تعمقت معاناة متساكني جهة القصرين في الايام الاخيرة من جراء تعدد النقص الفادح الى حد الغياب التام لبعض المواد الاساسية مع تسجيل ارتفاعات جديدة غير معلنة لمواد اخرى، وانتشار ظاهرة "البيع المشروط" على اوسع نطاق الى درجة انها تحولت الى"قانون عرفي" لدى اغلب التجار ان لم نقل كلهم، فمن خلال جولة قامت بها "الصباح" في المساحات والمحلات التجارية بوسط القصرين واحياء الفتح والسلام والمنار والزهور والنور، وحديثنا مع بعض التجار والعاملين بالمساحات التجارية وعدد من المستهلكين، وجدنا ان هناك مواد غائبة بشكل تام وهي الزبدة والسميد (المخصص لصنع الخبز المنزلي والكسكسي التقليدي – العولة -) في شكل اكياس ذات 50 كلغ و5 كلغ، في حين يوجد السميد المعلب ذو وزن 1 كلغ.. وهناك نقص فادح الى حد الغياب التام منذ ثلاثة ايام للحليب العادي المدعم (نصف الدسم)، وتواجد محدود جدا في الاشهر الماضية مع عدم امكانية شراء غير علبة واحدة عند اقتناء مواد غذائية اخرى مثل " قضية اسبوع" او شهر، او باشتراط اقتناء علبتي ياغورط، وهذا الامر عايناه بانفسنا وابلغنا عنه المدير الجهوي للتجارة فتحي خضاورية فوعدنا بالتدخل للضرب على ايدي التجار المعنيين لكن هذه الظاهرة مازالت منتشرة بكثرة بل هي القاعدة الاساسية لشراء علبة حليب في صورة العثور عليه لدى احد التجار.. ولرصد تواجد الممارسات المذكورة ومحاولة تحديد اسبابها اخذنا شهادة بعض "العطارة" من ذلك ان صاحب المحل الموجود قرب جامع "بوسروال"بحي الفتح قال لنا مساء الخميس لما زرنا محله:"الحليب المدعم مفقود تماما والسميد المخصص لاعداد "العولة" كذلك ونفس الشيء بالنسبة للزبدة.. واليوم (الخميس 6 ديسمبر) سجلنا الترفيع في سعر"حارة"البيض من 840 الى 880 مي، وقبل حوالي 4 اسابيع، تم الترفيع في اثمان كل انواع "الياغورط" والحليب غير المدعم، وهو ما يعني ان مصنعي الحليب المدعم اضافوا زيادة الى بقية منتوجاتهم الاخرى وهو امر لا يلاحظه المستهلك الا اذا اقتنى هذه المواد، والمسؤولية يتحملها هؤلاء المصنعون الذين لا يريدون ضخ الكميات الكافية من الحليب المدعم في الاسواق ليفرضوا على المستهلكين اقتناء بقية مشتقات الحليب ذات الاسعار المرتفعة لتحقيق المزيد من الارباح، ثم يزيد المزودون الذين يبيعون الحليب ومشتقاته الطين بلة بان يفرضوا على تجار التفصيل اقتناء الحليب المدعم بكميات محدودة جدا (5 ستايك على الاكثر اي 30 علبة) وبشرط شراء كميات كبيرة من الياغورط اي"البيع المشروط"، كما تحدثنا الى التاجر الغضباني الحقي الذي يوجد محله بشارع الشهيد البجاوي بحي السلام فقال لنا:"هناك نقص فادح الى حد الفقدان شبه التام للحليب المدعم وسميد "العولة" والزيت النباتي المدعم، ولا تصلنا علب الحليب نصف الدسم المدعم مثلا الا مرة في الاسبوع تقريبا وبكمية محدودة جدا لا تفي بحاجيات اكثر من عشرات الحرفاء وبشرط اقتناء "الياغورط" من المزود بالجملة، والسبب في ذلك حسب تجربتي كتاجر تفصيل منذ سنوات عديدة "التسيب" الكبير للمزودين وسائقي شاحنات توزيع الحليب الذين اصبحوا يتجهون بالحليب