في العادة ومع نهاية كل سنة، يقترح الوزراء على رئاسة الحكومة ووزارة المالية، حجم الاعتمادات المالية المطلوبة لوزاراتهم لتنفيذ البرامج والإصلاحات المناسبة للنهوض بالقطاعات التي يشرفون عليها، ومن هنا ينطلق النقاش صلب الحكومة للموازنة بين استحقاقات تنفيذ البرامج الوزارية والإصلاحات وإمكانيات الدولة المالية، وينتهي هذا النقاش بترجمة التوازن بين الاعتمادات المطلوبة والإمكانيات المرصودة في صياغة مشروع قانون المالية، إذ يجتهد كل وزير في الدفاع عن برامج وتوجهات وزارته التي ينوي تحقيقها في إطار برامج ورؤية ملمّة باحتياجات القطاع الذي يُشرف عليه. ولكن هذه السنة ومع انطلاق مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2019 سيجد اثنا عشرة وزيرا أنفسهم «مجبرين» على تبنّي وتنفيذ مقترحات وزراء آخرين. سيدافع هؤلاء الوزراء الجدد عن ميزانيات وزارات لم يضعوها وأغلبهم لم يتسّن لهم الوقت الكافي للاطلاع على البرامج المزمع تنفيذها قطاعيا... سيخضع هؤلاء الوزراء إلى «امتحان ثقة» أمام نواب سيناقشون الاعتمادات المرصودة لمختلف الوزارات حسب مشروع قانون المالية المُحال من رئاسة الحكومة وسيجد هؤلاء الوزراء أنفسهم في موقع «المُدافع» عن برامج واعتمادات لم يتبنوها ولم يناقشوها ولم يلتزموا «أخلاقيا» بتنفيذها. فكيف لهؤلاء الوزراء، الذين أتى تعيينهم في سياق إحداث الرجّة الايجابية في عمل الحكومة وتقديم الإضافة، أن يقدّموا هذه الإضافة ويرتقوا بالقطاعات التي يشرفون عليها وينفّذوا برامجهم ورؤيتهم وتوجهاتهم بميزانيات غيرهم؟ وما جدوى التحوير إذا لم تكن للوزراء توجهات ورؤى مختلفة؟ وزراء سيكتفون ب«التنفيذ» سيجد كل من وزير العدل محمد كريم الجموسي ووزير الصحّة عبد الرؤوف شريف ووزير الشؤون المحلية مختار الهمامي ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الهادي الماكني ووزيرة الشباب والرياضة سنية بالشيخ ووزيرة للتكوين المهني والتشغيل سيّدة الونيسي ووزير للسياحة روني الطرابلسي ووزير النقل هشام حمد ووزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية نور الدين السالمي، أمام ميزانيات واعتمادات مرصودة لقطاعات يشرفون عليها دون أن تكون بالضرورة تتوافق مع توجهاتهم ورؤاهم وبرامجهم لهذه القطاعات التي سيشرفون عليها السنة القادمة، ولن تكون بالضرورة هذه الاعتمادات المرصودة منسجمة مع رؤيتهم الإصلاحية لهذه القطاعات، طبعا إن وجدت هذه الرؤية الإصلاحية . فوزارة العدل التي تواجه رهانات وتحديات خاصّة في علاقة بحالة السجون ومراكز الإصلاح، تتطلّب بالضرورة اعتمادات استثنائية لتحسين وضعية حوالي 27 وحدة سجنية حتى تقوم بدورها الإصلاحي وحتى لا يقتصر دورها على الردع والعقاب، لن يملك الوزير الجديد على ضوء الميزانية المقترحة لوزارته هامشا كبيرا للدفاع عن مثل هذه الإصلاحات الضرورية والأساسية في عملية إصلاح السجون والحدّ من الاكتظاظ بما يترتّب عنه تقلّص في نسب العود وتقلّص نسبة صناعة «المنحرفين والمتطرّفين» في السجون. ونفس الأمر ينطبق على وزارة الصحّة التي تعيش أوضاعا صعبة على مستوى البنى التحتية للمحطّات الاستشفائية العمومية وتردّي الخدمات الصحية، التي تتطلّب اعتمادات استثنائية لحماية الحق الدستوري للمواطن وهو الحق في الصحّة، ولكن الوزير الجديد عبد الرؤوف الشريف، يضطر للتصرّف ولمواءمة رؤيته الإصلاحية مع الميزانية التي طالب بها سلفه عماد الحمامي. وذات الأمر ينطبق على مختار الهمامي وزير الشؤون المحلية والبيئة الجديد وكذلك الهادي الماكني وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية وسنية بالشيخ وزيرة شؤون الشباب والرياضة وسيدة لونيسي وزيرة التكوين المهني والتشغيل وروني الطرابلسي وزير السياحة وهشام بن أحمد وزير النقل ونور الدين السالمي وزير للتجهيز والإسكان والتهيئة الترابية ومحمد فاضل محفوظ الوزير لدى رئاسة الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية المجتمع المدني... فكلّهم سيكونون مجبرين على تنفيذ ميزانيات غيرهم. وبالنسبة لشكري بن حسن الوزير لدى رئاسة الحكومة المكلف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ولرضوان عيارة الوزير المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج وكمال مرجان وزير للوظيفة العمومية، فإنهم سيجدون أنفسهم أمام أعباء وزراية جديدة دون اعتمادات ودون برامج أو رؤى أو توجهات واضحة بغاية تحقيق نتائج ناجعة.