بعد ازمة عاصفة شهدها الاقتصاد التونسي سنة 1986 استرجعت البلاد تدريجيا عافيتها ليصل سنة 1992 مرحلة النجاح النسبي بعد إصلاح اقتصادي هيكلي وتطورالتصديراثراقتحام منتوجاتنا لأسواق جديدة وتعزّزالسياسة التصديرية للسوق الأوروبية خاصة فيما يتعلق بالمنتوجات الفلاحية والصناعات التصديرية. وحازالاقتصاد التونسي وقتها على قدرة تصديرية عالية خاصة في قطاعات النسيج والجلود والأحذية والصناعات الكهربائية والميكانيكية والالكترونية وفي تكنولوجيا الاتصال وتصديرالخبرة. هذا التطوروالرقي الاقتصادي فتح الأفاق امام تونس بإمضاء اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 خاصة ان الارقام كانت مشجّعة؛وظل الاشكال القائم هوالتداين الذي حافظ على معقوليته ولم تتجاوزنسبته عموما ال 38.5% من الناتج الوطني الخام مع بداية 2011. الا انه وبعد الثورة ومع الظروف التي مرّت بها البلاد وانخرام التوازن الاقتصادي في ظل مطلبية غريبة تمّ اللجوء الى التداين والاقتراض لتصل نسبة التداين 43 % في نهاية 2011..ليتواصل النزيف وترتفع النسبة الى 44 % سنة 2012 و47 % سنة 2013 (حسب وزير المالية)... هذا التمشي أدّى الى صعوبات مالية مضاعفة والى تدهوراقتصادي متزايدأدى بدوره الى تخفيض الترقيم السّيادي لتونس والى انعدام ثقة المؤسّسات المالية الدولية ممّا حتّم ضمان بعض الدول الكبرى في ملفات اقتراضنا وبالتالي رفع كلفة القروض بما عمّق أزمة البلاد الحالية. وان تبقى سياسة التداين عادية لإيجاد الموارد للميزانية فإن حسن التصرف في القروض يبقى هوالأساس؛ فالتجارب العالمية خلال العشريتين الماضيتين كشفت أن البلدان لا تضرّ بها أحجام الدّيْن بقدر ما تضربها تصرّفاتها أمام الديْن. فالمكسيك مثلا التي وجدت نفسها أمام أزمة مالية خانقة وتراكم كبيرلديونها خرجت من أزمتها باعتماد سياسة إصلاحية صارمة وبرامج تقشّف جدية بعيدا عن ديماغوجيا التطرف في حين ان الأرجنتين عندما وجدت نفسها أمام أزمة من نفس الطبيعة وبنفس الحجم مقارنة مع المكسيك فإن نزعات التطرف الراديكالي التي ميزت فترة حكم الرئيس الارجنتيني الراحل "نيستور كيرشنير" (25 ماي 2003 - 10 ديسمبر2007) دفعت به إلى عدم الالتزام بديونه لدى مؤسّسات الاقتراض الدولية مما أدّى إلى تعميق الأزمة المالية التي مرّت بها الأرجنتين في بداية الألفية وأدت بالاقتصاد إلى الإفلاس وكانت كلفة التعافي مرتفعة... والمطلوب اذا سياسة حكيمة في التصرف في القروض واتخاذ جملة من الاصلاحات منها خاصة اتباع سياسة تقشف صارمة وإصلاحات داخلية والتزام كامل بالوفاء بالتعهدات من أجل إعادة الثقة للبلاد ولاقتصادها. سفيان رجب