في قراءة ومتابعة لمشروع قانون المالية لسنة 2019، يبدو ان هذا المشروع –الذي قيل انه مشروع انتخابي جاء في سنة انتخابية- لن يأتي بالجديد فيما يتعلق بسبل النهضة الاقتصادية والتنموية للبلاد ولن يأتي بالجديد في ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وإيجاد الحلول التي تقطع مع المنحى السلبي لكل المؤشرات الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بخلق الثروة... ودفع الاستثمار والاهم الحد من سياسة التداين والاقتراض التي بلغت في السنوات السبع الأخيرة ذروتها وجعلت البلاد والأجيال القادمة مرتهنة. فالمؤشرات تؤكد أن سياسة الدولة الاقتصادية لن تكون مختلفة عن سياساتها السابقة في ظل العجز الكلي عن إيجاد موارد للدولة غير موارد الاقتراض وفي ظل ضعف الإنتاج وضعف القدرات التصديرية للاقتصاد وفي ظل انعدام مشاريع تنموية يمكن أن توفر مواطن الشغل وتدفع الاقتصاد وتزيد من نسب النمو وفي ظل تدهور المؤسسات الصناعية دون الحديث عما يجري في قطاع الفسفاط الذي مثل لسنوات عماد الاقتصاد والمورد الرئيسي للعملة الصعبة.. إن إقرار الحكومات المتعاقبة بانعدام الحلول التنموية وبالعجز عن تطوير موارد الدولة والرضوخ إلى المديونية كحل «مؤقت -دائم» سيؤدي حتما بالبلاد إلى الارتهان والإفلاس خاصة أن القروض التي حصلت عليها تونس ومازالت لم تذهب لتحقيق النمو ودفع الاقتصاد بل خصص الجزء الأكبر منها لخلاص مصاريف الدولة وتغطية الإنفاق وتلك الطامة الكبرى.. فالتجارب العالمية خلال العشريتين الماضيتين كشفت أن البلدان لا تضر بها أحجام الدين بقدر ما تضر بها تصرفاتها أمام الدين: فالمكسيك التي وجدت نفسها أمام أزمة مالية خانقة وتراكم كبير لديونها خرجت من أزمتها باعتماد سياسة إصلاحية صارمة وبرامج تقشّف جدية بعيدا عن ديماغوجيا التطرف في حين ان الأرجنتين عندما وجدت نفسها أمام أزمة مشابهة لجأت إلى عدم الالتزام بديونها لدى مؤسسات الاقتراض الدولية مما أدى إلى تعميق الأزمة المالية التي مرت بها الأرجنتين في بداية الألفية وأدت بالاقتصاد إلى الإفلاس وكانت كلفة التعافي مرتفعة بأضعاف المرات مقارنة بالكلفة التي عرفها المكسيك في ظروف مشابهة... تجربتان مختلفتان لا نرى تونس إلى حد اليوم في التجربة المكسيكية بل نراها سائرة وبخطى»واثقة» نحو التجربة الأرجنتينية التي لن تؤدي سوى إلى الإفلاس الذي وصلت إليه كذلك اليونان والتي وجدت في جيرانها من الاتحاد الأوروبي المنقذ والداعم... ولا نخال تونس ستجد إذا ما واصلت في سياستها هذه وفي خياراتها الاقتصادية والنقدية من يقف إلى جانبها لا من «الجيران» ولا من «الأصدقاء».. فهل من رؤية اقتصادية أخرى تعيد النظر في سياسة التداين التي مثلت الخيار الوحيد والأوحد لحكومات ما بعد الثورة؟!