قرر مكتب مجلس النواب أوّل أمس، إحالة المبادرة التشريعية لرئاسة الجمهورية المتعلقة بقانون أساسي لتنقيح مجلة الأحوال الشخصية للمساواة في الميراث، على أنظار لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في مجلس نواب الشعب، بعد مصادقة مجلس الوزراء منذ أسبوع على مشروع هذا القانون الذي يعطي حرّية للشخص في طريقة توزيعه للميراث سواء وفقا للآية القرآنية التي تحدد نسبة كل فرد في العائلة، أو وفق الدستور الجديد الذي يقرّ المساواة التامّة بين الرجل والمرأة. ويأتي مشروع القانون كمبادرة من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي.. مبادرة أثارت الجدل على مدى الأشهر الماضية داخل البلاد وخارجها وحرّكت برك "الاجتهاد الراكدة" منذ قرون في الفقه الاسلامي الذي يرفض أغلبها التجديد و"يطمئن" الى التقليد، رغم التطوّر الذي شهدته المجتمعات الاسلامية. ورغم أن المبادرة تركت الخيار للمورّث و"لم تجازف" بالذهاب بعيدا، إلاّ أنها نجحت في إثارة نقاش مجتمعي تجاوز الحدود وأثار الجدل حتى داخل المدارس الفقهية العريقة وآخرها الأزهر الذي انقسمت الآراء داخله بين مؤيّد لهذه المساواة في الارث كما عبّر عن ذلك أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الدكتور سعد الدين الهلالي، الذي اعتبر مسألة المساواة في الميراث "صحيحة فقها لا تعارض كلام الله".. ورافض جملة وتفصيلا لها... موقف كلّف الدكتور الهلالي تبرّأ الأزهر منه وفسح المجال الى نقاش محتدم داخل المجتمع المصري، كما أثارت ذات المبادرة الجدل في دول أخرى. اليوم نجد الأحزاب والسياسيين أمام امتحان "فرز المواقف" خاصّة وأن اغلب الاحزاب والقوى السياسية جنحت للصمت ولم تعبّر صراحة عن موقفها من مسألة المساواة في الارث متعلّلة بانتظارها أن تتحوّل المبادرة الى مشروع قانون ويُحال على مجلس نواب الشعب لكي تعبّر عن مواقفها، وهو ما حصل فعلا،وبدأت على ضوئه الأحزاب في اعلان مواقفها تباعا... مواقف لا يخلو بعضها من التوظيف السياسي والتفكير في الانتخابات القادمة بالتماهي مع قوى الرفض التقليدية المتحصّنة بالقاعدة الأصولية التي تقول أنه "لا اجتهاد في النصّ" وأن الآية "للذكر مثل حظّ الأنثيين" صريحة في عدم مساواة بين الرجل والمرأة في الأنصبة وفي مقادير الإرث. مواقف الأحزاب تبنت أغلب الأحزاب مبادرة "المساواة في الميراث" ومنها حزب "نداء تونس" حيث اعتبرت القيادية في الحزب في "تدوينة" على صفحتها الرسمية أن "مشروع قانون المساواة في الإرث يرتكز أساسا على الدستور ويتناغم تماما مع روح الدستور، وبما أن رئيس الجمهورية هو الضامن لاحترام الدستور فهو من تقدم بهذه المبادرة التشريعية التي تتطابق كليا مع الإقرار بمدنية الدولة والمساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات وسهر الدولة على تطوير مكتسبات المرأة، ومع ذلك فإن القانون يسمح بالاستثناء إذا ما رفض المورث تطبيقه، بمعنى أن الأصل هو الدولة المدنية والاستثناء هو الاستناد للشريعة".. ويتقاسم هذا الموقف مع حزب "نداء تونس" أغلب الأحزاب "المنشقة عنه" مثل حزب "مشروع تونس" وحزب "بني وطني" وكذلك تتبناه كتل نيابية كبيرة مثل كتلة "الائتلاف الوطني" وكتلة حزب "نداء تونس" وكتلة "الحرّة".. بدوره أعلن حزب التيار الديمقراطي أنه مع مبدإ المساواة في الإرث، وكذّلك عبّرت الجبهة الشعبية من خلال النائب عن الجبهة بمجلس نواب الشعب عمّار عمروسية، أنها مع قانون المساواة في الميراث الذي يتنزّل ضمن مبدإ عام أقرّه