المدعم لمن"يدفع " لهم اكثر من تجار التفصيل اي ان بعضهم تحولوا الى"وسطاء" جدد غير قانونيين والحال انهم مجرد سواق لدى المزودين يوصلون البضاعة دون اي تدخل".. كما قمنا ايام الاربعاء والخميس والجمعة بجولة في اكبر المساحات التجارية مثل"المغازة العامة" وهي الوحيدة في القصرين ضمن السلاسل المماثلة لها وما يشبهها من محلات كبرى بالمدينة فلم نجد فيها جميعا اية علبة حليب مدعم (نصف الدسم) او علبة زبدة او غرام واحد من سميد "العولة" وهو ما يعكس درجة تزودها من هذه المواد التي تصل الى الصفر.. واثناء جولتنا التقينا ببعض المستهلكين لاخذ رايهم مثل كمال بن سالم(استاذ تاريخ وجغرافيا باعدادية الزهور) فذكر لنا بان الحليب نصف الدسم والزبدة وسميد "العولة"غير موجودة بالمرة منذ مدة وهو يضطر للتحول الى"عطار" بعيد تجمعه به صداقة من اجل اقتناء علبة 1 لتر من الزيت المدعم وعلبة حليب واحدة "تحت الطاولة "وفي اغلب الحالات آخذ هذه الاخيرة مع علبتي ياغورط، ونفس الشيء افادنا به سالم بوزيدي( قابض بشركة النقل) قائلا انه في غياب الحليب المدعم بالقصرين لم يجد اي حل غير شرائه خلال سفراته اليومية من المحلات الموجودة بالمدن التي يمر بها اثناء عمله كقابض على متن الخطوط الطويلة (صفاقس وسوسة وقابس والكاف..) التي يتوفر بها الحليب ولكن بكميات محدودة عكس القصرين الغائب فيها كليا تقريبا، اما ليلى الخروبي (استاذة وربة بيت تقطن بحي المنار) فقالت لنا انها تخوض يوميا رحلة بحث عن علبة حليب لاكثر من نصف ساعة لدى عدة محلات تجارية و تعود بدونها لانها غير موجودة و في حالات نادرة طوال النصف الثاني من سنة2017 وكامل سنة 2018 تجد علبة تقتنيها مع شرط شراء"الياغورط"، ونفس الامر يتعلق بالزيت النباتي المدعم.. حملات مراقبة دون جدوى حول هذه الاشكاليات والظواهر المصاحبة لها افادتنا مصادر من الادارة الجهوية للتجارة انه بالفعل هناك بعض النقص في التزود بالحليب المدعم والزبدة وهو امر موجود بكل ولايات الجمهورية لكن اعوانها يتواجدون في شكل عدة فرق او حملات جهوية واقليمية مع مختلف بقية المتدخلين من صحة وامن وشرطة بلدية، تعمل يوميا لمراقبة الاسواق ومحلات البيع بالجملة والتفصيل والمخابز والمطاعم للضرب على ايدي المحتكرين والمتلاعبين باسعار مختلف المواد، وقد سجلت فرق المراقبة الاقتصادية خلال شهر نوفمبر المنقضي والايام الاولى من شهر ديسمبر باكثر من 3000 زيارة تفقد رفعت اثناءها اكثر من 250 مخالفة اغلبها بسبب الترفيع في الاسعار وعدم اشهار الاثمان واستعمال مواد مدعمة في غير الاغراض المخصصة لها وغياب الفوترة.. لكن رغم هذه المجهودات التي لا يمكن لها ان تغطي كامل احياء ومدن الجهة وقراها فانها لم تنجح في ردع المخالفين من التجار الجشعين لان تسليط خطية مالية عليهم لم يعد يكفي ولا بد من المرور الى اتخاذ قرارات باغلاق محلات الباعة المحتكرين والمتلاعبين بالاسعار والذين يعتمدون"البيع المشروط "رافة بالمستهلك الذي لم يعد يحتمل ووجد نفسه بين مطرقة الحاجة الى الحليب لاطفاله وسند التجار والمزودين الانانيين. يوسف امين