هل تخضع كل الملفات والمواضيع لمنطق المزايدة وإحراج الخصوم السياسيين وتلك هي «الشطارة» وقواعد اللعبة أم هناك خطوط حمراء يقف عندها الجميع لا سيما إذا ما تعلق الأمر بقضايا مصيرية يرقى بعضها إلى مرتبة الامن القومي الذي لا مجال للمناورة فيه تحت أي عذر من الأعذار؟ لماذا يلتبس علينا الحال اليوم ونقف حائرين في تبين ما تضمره الطبقة السياسية بكل أطيافها من وراء رفع «كلمة الحق» ونذهب باتجاه وضع الفرضيات والتشكيك هل فعلا يراد منها الحق والحقيقة أو لعل رافعوها يريدون الباطل من خلفها ويبحثون عن قضاء المآرب والمصالح الشخصية والحزبية والانتخابية الضيقة؟ نقول هذا الكلام أمام ما نلاحظه من تنامي السجال والجدل حول ملف الاغتيالات السياسية في مرحلة أولى لينضاف إليها مؤخرا ملف صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد والأكيد أن سياق الصراع الحزبي والسياسي في سنة انتخابية وفي أجواء متأزمة سيحمل دون شك المزيد الملفات والسجالات. ليس المقلق إثارة هذه الملفات أو غيرها وإخضاعها إلى منطق إحراج المنافسين السياسيين أمام الرأي العام فكل الديمقراطيات تشهد مثل هذه الأحداث قبيل الانتخابات وقد شهدنا إبان الانتخابات الفرنسية الأخيرة إثارة ملف يدين المرشح الأوفر حظا حينها في الفوز حسب استطلاعات الرأي فرنسوا فيون قضى على أحلام الرجل وأعاد خلط أوراق المعركة الانتخابية لصالح ماكرون القادم من بعيد. لكن المزعج في واقع حالنا اليوم أن السجال والصراع يطال الثوابت التي لا غبار عليها كما يترافق مع اتهامات وشكوك شبهات التوظيف والتلاعب باستحقاقات الوطن والمطالب المرفوعة من التونسيين قبل أن تكون شعارات الأحزاب والفاعلين السياسيين ضمن أجنداتهم الانتخابية. إن كشف حقيقة الاغتيالات مطلب طال انتظاره وهو مشروع متأكد ودونه لن تضمد الجراح المفتوحة ولن نمر فعليا إلى بناء الجمهورية الثانية تماما كما رد الاعتبار لضحايا الانتهاكات والتزام الدولة بالتعويض المعنوي والمادي فالأمر لا يخضع للتحجج بميزانية وإمكانيات الدولة وإن يحمل الكثير من الوجاهة ويناقش في اتجاه مراعاة الظرف الراهن والتنازل ربما للفائدة والمصلحة العامة لكن لا يعنى ذلك المساومة في المشروعية إذا ما كنا حقا نؤمن بمسار الانتقال الديمقراطي وأبجدياته من حيث هو أيضا سعي للملمة جراح ومخلفات الماضي والانخراط في البناء لمستقبل أفضل. والخطير أن هذه الثوابت أصبحت تخضع أو -هكذا يستشف الكثيرون- إلى حسابات الربح والخسارة كما تحوم الشكوك حول نوايا الزج بها في مربع الصراعات الانتخابية الضيقة. ممارسات أو هي تخمينات إذا ما تأكدت وأثبتتها الأيام لا يمكن أن تدرج إلا في خانة عدم خدمة الحقيقة والمشروعية في تلك الملفات والقضايا والاستحقاقات المثارة وأكثر من ذلك قد تكون مطية البعض لتفويت الفرصة على المواطن والبلاد في صراع انتخابي على قاعدة البرامج والتنافس على تقديم البدائل والحلول الأفضل وإقناع الناخب بها وهي كنه وجوهر العلمية الديمقراطية والانتخابية التي لم نشهدها إلى الآن وحل محلها الاستقطاب الثنائي والمناورات التي شهدنا نتائجها وتداعياتها على امتداد 8 سنوات.