هذا الشاب بما بقي من جسده الذي قصفته صواريخ الاحتلال سيعجز لسانك ان تسأله عن مشاعره اليوم بعد الحادث الذي تعرض له في عندما استهدف مباشرة من صواريخ الاحتلال ولن تسعفه الصدرية الزرقاء وعلامة صحافة الواضح بالانجليزية والعربية عليها فعدوه لا يعترف بقانون دولي ولا باتفاقيات جنيف ولا باي اتفاقات انسانية لحماية حقوق الانسان في حالات الحرب او السلم فكيف عندما يتعلق الامر بصحفي وشاهد وموثق ومؤرخ للجريمة.. كان من الصعب منذ البداية اجراء هذا الحوار ولكن عاشق الكاميرا المصور البطل الذي يرفض هذه الصفة جعل المهمة ميسرة ولم يتردد في التوقف عند تفاصيل المعركة المستمرة في مواجهة ظلم الاحتلال.. فكان الحديث عن حلم شاب فلسطيني يولد من العدم وارادة تعجز كل لغات العالم في نقلها وحكاية من حكايات كثيرة في غزة لم تنقل للعالم.. ومنها حكاية أم اصيب ابنها برصاص الاحتلال ولم تجد منفذا الى المشفى ولم تصلهت سيارات الاسعاف فاخذت تخيط جراحه مستعملة الابرة والخيط وهي تعتقد أنها ستوقف النزيف وتنقذ حياته, وحكاية طفلين شقيقين صعدا الى سطح البيت لاطعام العصافير فحولتهما الصواريخ الى أشلاء وحكاية شقيقتين وقعتا تحت الركام خلال العدوان الاخير على غزة و كانت احداهما ترشد الاخرى حتى تواصل التنفس تحت التراب.. ظل صوت الشقيقة يؤنس الشقيقة الثانية ويشجعها على التنفس والتمسك بالبقاء الى أن توقف الصوت وادركت أن شقيقتها توفيت بعد أن ساعدتها على الحياة... حكايات غزة يمكن ان تكون الى جانب كل حكاية فلسطينية في مواجهة الاحتلال موسوعة عن حجم المأساة الانسانية الفلسطينية في غياب العدالة الدولية.. مومن فايز الذي التقيناه على هامش منتدى "فلسطين تخاطب العالم "نهاية الاسبوع المنقضي في اسطمبول عنوان لمعركة الارادة الفلسطينية التي لا تنضب... عاشق الكاميرا... الهوية مؤمن فايز قريقع من مواليد 1987 بحي الشجاعية, اسم يعرفه أهل غزة فهو ابن شهيد ارتقى والده في الاسبوع الذي جاء فيه الى الحياة ولحقه بعد سنوات شقيقه بلال في 2004, مصور صحفي عشق الكاميرا وعشقته الكاميرا وهو من حمل على عاتقه مسؤولية تصوير معاناة أهل القطاع منذ أن امتهن الصحافة, وتداولت صوره وكالات الانباء العالمية بعد أن تحول الى شاهد عيان على ممارسات أسوا أنواع الاحتلال فيغزة. كان ذلك قبل أن تتحول حياته و يفقد مؤمن القدرة على التحرك واللهث وراء ملاحقة الهدف. يذكر جيدا مؤمن تلك الليلة في السابع من ديسمبر 2008 عندما كان يغطي العدوان على غزة أو ما عرف بعملية الرصاص المصبوب وكان يلبس السترة التي تظهر بوضوح أنه صحفي حينها كان بصدد ارسال التقرير عن حصار غزة واغلاق المعابر وأفواج البشر و البضائع العالة هناك عندما استهدف مرة أولى ليظل ينزف وينقل لاحقا الى مستشفى الشفاء في غزة وبأعجوبة ينجح الأطباء في انقاذ حياة مؤمن وقد كان كل من واكب ما تعرض له يعتقد أنه في عداد الشهداء, كان في سن الثالثة والعشرين عندما أصيب وفقد نصف جسده حدث ذلك اثناء عداد تقرير عن حصار غزة بالقرب من معبر الشجاعية "المنطار" أطلقت طائرة الاحتلال صواريخها عن مسافة قريبة ,ويقول مؤمن أنه لم يغب عن الوعي ولا لحظة و ظل واعيا بما يدور حوله ,و قد علم بأنه ساقيه بالكامل. ظل ينزف لمدة نصف ساعة حتى جاءت سيارة إسعاف أدخلته غرفة العمليات وفي ذلك الوقت تم نشر خبر استشهاده فكانت إصابته خطيرة للغاية. ويستعيد مؤمن ما بقي في ذاكرته في ذلك اليوم. لم يكد يغادر قاعة العمليات ويستعيد القدرة على التنقل على كرسي متحرك حتى بدأ العدوان الجديد على غزة وعاوده الحنين الى احتضان الكاميرا ومواصلة الرساسة التي لن يتركها بعد ذلك, وحتى وهو في المستشفى فقد كان يسعى لقنص اللحظة ونقل الصورة الى العالم و فضح جرائم الاحتلال.. لم تتوقف ماساة مؤمن مع القصف عند هذا الحد بل انه استهدف مجددا وهو في المستشفى عندما كانت الصواريخ الإسرائيلية تقصف مسجدا قرب المستشفى وتشاء الصدفة أن تكون غرفة مومن الأقرب الى المستشفى. وبعد رحلة علاج طويلة من غزة الى السعودية عاد مؤمن اليوم الى الميدان ليواصل مهمته في نقل الاحداث المصورة ولكنه عاد بعد أن فقد نصف جسده أو يكاد و لكن دون أن يفقد العزيمة و روح التحدي والإصرار فيه .يقول مؤمن فايز قريقع الذي التقيناه على هامش مؤتمر فلسطين تخاطب العالم بمرارة واضحة أنه كان بالأمس القريب ينقل صور الاخرين ويدون حكايات وأحداث الى العالم فبات اليوم صورة وحكاية ينقلها الاخرين عنه, ويقول"نعم ألتقط الصور واحكي من خلالها معاناة الناس واليوم أصبحت صاحب معاناة وفي الوقت ذاته أنا صورة وناقل للصورة ". كان صاحب الصورة الشهيرة للشهيد أبوشمالة الشاب المقعد الذي استهدفه رصاص الاحتلال نهاية العام المنقضي خلال مسيرا العودة في غزة, ويقول ان أبو شمالة كان صديقه الذي يفتقده بشدة, يقول أنه كان يعمل لحسابه الخاص free lanceو يرسل التقارير لعديد الوكالات. مؤمن مصور صحفي وهو يعتبر أنه صاحب رسالة وأن عليه مواصلة نقل الرسالة الى العالم ولكن الافتقار للامكانيات و أدوات السلامة يجعل الخطر قائم دوما فقبل أربعة اشعر أصيب خلال أداء الواجب بالاختناق, مومن يعتبر أن عنهجية وإرهاب الاحتلال في جزء منه مرتبط بلامبالاة العالم وتجاهله لممارساته الاجرامية مع المدنيين والإعلاميين وغيرهم. لم يتوقف عن تغطية الاحداث والحروب في غزة حتى بعد اصابته .الا ان الأوضاع تغيرت اليوم وتعقيدات الحياة دفعته الى السعي لمغادرة غزة التي ضاقت بأهلها وباتت سجنا يختنق داخله الجميع وقد باءت كل الجهود بالفشل في البداية و على مدى سنوات لم تتوفر فرصة المغادرة و منذ ثلاثة اشهر وصل مؤمن الى تركيا حيث يامل في الاستقرار والفوز بفرصة عمل كمصور صحفي ولكن أيضا كناشط من اجل السلام وهو يسعى لتنظيم المعارض والتنقل في مختلف انحاء العالم لنشر ثقافة السلام ووقف تجارة السلاح. من الأسباب التي دفعته لمغادرة غزة و بالإضافة الى شح الإمكانيات أنه لم يعد بامكانه التنقل بسهولة بعد الإصابةبالنظر الى البنية التحتية الهشة والطرقات غير المعبدة في غزة وهو اليوم اب لاربعة أطفال "جنا وسناء وهناء ومحمد". يعتبر