الدستور الجديد وهو مبدأ المساواة بين الجنسين، وأن هذه المساواة هي قضية فكرية ستثبت مثلا مدى التزام حركة "النهضة" بمدنية الدولة وبمسألة فصل الدعوي عن السياسي، كما أكّد عمّار عمروسية أن مسالة المساواة في الميراث قضية حضارية لأن الشعوب لا يمكنها أن تتقدّم ونصفها مهمّش وأن الحقوق الفردية والعامّة ليس هناك وقت لطرحها للنقاش العام. موقف يردّ مباشرة على موقف حركة "النهضة" منذ أيام عندما اعتبر رئيس كتلة الحركة نور الدين البحيري أن وقت طرح المبادرة "غير مناسب" في توقيته و أن "النهضة ترفض مبادرة رئيس الجمهورية المساواة في الميراث لأنها مخالفة لمبادئ الدستور ولقيم الاسلام مخالفة صريحة"، مضيفا ان الحركة "متمسكة بأحكام الفصل الأول من الدستور الذي يقول ان تونس دولة مستقلة ذات سيادة دينها الاسلام". لكن هذا الموقف تطوّر بعد ساعات حيث اعتبر البلاغ الصادر عن حركة "النهضة" أوّل أمس أنه وبخصوص "مشروع قانون المساواة في الميراث تجدد الحركة موقفها الذي عبرت عنه خلال الندوة السنوية لهياكلها بأنها ستتفاعل مع مشروع القانون عبر دراسته واقتراح التعديلات التي تراها ملائمة على ضوء مقتضيات الدستور ورغبة أوسع قاعدة من التونسيين، آملة من مختلف الأطراف التعاطي مع المشروع المقترح على المجلس بمسؤولية ودون توظيف".. وهو ما يعكس بوضوح محاولات الحركة لطرح موقف لا "يحرجها" شعبيا وجماهيريا مع قواعدها التي ما زالت لم تحسم نهائيا مسألة "مدنية الحركة" وفصل الدعوي عن السياسي، وكذلك موقف لا "يحرجها" دوليا أمام الشركاء والأصدقاء والقوى المؤمنة ب"المدنية" أو حتى محلّيا أمام خصومها الذين ما فتئوا يشكون في "مدنيتها" وأوّلهم رئيس الجمهورية الذي صرّح منذ أشهر "أنه فشل في سحب حركة النهضة الى المدنية". المفتي "يرفض" والمرزوقي "يغيّر موقفه"! ويبرز بين مختلف هذه المواقف مفتي الديار التونسية،عثمان بطيخ الذي أكّد أنه لا يجوز شرعا المساواة في الارث بين الرجل والمرأة، موصيا في لقاء بنواب الشعب بمجلس النواب أن ذلك "سيفتح المجال للمتطرفين لاستغلاله ضد تونس بدعوى انها خارجة عن شرع الله والبلاد في حاجة إلى التهدئة" بحسب تعبيره. ومن بين المواقف التي بدت "غريبة" وفق بعض الملاحظين، هو موقف رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي حيث أن اغلب مواقف القيادات والأحزاب السياسية بدت منسجمة الى حدّ ما مع خلفية مختلف الاحزاب ومرجعياتها الفكرية وخطها السياسي والايديولوجي. ففي مارس 2011، صرّح المرزوقي بأنه مع المساواة في الارث وأنّه في 1995 كان أول من أمضى على وثيقة المساواة في الارث ولكنه اليوم يرفض مشروع القانون بتعلّة ان التوقيت غير مناسب لطرحه! ورغم انّه يُتوقّع ان تتم المصادقة على مشروع قانون المساواة في الميراث بأغلبية نيابية حتى لو رفضت حركة النهضة التصويت لفائدته، الاّ أنه يتوقّع أن يواصل مشروع هذا القانون إثارة الجدل المجتمعي داخل وخارج تونس. منية العرفاوي مؤطّر مشروع قانون أساسي يتعلق بإتمام مجلة الأحوال الشخصية الفصل الأول: يضاف إلى الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية باب سابع مكرر تحت عنوان "أحكام تتعلق بالتساوي في الميراث" يتضمن الفصول من 146 مكرر إلى 146 سابعا، الأتي نصها: الفصل 146 مكرر: البنت انفردت أو تعددت ترث جميع المال أو ما بقي عن أصحاب القروض عند وجودهم. ولا يرث معها الأب أو الجد إلا السدس دون أن ينتظر شيئا آخر. ولا يرث معها الإخوة والأخوات مهما كانوا ولا الأعمام