في ظل انخفاض مردودية أهم المصادر الذاتية للدولة المدرة للعملة الصعبة، وأهمها قطاع التصدير بسبب تراجع إنتاج الفسفاط بنسبة 25 بالمائة خلال السنة الجارية، مازالت بلادنا تعيش أزمة احتياطات النقد الأجنبي الذي بلغ حتى يوم أمس حدود ال12690 مليون دينار، أي ما يعادل ال78 يوم توريد. واليوم، يبدو أن القطاع الأقرب لإنعاش المخزون الوطني من العملة الأجنبية هي السياحة التي تعرف تحسنا ملحوظا في الآونة الأخيرة حسب المؤشرات والإحصائيات الرسمية التي تبين تحسن قيمة العائدات السياحية لتصل إلى موفى الشهر المنقضي حدود ال3.50 مليار دينار مسجلة ارتفاعا بنسبة 46 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2017. كما تطورت العائدات المالية بحساب الأورو بنسبة 8.26 بالمائة لتصل إلى 1.06 مليار دينار، بينما سجلت العائدات بحساب الدولار 36.4 بالمائة لتبلغ 1.26 مليار دينار خلال نفس الفترة. وشهد عدد الزائرين عبر الحدود إلى تونس ارتفاعا بنسبة 17 بالمائة ليصل إلى أكثر من 6.368719 مليون شخص، واحتل السياح الأوروبيون المركز الأول بنسبة 43.9 بالمائة من مجموع السياح، ومن بينهم 663.221 ألف سائح فرنسي وبتطور بنسبة 38.5 بالمائة، و591.152 سائحا روسيا. وبخصوص الأسواق التقليدية لتونس، فقد شهدت بلادنا عودة الأسواق التقليدية، على غرار انقلترا وفرنسا وألمانيا وبلجيكيا وهولندا لاختيار الوجهة التونسية لقضاء عطلهم الصيفية بعد أن عرفت هذه الأسواق تراجعا وعزوفا نحو ما يزيد عن الخمس سنوات على اثر الوضع الأمني الذي شهدته البلاد خاصة على خلفية العمليات الإرهابية التي استهدفت السياح. والاهم أن التوقعات تؤكد تواصل تحسن القطاع، حيث أن المجلس العالمي للسياحة والسفر يتوقع أن يبلغ عدد السياح الوافدين على تونس موفى السنة الجارية إلى 7.746 مليون سائح أي بنسبة نمو تقدر ب6.4 بالمائة، لتحل بذلك تونس في المركز ال 57 من حيث مساهمة النشاط السياحي والسفر في مجموع الناتج المحلي بنسبة 14.2 بالمائة خلال السنة المنقضية. من جهتها، توقعت وزيرة السياحة السابقة سلمى اللومي قبيل مغادرتها للوزارة أن يبلغ العدد الإجمالي للسياح الوافدين إلى الوجهة التونسية خلال كامل السنة الجارية ال8 ملايين سائح لترتفع بذلك قيمة الإيرادات إلى النصف، بعد أن كانت قد استقبلت بلادنا السنة الماضية في حدود ال7 ملايين سائح، وفّروا عائدات بقيمة 2.8 مليار دينار تونسي. وتبعا لهذه الإحصائيات الرسمية والأرقام الايجابية، بات شبه المؤكد أن القطاع السياحي في تونس بدأ يستعيد عافيته وأن جميع محاولات ضرب السياحة والاقتصاد في تونس من قبل الجماعات الإرهابية تسير نحو الفشل رغم تداعياتها الموجعة التي استهدفت البلاد والسياح والأمنيين إبان ثورة جانفي 2011 .. كما يبقى القطاع السياحي من أهم القطاعات التي تعول عليها بلادنا في الوقت الراهن باعتباره يمثل ما يناهز ال8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ويعد أهم القطاعات المدرة للعملة الصعبة. وبالتالي فان أي تراجع في هذه المؤشرات في الوقت الراهن، سيكون له تداعياته الوخيمة على القطاع خصوصا وعلى اقتصاد البلاد عموما، وهذا ما عبر عنه العديد من المتدخلين في القطاع على اثر التحوير الوزاري الأخير الذي شمل حقيبة السياحة، وتعيين روني الطرابلسي على رأس الوزارة. بالمقابل، عبر عدد آخر من المهنيين عن ارتياحهم بهذا التعيين باعتبار أن هذه الشخصية تنتمي إلى القطاع وقريبة جدا من مشاغله، كما أن هذا التعيين بعث برسائل ايجابية إلى الخارج حسب التصريحات التي أدلى بها العديد من المراقبين في المجال على الصعيد الوطني والدولي إبان التحوير الوزاري الأخير. وفي هذه الحالة، يبقى مشروع وبرنامج الوزير الجديد الذي أعده لتحسين القطاع أهم الانتظارات كي تستعيد السياحة التونسية عافيتها، باعتبار أن الدولة تعول على هذا القطاع دون غيره في الوقت الراهن لتغطية النقص الكبير الذي خلفته بقية القطاعات الاقتصادية المدرة للعملة الأجنبية..