مؤمن أنه صاحب قضية عادلة وهو يدرك ان هدا لا يكفي اليوم وعليه ابلاغ العالم برسالته وهو ما يقوم به في المنار الجامعية والإعلامية كلما دعي للحديث عن تجربته ونقل واحدة من حكايات غزة في التحدي وتجاوز الإحباط و الياس وإرادة الحياة. عن الحياة في غزة يقول مؤمن أنه كصحفي ولكن أيضا كانسان يشعر انه يعيش في صندوق مغلق لا يمكن الخروج منه, كان محور حياته في العدسة التي ينقلها حيثما يكون لنقل معاناة الناس وتوثيق اللحظة و لكن الامر أصبح صعبا بعد أن قطعت اطرافه .و يعتبر أن استعمال قوات الاحتلال الأسلحة المحرمة دوليا جزء من معركته في الحاضر والمستقبل. ويقول محدثنا نحن شعب ولد في رحم المعاناة وجدنا أمامنا الاحتلال والحصار والانتفاضات ولم نعرف الرخاء وقدرنا مواصلة المعركة حتى نتحرر ونخرج من الصندوق. المصور الثائر دوما.. عن الحياة في غزة يقول محدثنا انها اقرب للسجن من أي شيئ اخر, فهناك الالاف من خريجي الجامعات كل سنة ولكنهم لا يجدون عملا و حتى البحر مصدر الحياة مغلق امام اهل غزة, وما هو مفتوح للغزاويين تحول الى مجاري فلا وجود في غزة لبنية تحتية أو صرف للمياه. الغزاوي رغم كل ذلك يقول محدثنا يصنع من المعاناة أملا ويجعل له في الصخر منبتا يقتات منه. بجهود فردية يحاول أهل غزة الوصول الى العالم و تعرية ممارسات الاحتلال. وقد باتت اليوم المواقع الاجتماعية واحدة من الوسائل المتاحة لنقل الواقع في غزة ومصافحة أصدقاء افتراضيون و لكنهم يستمعون للصوت القادم من هناك. وهذا ما ساعد مومن على تجاوز محنته بعد اصابته وقطع اطرافه فقد كان يقضي الليل طالبا صداقة افراد لا يعرفهم في كل مكان في العالم وأحيانا يبدو كأنه يخاطب أشباحا وللمواقع الاجتماعية مكان في حياته واستعادته الامل مع اصدقاء افتراضيين جدد, بعضهم كانوا يتفاعلون معه حتى أنه أصبح له علاقات مع نشطاء في ايطاليا حاولوا استضافته وسعوا طوال ثلاث سنوات ليحصل على الفيزا لينظم محاضرات ومعارض ونقل معاناة اهل القطاع و لكن المعابر كانت مغلقة في كل مرة والنتيجة أنه ظل سجين الواقع.. الحياة في غزة صراع يومي حيث يكشف محدثنا أنه بالاضافة الى ان غزة سجن فهو من اسوا انواع السجون وانه يتعين على العالم أن يتخيل أنه في 2019 لا يتوفر للقطاع الماء والكهرباء... ويعتبر أن العالم خذل أهل القطاع و تجاهل معاناتهم و دون أن يشير الى الامر يبدو مؤمن عازف عن الحديث عن السياسة و السياسيين و يقول أن الكل من الضفة الى القطاع يجري وراء السراب ويلهث وراء اوهام السلطة والكل يكاد ينسى ان هناك احتلال للارض وان قادة الاحتلال يريدون الحصول على السلام مجانا وان هدفهم الارض والسلام على حساب أصحاب القضية الاصليين. قد يبدو له ان الوضع في الضفة افضل فهناك على الأقل لديهم الماء والكهرباء ويمكن للشباب في الضفة التنقل بسهولة اكثر مما يتوفر لشباب غزة. مؤمن الذي حمل في نفسه هم القضية لا يفهم سبب استمرار الانقسام الفلسطيني الذي يحمله مسؤولية الوضع الراهن والمعاناة التي تجاوزت كل التوقعات و هو يشدد على ان