مهما كانوا ولا صندوق الدولة. الفصل 146 ثالثا: البنت مع الإبن يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. الفصل 146 رابعا: الأحفاد إناثا وذكورا مهما كانت طبقهم يرثون مثل ما كان سيرجع لأصلهم المباشر كما لو كان حيا في تاريخ وفاة سلفه. ويوزع نصيب الأحفاد بينهم بالتساوي. الفصل 146 خامسا: الأم والأب إذا اجتمعا وانعدم الفرع الوارث يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة عند وجوده أو وجودها. الفصل 146 سادسا: للزوج أو الزوجة النصف عند انعدام الفرع الوارث والربع عند وجوده. ويتمتع الأرمل والأرملة قانونا بحق السكنى بمحل الزوجية الراجع لأحد الزوجين المتوفى بشرط: أولا: أن لا يكون على ملك الأرمل أو الأرملة مسكن. ثانيا: أن يكون المحل غير قابل للقسمة. ثالثا: أن يكون له منها أو لها منه ولد أو أكثر أو استمرت علاقتهما الزوجية أربع سنوات على الأقل. ويسقط هذا الحق في حال الزواج من جديد أو عدم الإستقرار بمحل السكنى لمدة تتجاوز السنة بصفة مسترسلة أو أصبح للأرمل أو للأرملة مسكن على ملكه. الفصل 146 سابعا: الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق أو مع الجد يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب القروض عند وجودهم. والأخت للأب مع الأخ للأب يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. والأخت للأب مع الأخ للأب والشقيقتان يرثون بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب القروض عند وجودهم. الفصل 2: تطبق أحكام الفصول من 146 مكرر إلى 146 سابعا من هذا القانون ما لم يصرح المورث في قائم حياته لدى عدل إشهاد باختياره تطبيق أحكام الفصول الواردة بالأبواب من 1 إلى 7 من الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية دون غيرها. على عدل الإشهاد الذي حرر التصريح توجيه إعلام إلى ضابط الحالة المدنية بالبلدية التي بها مركز انتصابه في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ تحريره. على ضابط الحالة المدنية إجراء ما يلزم قصد إدراجه حالا بمنظومة الحالة المدنية وإحالة الإعلام في أجل أقصاه 3 أيام إلى ضابط الحالة المدنية بمكان ولادة المصرح ليقوم بتضمين محتواه بدفاتره فور توصله به. يتم التنصيص على مضمون الإعلام بمضمون وفاة المصرح عند استخراجه. وبالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج، فإن التصريح المشار إليه بالفقرة الأولى من هذا الفصل يكون أمام الأعوان الدبلوماسيين أو القناصل المعتمدين والذين عليهم التقيد بالإجراءات المنصوص عليها بالفصل 17 من قانون الحالة المدنية. يمكن للمصرح الرجوع في تصريحه وذلك طبقا لنفس الإجراءات المشار إليها بهذا الفصل، وعلى ضابط الحالة المدنية في هذه الحالة شطب مضمون الإعلام من دفاتره ومن منظومة الحالة المدنية. يمكن إبطال التصريح طبقا للقواعد المنصوص عليها بمجلة الإلتزامات والعقود. الفصل 3: يضبط أنموذج الإعلام بقرار من وزير العدل بعد أخذ رأي وزير الشؤون الخارجية والوزير المكلف بالجماعات المحلية واستشارة الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد. الفصل 4: تضبط بأمر حكومي الإجراءات الفنية التطبيقية لأحكام الفقرات 2 و4 و5 من الفصل 2 من هذا القانون. الفصل 5: تنطبق أحكام هذا القانون على التركات التي يستحق فيها الإرث، على معنى الفصل 85 من مجلة الأحوال الشخصية، بعد أنقضاء أجل 6 أشهر من تاريخ نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.