عدم ترشيد الامكانيات والأموال المتوفرة لاصحاب السلطة فاقمالكارثة الانسانية, ولكنه يستدرك موضحا ان الاحتلال يظل السبب الأول للماساة وهو من هدم الانسان الفلسطيني و حطم طموحاته واجهض أحلامه. ومع ذلك فهو يشير الى ان الشعب الفلسطيني يعرف جيدا الصحيح وله رؤية مستقبلية وإرادة لتحقيق تطلعاته رغم قتامة المشهد وغياب التضامن العربي الذي يعتبر محدثنا انه انتهى من زمان... انه حلم فلسطيني لا يموت ماهو حلم مؤمن اليوم؟ وجوابه بسيط أن نعيش بسلام ويكون للفلسطينيين حرية الرأي والتعبير وحرية التنقل في وطن فلسطيني ويخلص"بدنا نعيش حياة طبيعية الله منحنا هذه الحياة والانسان يسلبها منا". مؤمن فايز من مواليد 1987 شاب غزاوي استشهد والده و عمره أسبوع واحد كان ممن أطلقوا شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى انتفاضة الحجارة و له ستة اخوة بينهم شهيد ارتقى خلال عدوان 2014 واخر اسير, قصف بيت العائلة مرة أولى ومرة ثانية وفي كل تجد العائلة نفسها ككل أهل غزة تبحث لها عن مأوى... يصر مؤمن قراقع على مواصلة الرسالة الاعلامية التي اعتنقها مهنة وحملها حلمه في الحياة. كانت الكاميرا وسيلته في توفير الرزق وطريقة للعمل مع وكالات الانباء العالمية وهي اليوم وبعد أن سرقت صواريخ الاحتلال ساقاه رئته التي منها وبها يعيش ويتحدى كل انواع المخاطر وهو بالتأكيد يؤكد أن طائر الفينيق الذي عاد من الرماد ليحلق عاليا ليست اسطورة بل هي حكاية يومية في كل انحاء فلسطين.. مؤمن فايز يسعى الى معانقة العالمية وجراحه لم تمنعه من العودة الى المعركة اكثر قوة فالكاميرا تعرفه واعاقته مسألة ثانوية عندما يتعلق الامر بالحقيقة يتسلق السطوح ويقف فوق السيارات لينقل الكاميرا الى حيث الحدث ..على كرسيه المتحرك يتنقل على الميدان يقتنص اللحظة ويؤكد في كل خطوة أن الصحافة مهنة المتاعب ولكن لا معنى للمتعاب عندما تكون على الميدان... مؤمن يتحدث عن تجربته رافضا لكل معاني الشفقة وهو يعتبر أنه قادر على تحمل المسؤولية حيثما يكون طالما كانت عشيقتع الابدية الكاميرا بين يديه... لقد دأب العالم ومنذ سنوات على احياء اليوم العالمي لانهاء الافلات من العقاب في جرائم قتل وتعذيب الصحفيين ومع حلول ال23 من نوفمبر يتحول الموعد الى مهرجان خطابي للتنديد بكل الجرائم المقترفة في حق جنود القلم والكاميرا ومع ذلك فان معاناة الصحفي الفلسطيني في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة لا تزال بعيدة عن اهتمامات اصحاب الشأن ومازال المستهدفون ينتظرون خطوات جدية تمنع الاحتلال من تكرار جرائمه التي لا تتوقف... كتب لمؤمن فايز أن يكون شاهدا على اجرام الاحتلال في مرحلتين قبل وبعد بتر ساقيه وهو الذي مازال يرفض الاستسلام والتخلي عن حلمه في الحرية والحياة بسلام شأنه شأن كل شباب العالم مع فارق مهم وهو أن مؤمن يرفض أن يرتبط مصيره باعاقته الجسدية التي يعتبرها تفصيلا عندما يتعلق الامر بالاعاقة الذهنية وفقدان الارادة وغياب الطموح وقبر الحلم الذي لا يقبل النسيان او التنازل..